عدوى الديموقراطية .. وعمرو موسى..!

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

الديموقراطية ، في دول الديموقراطيات العريقة بممارستها ، تحترم ليست فقط تلك النصوص المكتوبة التي يشتمل عليها الدستور ، وإنما تلك الأعراف المرشدة ، والقواعد المؤشرة على النهج الديموقراطي للحكم ، والديموقراطية لا تعني المساواة فقط بين مكونات المجتمع ، من رجال ونساء ، وطوائف أثنية وقومية ، وتمتعهم بحقوق متساوية أمام القانون ، إنما تعني كذلك احترام إرادة المجتمع الذي أرسى قواعد وتقاليد صياغة الدستور ومواده ، وآليات وقواعد أخرى التي مورست وقت صياغته ، ربما تكون مكتوبة ، وربما لا تكون ، إلا إنه يجري التعامل بها ومعها كضوابط مستقبلية ، وكنصوص في مواده ، لا يمكن الإخلال بها أو تجاهلها ، وحتى لايجوزتعديلها ، مهما كانت الظروف والأحوال ، وحتى في الظروف القاهرة جدا ، إن تم تعديل بعض نص في مادة ما ، نتيجة لحروب أو لكوارث طبيعية ، فليس قبل أن يتم الشرح والتوضيح للمجتمع ، عن الأسباب والدوافع التي تطلبت هذا الأجراء ، وإن كان من النادر الإقدام على تعديل ما لصالح فرد ، لتمديد رئاسة مثلا ، فمثل هذا ُيعتبر مؤشر لنهج دكتاتوري يغتصب حقوق الأفراد ، ويستهين بقدراتهم ، فالشعب عندهم دائما ، معين غير ناضب من قدرات المواطنين الخلاقة والمبدعة ، وهو من يرفد المجتمع بالقادة والمبدعين ، ذوي مؤهلات إبداع وتطور ، في كل مجالات الحياة وليس هناك من مجال ، لاكتشاف قدرات المواطنيين سوى الممارسة العملية في مؤسسات المجتمع التي يكفلها الدستور للمواطن .
هذا الواقع لم نعرفه أو نراه في مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية ، فلا قدسية لدستور وضعي ، يختاره المجتمع لتنظيم حياته ، ولممارسة المواطنين لحقوقهم وضمانتها ، نتيجة لفهم خاطئ للحياة عندنا ، يمزج قسرا بين الدين والدنيا ، بالرغم من أن الأديان قاطبة ، بغض النظر عن اختلاف في التفاصيل ، تهدف سعادة الإنسان وإعلاء قيمه ، وأعطته الحق لتنظيم حياته ، \" أنتم أعلم بأمور دنياكم \" وفق تطور سنن الحياة وقوانينها الموضوعية . الوسائل التي حققت للغرب ، بشكل عام ، تطوره وتقدمه هي الأساليب الديموقراطية في الحكم ، وهذا ما يتنادى له المصلحون الاجتماعيون ، والقادة السياسيون ، ورجالات الحكم ، عندنا ، على الرغم من أن البعض من رجال الحكم ورجال السياسة لا يؤمنون بهذه المبادئ ، إلا أنهم لا يجدون فتيلا من التماهي مع ضغوط المطالبين بها ، ولو لفترة من الزمن ، حتى يجدوا الحجة والسبيل للنكوص عنها ، لذا نراهم لم يعدموا الوسيلة ، وهم يحاولون الإلتفاف على مبادئها ونهجها ، وافراغها من محتواها ، واتباع أساليب تزيف جوهرها ومحتواها ، فالكثير من الحكام \" المنتخبون \" وفق مبدأ 99’99% من رؤساء الجمهوريات عندنا ، تنص دساتيرهم الوطنية و\" الدموقراطية \"، على فترة زمنية لتوليهم رآسة الدولة \" الجمهورية\" ، إلا أنهم يخرقون الدستور ، لأكثر من مرة ، بتعديلات غير دستورية ، من أجل البقاء على دست الحكم ، دون مبرر أخلاقي أو قانوني ، حتى تحولوا إلى ملوك يورثون رئاسة \" الجمهورية \" لأولادهم ، وربما لأحفادهم ، ورغم هذا نجدهم يتحدثون عن الديموقراطية والإصلاح الديموقراطي بصوت عالي ، دون خجل أو حياء ، حيث حولوا مجتمعاتهم إلى مزرعة خاصة ، أو مجتمع \" خصيان \" لا يجود المجتمع بفحل من سواهم ، أو غير قادر على إنجاب من هو مؤهل لتولي أمر العباد أو الرعية من بعدهم ، إنها المأساة التي تعيشها شعوبنا بحكم هؤلاء الحكام ، ولو كانوا قد أنجزوا منجزا حضاريا ، أو أسسوا نهجا يعود على الملايين المعدمة بلقمة عيش شريفة ، لهان الأمر ، ولاستخلفنا أمر ربنا فيهم ، إلا أنهم جرونا ، ويجروننا من جريمة لأخرى أبشع منها ، ومن هزيمة لأخرى أشنع من سابقتها ، وأوقعوا شعوبنا ومجتمعاتنا في خذلان وفرقة ليس في التاريخ لها مثيلا ، والأكثر من كل هذا ، وبعد كل هذه الهزائم ، يخرجون علينا بأنهم حققوا مكاسب وانتصارات لشعوبهم ، ليس هذا ما حصل في العراق فقط ، وما ارتكبه من جرائم بحق العراقيين والعرب ، القائد \"المهزوم أبو الهزائم \" ، فهناك الكثير منه في \" بلاد العرب أوطاني \" منهم من مضى على تسنمهم الحكم أكثر من ثلاثين عاما ، ولا زالت تعاني شعوبهم ، من فقر وتخلف وفساد نتيجة حكمهم ، ما عانى الشعب العراقي ، ولكن دون الإتعاظ بما حصل للعراق ولشعبه ..
العدوى ، عدوى تمسك الحكام بالنهج \" الديموقراطي \" وفق مواصفات ومقاسات الحكام ، انتقلت إلى الجامعة العربية ، فالجامعة ، هي نسخة طبق الأصل من واقع الحكام العرب ، وفشلهم في قيادة شعوبهم نحو واقع أفضل ، أو تحسن في أداء تعاملهم مع شعوبهم ومنظمات المجتمع المدني ، فالجامعة العربية أسوة بمن ُتمثل من الأنظمة ، لم تحقق للعرب أيا من طموحاتهم ، لا سوقا عربية ، ولا وحدة اقتصادية ، ولا أمنا إقليميا ، ولا محكمة عربية ، ولا مسعى ، ( على عينك يا تاجر ) من أجل حرمة واحترام للمواطن ، أو تمتعه بحقوق آدمية ، تضمن الحد الأدنى من حقوق الإنسان في العالم ، ولم يبد رئيس الجامعة ، حتى مجرد مشورة ، ولو بالسر يبديها للحكام العرب ، من ضرورة الإلتزام بنصوص ومواد دساتيرهم ، واحترام تواقيعهم التي حملتها تلك الدساتير ، المغرقة بتفاصيل مختلفة عن حرية المواطن وحقوقه ، دون تطبيق أو ممارسة لها . بعد كل هذا الفشل الذي تحقق ، لعمرو موسى ، في قيادة الجامعة العربية ، يستأثر بخرق دستورها ، ويسعى ، بل سعى وانتهى الأمر ، إلى تعديله ، لتعاد تسميته لولاية جديدة ، لرآسة الجامعة العربية .هل هي عدوى الحكام والقادة الفاشلين ؟ ما هو التقييم الذي جرى لفترتي قيادته للجامعة ؟ وهل هي مكافأة للفشل في عدم تحقيق أدنى طموح لشعوب الدول العربية ؟ ما هي المؤهلات التي يحظى بها السيد عمرو موسى ، ويفتقد لها الآخرون ؟ الدول العربية نفوسها تربو على ثلاثمائة مليون ، أليس فيهم من هو أهل لشغل هذا المنصب غيره ؟ والخبراء والعلماء والسياسيون من الدول العربية ، تضج بهم مؤسسات ودوائر الدول الرأسمالية والديموقراطية ، وكلهم يتمتعون بكفاءة عالية في مجالات علمهم وعملهم !! والسؤال المهم ، لماذا تبقى قيادة الجامعة مرهونة بمصر ، وخاضعة لتوجهات حكمها ؟ ولماذا لم تعارض وزارة الخارجية العراقية هذا النهج ؟ وهذا ما يجب أن تناضل دونه وتسقطه القوى الديموقراطية في مختلف البلدان العربية .
على القوى الديموقراطية العراقية ، بكل أحزابها ، وتوجهاتها الفكرية والتنظيمية ، أن تضغط باتجاه عدم جواز تعديل الدستور \" مطلقا \" فيما يخص رآسة الدولة العراقية لأكثر من دورتين متتاليتين ، وحبذا لو أقدمت الأحزاب العراقية ، على النص في أنظمتها الداخلية بعدم جواز إعادة انتخاب ، رئيس الحزب أو سكرتيره أو أمينه العام ، لأكثر من دورتين كذلك ، وفي هذا المنحى تتجدد القيادات وتتفاعل مع كل جديد ، كما تترسخ المبادئ الديموقراطية في نهج هذه الأحزاب ، وتحول دون تعميق نرجسية القادة ، بعدم وجود البديل القادر على إدارة الدفة من بعدهم ..وبذا يمكن الحيلولة دون انتقال عدوى الديموقراطية المزيفة ، في مؤسسات المجتمع ..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com