|
الصحافة الحرة و حرية الصحافة و أسئلة أخرى فينوس فائق / هولندا
هل الصحافة في العراق هي صحافة حرة بمقاييس ديمقراطية حقيقية نطمح إليها؟ أين تقف سلطة الأحزاب من الصحافة في العراق؟ إلى أي مدى تستجيب السلطة إلى النقد الذي توجه إليها من صحف تدعي الحرية و تتغنى بالديمقراطية؟ لماذا يكون نصيب الصحفي التهديد من جهات و جماعات معينة بسبب مقالة أو تحقيق جريء ، أو بسبب حرية التعبير؟ كما كان نصيبه الكبت و الإرهاب و التهديد في زمن النظام الدكتاتوري الذي لم يكن يؤمن بحرية الفكر و التعبير ، وبالتالي لم تكن هناك صحافة حرة نزيهة و حلت محلها صحافة سلطوية جائرة ، صحافة الحزب الواحد و التابعة لسلطة الرجل الأوحد ، مارست التظليل و تشويه الحقائق و غسل العقول و إبعادها عن الحقائق الرعب و الإرهاب و التخدير على مر عقدين من الزمن.. حرية الصحافة هي أحد أهم المباديء في العملية الديمقراطية عند الدول التي تنتهج النظام الديمقراطي ، إذ من البديهي أنه ليس هناك نظام دكتاتوري يسمح بحرية الصحافة ، كما من غير الممكن أن يكون النظام ديمقراطياً و يمنع حرية الصحافة ، فمن المفروض أن تزدهر حرية الصحافة كمبدأ أساسي من مباديء الديمقراطية التي هي أساس مباديء حقوق الإنسان في ظل الأنظمة الديمقراطية. و حرية الصحافة تدخل أو تندرج تحت خانة حقوق الإنسان و إحدى الحريات الإنسانية التي تتوفر في ظل النظم الديمقراطية ، أي هي بمثابة أحد الحقوق التي يجب أن توفرها الأنظمة الديمقراطية لشعوبها ، لكي يتم تمييزها عن الأنظمة الديكتاتورية .. هناك تعديل أجري على الدستور الأمريكي ينص على: أنه لا يجوز للكونكرس أن يصدر قانوناً يحدد بمقتضاه حرية الصحافة و التعبير ، و هذا معناه أن حرية الصحافة في بلد مثل أمريكا هي من الحريات التي لايمكن تحديدها أو منعها بنص قانوني ، وبالتالي فإن سلطتها في مستوى سلطة الكونكرس نفسه إن لم يكن فوقه ، و حيث أن حرية الصحافة ليست بند أو نص قانوني ممكن إلغاءه ، و إنما هو مبدأ من مباديء حقوق الإنسان في مجتمع في ظل نظام ديمقراطي. فلو تبنت الحكومة حرية الصحافة كمبدأ أساس من مباديء حقوق الإنسان و بإعتبارها حرية من الحريات الإنسانية البحتة ، فهي بذلك إنما تشجع على إقامة نظام ديمقراطي ينطلق من أهم مبدأ هو حرية الأفراد في التعبير ، لأن حرية التعبير هي أساس باقي الحريات ، فلو تم تحديد أو منع الصحفي أو المثقف من التعبير في أي مكان من غير الممكن أن يزدهر أي نوع آخر من الحريات بعدها ، فمثلاً لن تكون هناك حرية في إختيار ما يريد المثقف قرائته من مطبوعات أو مصادر يثقف بها نفسه ، لأن حرية الصحافة و حرية التعبير هي البداية المثلى لقيام صحافة حرة مستقلة و نزيهة و بعيدة عن كل أنواع التملق و التطبيل الكاذب من جهة و كل أنواع الخوف و الكبت و إذلال المثقف من جهة أخرى ، و هي البداية الحقيقية لبناء صرح ثقافي نظيف قائم على حرية التعبير بكل ما تعنيه الكلمة و ما تتمخض عنه معاني ، و هي تساعد على قيام مؤسسات ثقافية و إجتماعية حرة ، و تساعد أيضاً على خلق الأرضية المناسبة لممارسة الكثير من الحريات الأخرى منها حرية الممارسة السياسية و الفكرية و حتى الدينية ، و هذه كلها تتحقق في ظل نظام ديمقراطي وعلماني منفتح يؤمن إيمان تام بكل الحريات و على رأسها حرية الصحافة و الصحافة الحرة.. و هنا نعود للسؤال : هل أن الصحافة الحرة هي التي تساعد على قيام النظام الديمقراطي؟ أم أن النظام الديمقراطي هو الذي يمهد لنشوء الحركة الصحفية الحرة ؟ لا أعتقد بوجود صحافة حرة بدون وجود نظام ديمقراطي ، كما من غير الممكن إزدهار صحافة حرة مالم يوجد نظام ديمقراطي ، فكلاهما طرفين لمعادلة واحدة ، أو أنها جزئين يكملان بعضهما البعض. و الصحافة الحرة تساعد الشعب على السيطرة على زمام أمور الحكم بشكل مباشر ، لأنها ستمارس حق المراقبة و النقد و محاسبة الحكومة على كل صغيرة و كبيرة في أمور الحكم التي لها علاقة بالشعب ، و أن تمثل دور الرقيب الحر على الحكومة في أمور الحكم و قيادة المجتمع و تمنع على السلطة تجاوزاتها على الشعب أو محاولة ممارسة الإرهاب الفكري أو العاطفي أو السياسي أو وضع حدود لحرية التعبير و حرية الفكر.. و قد ساعدت الحركة التكنلوجية في السنوات الأخيرة على نمو و إزدهار الحركة الصحفية الحرة ، من سرعة إنتشار و نقل الخبر ، سواء بالأقمار الصناعية أو على شبكة الإنترنت على المواقع الخبرية ، فسابقاً و بسبب عدم وجود التقدم و التطور التكنلوجي كان من السهل على الحكومات الدكتاتورية أن تكبت شعوبها و تخدر عقولها و أن تنفذ جرائمها بدون أن يعلم بها العالم الخارجي ، كما حدث في الثمانينات عندما نفذ النظام العراقي أبشع جرائمه ضد الكورد في جنوب كوردستان ، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك أي نوع من قنواة التواصل مع العالم الخارجي لإيصال الخبر إلى خارج العراق بين الصحفي و المثقف الكوردي و بين العالم الخارجي من حوله ، بسبب سياسة عزل الشعب عن العالم الخارجي الذي كان ينتهجه نظام صدام ، و لأنه لم يكن هناك منفذ أمام الشعب سوى المصادر الثقافية التي كان النظام يوفرها له ، و بالتالي لم يحدث في ذلك الوقت ما حدث أثناء سقوط نظام صدام نفسه من نقل الخبر بالصورة و الصوت ساعة بساعة بل دقيقة بدقيقة ، كل هذا و كانت التكنلوجيا هي العامل الأساس في إزدهار الواقع الصحفي و ساعدت الصحفي على متابعة الخبر بدون حدود. الآن يجد المتابع و الصحفيين و المثقفين على حد سواء ملايين المنافذ و المواقع التي بإمكانه الدخول إليها و الولوج في عالم المعرفة التي تقوده إلى عالم آخر تساعده في نهاية المطاف على فهم الحقيقة ، و المتابعة و البحث و تقصي الخبرعلى شبكة الإنترنت و من مصادر أخرى أكثر وثوقاً من المصادر و القنوات الخبرية التي كانت توفرها له السلطة الحاكمة و كل ذلك بفضل التوصع التكنلوجي التي وضعت حدوداً لسلطة الحكومات و رفعت من مستوى المثقف إلى مراكز أرفع مما كانت الأنظمة الدكتاتورية تضعه فيها ، و هذا ساعد من جانب آخر على توسيع مدارك المثقف و الصحفي بشكل أعمق و أوسع بحيث صار هو نفسه لا يكتفي بالمصادر الخبرية التي توفرها السلطة الحاكمة بل يوثقها من مصادر خارجية أخرى ، وعليه يقطع الطريق على السلطة الحاكمة أو الصحافة السلطوية طريق الكذب و التعتيم و تشويه الحقائق من جانب و من جانب آخر يساعد القاريء أو المتابع البسيط أو عامة الشعب على متابعة الأحداث و بناء جسور تواصل حر بينه و بين ما يجري على مستوى السلطة ، بحيث لا تبقى هناك أية أنواع الحدود و الحواجز التي تفصل السلطة السياسية في الأعلى عن عامة الشعب في القاعدة ، و ذلك على أساس أن السلطة اساساً تنبع من بين صفوف عامة الشعب ، و هذا كله يتم بفضل ظاهرة الصحافة الحرة في العالم التي تساندها و تدعمها التكنلوجيا ، و هي تساعد من جانب آخر على إزدهار مجالات كثيرة في حياة المجتمع مثل المجال الإقتصادي ، السياسي ، الإجتماعي و العلمي ، على إعتبار أن هناك صحافة إقتصادية و صحافة إجتماعية و صحافة سياسية و صحافة تهتم بجانب التوعية في مختلف مجالات الحياة في المجتمع على غرار صحافة الترفيه و المتعة التي تسيطر على الساحة الصحفية خصوصاً على شبكات الإنترنت . و هذا كله يساعد في النهاية على أن تقوم الصحافة بدورها الحقيقي و أداء رسالة صحفية حقيقية و أن تتولى زمام السلطة الرابعة ، بيد أن الصحافة لن تستلم زمام الحكم كسلطة رابعة مالم يقم نظام ديمقراطي حقيقي يساند و يشجع على قيام صحافة حرة و تدعم حرية الصحافة. من هنا لابد العودة و التأكيد أنه كما أن الحكم يجب أن ينبع من بين صفوف الشعب ، فبالتالي ستكون أغلب المجالات في متناول يد الشعب و ليس حكر على النظام الحاكم أو بمعنى أصح العائلة الحاكمة أو الشخص الحاكم ، و لن تكون هناك فئة حاكمة تأخذ زمام الحكم في يدها و هي بعيدة كل البعد عن المعاناة الحقيقية التي عند الشعب في القاعدة ، حيث أن الحاكم و الرقيب ، السلطة السياسية و السلطة الصحفية ، كغيرهما من باقي أنواع السلطات كلها تكون نابعة من بين أيدي أفراد المجتمع..
الصحافة الألكترونية صحافة حرة بمقاييس أخرى و من أنواع الصحافة الحرة الجديدة هي الصحافة الألكترونية التي هي النوع الأكثر تطوراً من الصحافة الحرة لكن بمقاييس أخرى تختلف عن المقاييس التي تقاس بها الصحافة المطبوعة و المسموعة و المرئية نظراً لأنها لا تتقيد بالقيود و الأعراف التي تقيد الصحافة المطبوعة ، و يعتبر إنتشارها بهذا الشكل الكبير بدون حدود رد فعل على ما يعانيه المثقف من كبت و لجم للأصوات التي تحد من حرية التعبير من ناحية و من ناحية للهروب من الفلترات المتنوعة من سياسية و دينية و إجتماعية و ما إلى ذلك ، تلك التي تمر بها المواد الصحفية المطبوعة في مجتمعاتنا في الشرق ، في حين أن في الدول المتقدمة هناك أعراف و قوانين عامة تسري على الجميع ، لكن ليست هناك موانع دينية أو سياسية أو إجتماعية أو غيرها تحد من حرية التعبير أو تضع حدود للصحافة الحرة ، فقد تحولت شبكة الإنترنت إلى المجال الأوسع لإنتشار صحافة بلا حدود و بلا ضوابط و بلا أعراف صحفية ، و لجوء المثقف إليها يعتبر نوع من الهروب و التخلص من الفلترات التي تمر بها الكتابات ، فمثل تلك الضوابط و القيود القسرية التي تضعها بعض الأنظمة على حرية التعبير غير موجودة في عالم الإنترنت و في المواقع الألكترونية ، لأن أغلبها مواقع مجهولة الأصل و الموقع على الخارطة الجغرافية و هي تفسح مجالاً واسعاً للتعبير يفتقده الصحفي أو الكاتب في الصحف المطبوعة أو في المجال الصحفي الموجود على الأرض..
الصحافة الحزيبة ما دورها أما عن الصحافة الحزبية و هل هي ظاهرة طبيعية أم لا ، و هل هي تمهد لنشوء صحافة حرة أم أنها أصلاً تمهد لنشوء صحافة حزبية سلطوية لا تعترف بحرية التعبير إلا في حدود ما يؤمن به الحزب من مباديء و شعارات!! فالصحافة الحزبية هي ظاهرة طبيعية لو كانت على شاكلة ما يحدث في الدول الأوروبية ، ففي هولندا مثلاً التي هي بلد صغيرة قياساً بباقي البلدان الأوروبية الأخرى مثل ألمانيا و فرنسا و غيرهما ، ففي هولندا تصدر يومياً عشرات بل مئات الصحف الخاصة بالأحزاب ، سواء تلك التي تشكل الحكومة ، أو تلك التي تمثل دور المعارضة ، لكن الفرق أنها كلها تؤمن إيمان تام بحرية الصحافة أولاً و حرية الرأي ثانياً، و عدا ذلك فإن شروط النشر و العمل في تلك الصحف لا علاقة لها بتاتاً بالعمل و الإنتماء الحزبي ، بكلمات أخرى فإن من يعمل في تلك الصحف أو ينشر فيها ليس شرط أن يكون منتمياً للحزب الذي يصدر الجريدة ، و ذلك لسبب بسيط لأن الجريدة في نظرهم عندما تخرج إلى متناول يد القاريء لا تخص حزب واحد أو أعضاء حزب معين و إنما تخص عموم الشعب و تعبر عن هموم و مشاكل ذلك الشعب و تنتقد السلطة و الحكومة بعيداً عن التحزب ، بمعنى أنه من غير الممكن عدم تناول موضوع ما لسبب أنه شأن يخص حزب معين ، و حتى مجلات الفضائح ، و على كثرتها فهي كلها تدعم بشكل أو بآخر من قبل الأحزاب و التيارات ، لكن عندما تنتشر في الأسواق المهم أن يتناوله القراء دون أن تكون هناك حواجز أو موانع تمنعهم عن إقتناءها و قرائتها كأن تكون مصطبغة بصبغة حزبية معينة ، فالكل في النهاية شعارهم أن هولندا هي البلد الوحيد الذي أوجده الشعب الهولندي و بناه و جلب ترابه على اكتابفه ، لذلك كل شيء يجب أن يعود إلى هذا الشعب بدون إستثناء حتى المجال الصحفي. من هنا لابد المطالبة بإلغاء الضوابط القسرية التي تحد حرية التعبير و تضع حدود للصحافة الحرة من أجل إنشاء جيل صحفي جديد يفهم بسهولة الحقيقة و لا يبذل جهداً خارقاً من أجل التوصل إلى حقيقة صغيرة لأن الزمن الذي كان الصحفي يدفع حياته ثمناً للوصول إلى حقيقة ما قد ولى ، بسبب ما توفره التكنلوكيا الرقمية من تسهيلات في هذا المجال ، و من أجل إلغاء المسافات و الحدود بين المثقف و السلطة الحاكمة عن طريق صحافة حرة تؤمن بها السلطة كما يؤمن بها الإنسان العادي.. لكن هذا سيتحقق عندما ينبع الحكم من بين صفوف الشعب ، و عندما لا تكون هناك جبال من المحذورات و التابوات السياسية و الدينية بين السلطة الحاكمة في الأعلى و الشعب في الأسفل.. و هنا علينا طرح البعض من الأسئلة لكي نجيب عليها كل من محله و نخرج بنتيجة تختصر في تحقيق هدف واحد وهو أن تكون حرية صحافة تامة أو صحافة حرة بمعنى الكلمة حتى نتمكن من أن نتعامل مع الحدث و الخبر بشفافية بعيداً عن الألوان و التحزب و الإنتماءات و ما إلى ذلك ، كأن نسأل: هل تمهد الصحافة الحرة الطريق أمام قيام نظام ديمقراطي بمقاييس أخرى غير التي عرفناها ،بمعنى هل يجب أن تنشأ صحافة حرة حتى تساعد على تنوير العقول و تؤدي إلى قيام نظام ديمقراطي حقيقي ، أم أن النظام الديمقراطي نفسه هو الذي يمهد الطريق أمام نشوء صحافة حرة؟ هل إذا كانت الصحافة في متناول يد الحكومة ستتحقق مبدأ حرية الصحافة؟ هل بإمكان الصحافة الحكومية أن تلعب نفس الدور التي قد تلعبه الصحافة التي تعمل خارج دائرة السلطة أو خارج دائرة الحكومة؟ و هل صحيح أن الصحافة هي رابع سلطة بعد سلطة القضاء و السلطة التشريعية و التنفيذية؟ و إذا كانت كذلك فلماذا لا تمارس الصحافة تلك السلطة في بلد مثل العراق؟ ماهي المعقوات التي تحول دون تحقيق جهاز إعلامي و صحفي خالي من أية شوائب حزبية و تبعيات إلى جهات و إنتماءات تخدم في النهاية مصلحة ما.. أين تبدأ سلطة الأحزاب مع الصحافة الحرة و أين تنتهي؟ و أين يجب تصنيف الصحافة الحزبية ، هل هي صحافة حرة ؟ هل الصحافة الحزبية هي صورة أخرى لصحافة السلطة ، بمعنى هل هما وجهان لعملة واحدة ؟ أم هي صحافة تمهد لصحافة سلطوية لا تعترف إلا بالحزب الذي يمولها و يقف وراءها ؟و كيف يمكن أن تكون الصحافة الحرة الحقيقية ، ماهي ملامحها ؟ ماذا نحتاج نحن الآن تحديداً ، صحافة حرة أم حرية صحافة؟؟
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |