تكايا المعارضة السورية

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

ارتبط مفهوم التكية عموماً بكونها ذلك المكان الذي كان يتجمع فيه الفقراء، والشحاذون، والمتسكعون، وهواة التسول و"الصعلكات"، والذين لا عمل لهم في هذه الحياة، سوى التعيش والاسترزاق على الهبات، وعطايا هذا "المحسن"، وذاك عبر الوقوف ساعات على باب التكايا، لجمع الأموال والتبرعات واستدرار عطف الناس. هذه التكايا التي كان ينشئوها السلاطين، والأغنياء، وأصحاب النفوذ والأتقياء، من نفس الأموال التي سلبوها من الفقراء ضحايا لصوصيتهم، ليظهروا بمظهر الطهراء الشرفاء، وكنوع من "البريستيج"، والادعاء، في مجتمعات تعيش برمتها على النصب، والنفاق، والرياء. وكان كل من يريد الاسترزاق، والتسول يحضر إلى هذه التكية لينال شيئاً من هذا الخيّر أو ذاك المعطاء الهمام.
وبعد أن صارت المعارضة السورية تكية حقيقية للوجاهة البلاغية، تتصدق فيها بالبيانات والإعلانات وتقام في حضرتها التحالفات والتكتلات، نحا قسطاً منها أيضاً الباب الدسم الأوسع للاسترزاق العام، والتكسب السياسي على حساب السوريين والمناضلين الشرفاء الفقراء. وحال بعض من فصائل المعارضة السورية، هذه الأيام، وللأسف، ومن برز مؤخرا من أثريائها، ولورداتها، أصبح كحال التكايا التي تضم بعض متسولي السياسة، والمسترزقين الذين يحاولون العيش على هموم، وآلام الناس، ويشحذون باسمه من تكايا عواصم القرار. وقد أصبحت الموضة السياسية الدارجة هذه الأيام قيام البعض بالتسول المالي، والاستثمار السياسي "الواعد"، في هذه التكية التي يبدو أنها بدأت تدر أرباحاً وفيرة، على بعض الطامحين، بالثروة، والمنصب والجاه، من هنا وهناك. فلقد كثر الحديث، وشاع، وأزكمت الأنوف عن تبرعات، وهبات، وتسولات لبعض من رواد هذه التكايا. فمن مؤتمر إلى مؤتمر، ومن عاصمة إلى أخرى، تنصب خيام التكية، وتتم فيها الشحاذة باليورو والفلس والدولار، وتقام لهذه الغاية موائد التبرعات. ولا يعلم أحد بالضبط، من أين، وكيف، وإلى من تذهب كل تلك الأموال؟ فهل أصبح العمل السياسي، والمعارضة السورية تحديداً، تكية حقيقية يتجمع فيها صعاليك السياسة، ومتسولوها للاسترزاق على حساب عذابات الناس؟
وكما هو معلوم، فإن تلك المؤتمرات والاجتماعات، واللقاءات هي ذات كلفة مالية عالية جداً، ولاسيما لمن خبر أوروبا، وعرف مدى ارتفاع مستوى المعيشة، ونسبة الضرائب والغلاء فيها، ومقدار ما تمثله تلك النشاطات، من أموال باهظة، لتلك الأعداد من المدعوين، تنوء بحملها كل "بنوك" فصائل وأحزاب المعارضة السورية المتحركة، مجتمعة ، وكل من يضرب بسيفها، ومن والاها إلى يوم تقبض الآجال. ولا شك أيضاً، هناك من يقوم سراً، أو علناً بتمويل هذه اللقاءات، ودفع ثمن تذاكر الطائرات، وتكاليف الإقامات في الفنادق الفخمة، ومصاريف الطعام والشراب، و"ختامها المسكي" عند المساء بالبارات حيث المنكر، والحسناوات، والعياذ بالله. ومن أبسط بديهيات العمل السياسي هو المصارحة، والعلنية، والشفافية، والمكاشفة، وتقديم كشوف الحسابات للجمهور المنهك من حقب التعتيم والحصار، ناهيك عن الضرورة القصوى، والملحة للحاجة إلى إصدار بيانات علنية، واضحة، وشفافة لا لبس، ولا غموض فيها، عما جرى ودار من جدول أعمال ومناقشات ومباحثات، لا التكتم والتعتيم والمداراة، وهذا للأسف الشديد ما حصل في بعض المؤتمرات مؤخراً، والتي لم تشف غليل المتتبع، والمهتم بهموم وشجون هذه المؤتمرات، ولم تكلف تلك الأوساط المعارضة نفسها عناء إصدار مجرد بضع كلمات، توضح فيها لأولئك العامة و"الدروايش البسطاء"، الغاية والهدف ومحور تلك المؤتمرات، وهذا، ومهما تكن التبريرات، لا مبالاة واضحة، واستخفاف فاقع بكل متتبع على الساحة.
لعل التوضيح والإجابة عن أسئلة من مثل مَنْ موّل، ومَنْ سدد، ومَنْ دفع، ومَنْ قبض، وماذا قبض، وممن قبض، وكم قبض، ولماذا قبض، وكيف صرفت الأموال.....إلخ، أصبحت أكثر من أسئلة ضرورية وملحة، بل ويترتب عليها مسئولية قانونية، علما بأنه قد تجمّع فيض لا بأس به، من المعلومات، عن بعض من متسولي المعارضة السورية، ممن وجدوا، ومن خلالها، فرصاً جيدة، ورابحة للاستثمار المالي، كما السياسي، وحيازة ذاك "البريستيج" والوجاهة، وجمع المجد من أطرافه مجتمعة، ومراكمة الثروات، وبناء الإمبراطوريات المالية المشبوهة، من خلال شعارات سياسية عريضة، ومفضوحة. كما أن دخول بعض من اللوردات، وأساطين المال، من ذوي مصادر الدخل الغامضة، على خط بعض فصائل المعارضة السورية يترك الكثير من الدوائر، وعلامات الاستفهام حول حقيقة أهدافها وطبيعة توجهاتها، ويسلب ، ويتنكر لحقوق الكثيرين من نشطاء المعارضة السورية الحقيقيين والشرفاء، ممن دفعوا سنوات مرة من عمرهم ثمناً للخبز، والحرية، والعدالة، والمساواة، ويضع المسألة برمتها، في ميزان الاستثمار السياسي الواضح الذي تؤمل " عوائده، وأرباحه" في يوم من الأيام.
تقتضي معايير النشاط النضالي، والحزبي، والسياسي المثلى، وتحقيقاً لمصداقية العمل الوطني الحقيقي والجاد، ولكسب ود وثقة وتعاطف الشارع والمتتبع، إعلام جمهور المعنيين كلية، وبشفافية مطلقة، بكل جزئيات وتفاصيل هذا الأمر الخطير والهام، والتعامل بمنتهى الجدية، والاحترام، والاعتبار والكشف العلني عن المصدر الحقيقي للأموال وعدم الاستخفاف، والاستهتار بعقول الناس. وإن لم يتم تغيير هذا النمط المتعالي، والغامض من السلوك، فإن الكثير من الدوائر، وعلامات الشك والاستفهام سترتفع، وستدور حول هؤلاء، تمهيداً لتصنيفهم في "خانتهم الحقيقية"، وإعلان إفلاس رصيدهم السياسي ومهما كان حجم رصيدهم المالي، وبالتالي سقوطهم النهائي من عيون الناس. والأهم من كل هذا وذاك، إن معاناة، وآلام، وبؤس الناس ليست، أبداً، وبأي حال، مجالاً للتكسب والاسترزاق.
 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com