مرارة التقاعد

 

 

زهير كاظم عبود

لا نعتقد ان بلداً في العالم يذل المتقاعد مثل العراق ، ليس في هذه الأيام  وأنما منذ قيام الحكومة التي أسموها ( الوطنية  والتي لم تحفظ للأنسان كرامته وحقوقه ) ، وبعد أن تمتص الخدمة المدنية منها أو العسكرية زهرة شباب الأنسان وتحيله الى كهل لاحول له ولاقوة ، تعمد الحكومة  الى أحالة المواطن المذكور على التقاعد ، بعد أن يتم أحتساب خدمته لتقرر له مكافئة مالية متواضعة لدرجة أنه لفرط خجله وخشيته من زعل الحكومة  عليه يقوم بأستلامها وأنفاقها بسرعة على موجباته الضرورية  ، ثم تبدأ مرحلة الراتب التقاعدي .

ويفترض أن يكون المواطن بعد هذه الخدمة الطويلة التي تصل الى أكثر من ربع القرن في حال يحفظ له كرامته وشيخوخته ومابقي له من مستقبل ، تقرر له الحكومة وفقاً لقوانينها راتب لايكفي العائلة ولايسد رمقها ولايضمن لها المستقبل ، ولايعادل الجهد الطويل الذي بذله المتقاعد  ، مما يدفع العديد من المتقاعدين للبحث عن أعمال تتنا سب مع أعمارهم وشيخوختهم وغالباً ماتكون بأجور قليلة ولكنها قد تتراصف مع مبلغ الراتب التقاعدي ليعين العائلة على أن تستر حالها .

وتتجمع أعداد المتقاعدين على أبواب دوائر التقاعد بشكل لافت للنظر ومهين لدرجة ان الأنسان يشعر بالآسى والحزن لما يحل بالأب والأخ والأم والأخت ضمن هذه الحشود التي تتابع معاملاتها التقاعدية ، او تطالب بحقوقها التقاعدية ، او تريد استلام رواتبها التقاعدية سواء من المصارف الحكومية أو من دوائر التقاعد .

في العراق لانتشابه مع كل بلدان العالم التي تضع أمور عديدة بخدمة المتقاعد ، ليس اولها ركوب الباصات والقطارات وكل وسائل النقل مجاناً ، وأخرها ليس ايصال الراتب التقاعدي والمكافآت المالية التي ترسلها له الحكومة في كل مناسبة أكراماً لخدمته مصحوبة بباقة من الورد تعبيراً رمزياً عن الأمتنان والتقديرالذي يكنه المجتمع للمتقاعد  .

أعداد من البشر لايستهان بها قضت أعمارها بين خدمة الناس وخدمة الوطن ، وبعد ان ذوى شبابها وفنيت أعمارها وأنحنت ظهورها ، لم تلتفت لها الحكومات ولا أعارتها أي أهتمام يليق بها .

وكان المتقاعد أكثر الناس ضرراً في الزمن الصدامي البغيض ، فقد كان الراتب التقاعدي لايكفي حياة العائلة لأيام معدودات ، وكان الطاغية يعرف ذلك ويستمر في التلذذ بعذابات الناس ، ولمرض في نفسه فقد أستمرت معاناة المتقاعدين بمرارة ، وحين سقط الصنم وتخلص العراق من أردان السلطة الصدامية تنفس المتقاعد الصعداء أعتقاداً منه أن الحكومة القادمة ستشعر بمعاناتهم الأنسانية ، وكانت الوعود قد تراكمت حتى ملأت الآمال والبيوت ، وبأنتظار صدور قانون من الجمعية المؤقتة يلتفت الى حجم المعاناة الأنسانية ، دون أن يدري المتقاعد أن الناس منشغلين بحصصهم من الرواتب بالدولار ومخصصاتهم بأية عملة أخرى غير عملة المتقاعدين .

وبقي المتقاعد عين على الأهل وعين على السماء لعل أحد ممن تسارع راكضاً ليكون له مركزاً ومنصباً يستذكر معاناتهم وخدمتهم ، غير أن ليل البلاد يطول ، وتشاغل الناس وكانت لهم ذرائعهم وحججهم ، وكانت لهم مشاغلهم التي حجبت عنهم رؤية معاناة الأنسان في العراق .

ولم نتعرف حتى اليوم على الجهة التي تخصصت بكتابة مسودة قانون التقاعد ، ولم يشترك المتقاعد في بث وجعه وهمومه ضمن نصوص هذا القانون ، وحتى وزارة المالية التي أشتهرت بأنها العمود الفقري لكل معاناة المتقاعدين أعلنت انها لم تشترك بكتابة القانون ولم تعرف محتواه ، وبصدد ما يتعلق بوزارة المالية تقول الوزارة : (( ما  يتعلق بوزارة المالية فهناك جداول سيجري العمل به في احتساب الرواتب وهي قيد الدرس. وان السلطات التشريعية قد اصدرت هذا القانون دون اشراك او علم وزارة المالية ولا التقاعد العامة او دائرة الضمان الاجتماعي لذا كان القانون صعب التطبيق والتنفيذ وبحاجة الى اعداد تعليمات مفصلة لتلافي الاشكال الذي رافق اعداده ليكون جاهزا للتنفيذ.  ))

وليس احباطاً أن يشعر المتقاعد بخيبة أمل كبيرة أزاء ما يحدث ، فلم يتم الألتفات اليه ، ولاشرعت قوانين تعطيه جزء مما يستحقه ضمن ما تقوم به الدول الفقيرة من أهتمام ورعاية وضمان وتأمين لحياة المتقاعدين ، بالأضافة الى نوادي وجمعيات لرعايتهم ونشاطهم وتوزيع أوقاتهم .

وليس أكثر ظلماً من وقوف الذين خدموا الناس والوظيفة العامة بشرف وجهاد وافنوا في سبيلها أعمارهم ، ليقفوا بأبواب المصارف والدوائر بهذا الشكل المعيب يستجدون مخصصاتهم ورواتبهم التي يقبضونها وكأنها منة من الدولة عليهم ودون أن يشعروا بان هذه المخصصات والرواتب هي جزء صغير ودون ادنى حقوقهم التقاعدية .

كما أن التعامل اللاأنساني الذي يمارسة بعض الموظفين والموظفات الذين تيبست مشاعرهم  بحجة وزعم الزخم وتراكم المعاملات مع المتقاعدين ونسوا انهم سيكونوا مثلهم في يوم ما ،  يدلل على عدم الأهتمام وأعطاء هذه الشريحة المكافحة ما تستحقها من اللياقة والكرامة ، وجميعهم يستحقون منا المحبة والعناية والأحترام ، وجميعهم يستحقون منا الرعاية واللفتة الأنسانية التي تعيد لهم أبتسامتهم وثقتهم بأن الحكومة لم تتخلى عنهم ، وان السلطة العراقية الوطنية التي حلت على أعتاب زمن الظلم والدكتاتورية ستعيد لهم حقوقهم المسلوبة ، وهي كبيرة وعديدة .

ولتكن الأشهر القادمة من العام 2006 هي المؤشر الحقيقي لتهتم السلطة الوطنية التي تستند على الدستور لتقم بكتابة قانون يليق بالتقاعد وتعرضه على مجلس النواب للحصول على موافقة أقراره والعمل بموجبه بالسرعة الممكنة التي تتناسب مع حجم ما حل بهم من ظلم وحيف يدلاً من نسيانهم او تناسيهم .

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com