العقلية البدائية

علي ماضي

alimadhy67@yahoo.com

يشير برئيل ليفي في كتابه العقلية البدائية الذي يستعرض فيه نمط العادات والتقاليد لدى الأقوام البدائية التي اكتشفت في غنيا الغربية واستراليا وغيرها من بقاع العالم المختلفة، إلى أن تلك ألأقوام تعتقد إن ألأمور تسير نحو الصلاح والخير دائما ،وبخلاف ذلك ،يعني بالنسبة إليهم أن ساحرا ما بدا بالعبث بمجريات الأمور ليحرفها عن مسارها الطبيعي .

ويشير أيضا ، أن المبدأ واحد لدى كل تلك ألأقوام ،والاختلاف يكمن في المسميات فقد تلعب ألأرواح دور الساحر لدى البعض منها ،وقد تلعب الشياطين نفس الدور كما هو الحال في جميع الديانات. مما سبب لهم كسلا علميا ،وابتعد بهم عن فهم مجريات ألأحداث كما نفهمها نحن اليوم على أساس أن لكل حادثة سبب.

وإذا ابتعدت أية حضارة عن فهم العالم على أساس علمي فهي تسقط في أحضان الخرافة دون أدنى شك.

رواسب هذه البدائية ما زالت باقية في العقلية ألإنسانية لحد هذه اللحظة ،ولكن بتفاوت،هذا التفاوت يعتمد على ثقافة الشخص ،وثقافة المجتمع الذي ترعرع فيه.

ففي المجتمع الذي أعيش ،تحديدا في جنوب العراق ،ما زال بعض الناس يعالجون اليرقان الولادي بتعليق حصى صفراء على كتف الطفل المصاب ،أو يعتقدون أن علاج ألإغماء بسب ارتفاع درجة الحرارة لدى ألأطفال يكمن بتعليق حرز أو حجاب،يحتوي على عملة من العهد الملكي(غازي) ،وبعض ألأدعية أو الآيات.

ولتكون الصورة أكثر وضوحا بين ألأدائين ، بين أداء العقل البدائي والآخر الأكثر تحضر ،دعوني انقل لكم الحادثة التالية :

تشير التقارير أن سيدة فرنسية قامت يرفع دعوى قضائية على شركة رينو على ما اذكر مطالبة إياها بدفع تعويضات لأنها تعتقد أن هناك تأخيرا زمنيا مقدرا بأجزاء الثانية ،في انتفاخ الكيس الهوائي الواقي من الصدمات الموجود في المركبات أدى إلى وفاة زوجها في حادث تصادم مروري، وبعد الفحص والتدقيق تبين صدق ادعائها ،ودُفِع لها التعويض،وأعيد تعديل زمن استجابة الكيس الهوائي .

لو كانت زوجة المتوفى عربية اظنها كانت ستقتنع بان الموضوع قضاء وقدرا،وتمر الحادثة بسلام ،كباقي الحوادث الطبيعية ألأخرى.

ومنه نستنتج أن العقلية البدائية ،كسولة علميا،لأنها دائما ترمي بمسؤولية الحدث على صنم ما، مما وراء الطبيعة،قضاء وقدر ،مشيئة الله ،وينتهي كل شيء.

إما العقلية ألأكثر تحضرا ،فهي تبحث وتمحص ،وتستنج إلى أن تصيب كبد الحقيقة ،وهي مركبة على أسس منطقية أكثر دقة ، تبحث عن سبب لكل نتيجة،ولا تتملص من مسؤوليتها لترمي بها على عاتق صنم ما أو اله ما مما وراء الطبيعة،ولهذا كانت الكشوفات العلمية في العصر الحديث ،من الجهة الثانية من العالم.

العقلية العربية مصابة بنقص في المنطق ،هذه حقيقة ،لابد من ألأعترف بها لمن أراد أن يتوسل سبل الحل الصحيحة،لينتقل بهذه الشعوب إلى مصاف الدول ألأكثر تحضرا.

كان لهذا النقص أثرا بالغا في كل القرارات التي اتخذناها كعرب في معالجة قضايانا المصيرية ،واخص منها ما كانت على المحور السياسي،إدارتنا لملف القضية الفلسطينية كان فاشلا ، إسرائيل التي كنا نتوعد ونعربد بإزالتها من على ارض البسيطة ،أصبحت من أكثر دول المنطقة تقدما وتحضرا في المنطقة.

كتب التاريخ العربي الحديث تعج بالثورات التي قاومت ما يعرف بالدول ألاستعمارية ،وقدمت ملايين الضحايا ،هل هي فعلا ثورات تقدمية؟أم مجرد مصداق للمنطق العربي المنقوص؟الذي يقاوم التغير أي تغير لمجرد عدم ألاعتياد ليس أكثر،بغض النظر عن كم المكاسب التي يحملها التغير بين طياته!

سيجيبكم عن هذا التساؤل أحفاد الذين قاموا بالثورات ،الذين يلهثون وبلا كلل خلف قاطرة الدول التي كانت تستعبد أسلافهم،بل أنهم للآن يتكلمون لغتهم، ويحيون ثقافاتهم.

سيجيبكم عن هذا التساؤل !لو قارنتم بين العراق مثلا الذي حصل على استقلاله منذ العام 1932الى العام 2003 وبين هون كوك التي استعمرت بعد الحرب العالمية الثانية على ما أظن ،وحصلت على استقلالها قبل وقت ليس بالبعيد.

ماذا فعل العراقيون بحريتهم ؟ما هو نتاج هذه الحرية ،موت ..وجوع..وأطفال عراة،لا يتمتعون ولو 1% من حقوقهم...ونساء يعشن كحياة البهائم ...ووطن يتمزق كالخرقة البالية.في حين كان نتاج العبودية الهونكوكية ،تقدم وازدهار،حتى أصبح هذا البلد من أهم المراكز التجارية العالمية.

سيجيبكم عن هذا التساؤل،لو قارنتم بين اليابان وبين مصر التي بدأت نهضتها العلمية قبل اليابان بعشرِ سنين.

أن هذه الفوضى العارمة التي نعيشها اليوم ،هي ناتج طبيعي لعقليتنا البدائية التي تعجز عن ربط السبب بالنتيجة، أن أي محاولة تصحيح ،لا تعترف بهذه العلة المتمركزة في لا وعي العقلية العربية، سيكون مثلها كمثل الذين يعالجون اليرقان الولادي بتعليق الحصى الصفراء على كتف المريض للشفاء، ،وعلى هذا المنوال فأننا لن نصيب كبد الحقيقة أبدا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com