أزمة تشكيل الحكومة لا تكمن بعناد الجعفري

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

دأب السياسيون العراقيون على التصريح أن ليس لديهم اعتراض على شخص الجعفري لكن على ترشيحه!؟ تبدو هذه التصريحات وكأنها ألغاز، أو مجرد عبارات مجاملة فارغة من أي معنى، لكن في الواقع أنها ذات مغزى كبير، وما يحدث اليوم من تأخير بتشكيل الحكومة ونفاذ لصبر الجميع أمام هذا التأخير بما فيهم المجتمع الدولي يدلل بصدق أي معنمععلى أن الموضوع ليس اعتراض على شخص الرجل بالفعل لكياسته وصفاته الأخرى بالرغم من الاعتراضات على أدائه السياسي خلال فترة حكمه القصيرة والمليئة بالدماء، لكن في الواقع الاعتراض على السياسة الجديدة التي تبناها قبل وأثناء المباحثات حول تشكيل الحكومة. هذه السياسة التي يرفضها الكثير من أركان الكتل السياسية في العراق، خصوصا ذلك الجانب المتعلق بتحالفه مع التيار الصدري بسبب أسلوبهم بالتعامل مع الأحداث السياسية، وما يزيد من تعنت الرافضين لهذا الترشيح هو دخول إيران كطرف ثالث بالتحالف الجديد.

ما هي ثوابت الصدر التي يتفق معها أو يرفضها كلا أو جزءا رؤساء الكتل السياسية التي تشكل البرلمان بمن فيهم جزء كبير من نواب كتلة الائتلاف:

لا للفدرالية في أي جزء من العراق حتى فدرالية كوردستان، كركوك ليست كوردستانية، انسحاب فوري وكامل لقوات الاحتلال، لا مفاوضات ولا نقاط تماس مع قوات الاحتلال، مرحليا الإبقاء على جيش المهدي ومنحه الشرعية بأي شكل من الأشكال، دعم المقاومة الشريفة(؟)، أكبر قدر ممكن من النواب في البرلمان والوزارات الخدمية تحديدا لتقديم الخدمات المفقودة وتوفيرها للجمهور. كل هذه الثوابت ليست مشكلة كما أسلفنا لأن جميع الأطراف تتفق معها بقدر وتختلف بقدر آخر، لكن المشكلة الحقيقية، كما يعتقد البعض، تكمن بالأسلوب الذي يتبعه التيار الصدري بالتعامل مع العملية السياسية، فهو جزء منها في الوقت الذي يوحي به أنه بعيدا عنها لأنها تجري تحت رعاية المحتل، وهو من أكبر الرافضين لها في حين هو المستفيد الأكبر منها، والأهم من هذا وذاك هو الأسلوب الصدري في تخطي المراحل التي يتطور بها، أو بالأحرى الانتقال نوعيا لمواقع أرفع، فإنه يستعمل دائما الإكراه وبنقلات صغيرة تبدو متواضعة، لكنها مؤثرة حتى لو كانت قد تحققت بالإكراه وليس بقوة التيار الحقيقية، لنأخذ مثلا على ذلك، التيار هو الذي فرض على قائمة الائتلاف أن يأخذ حصة الأسد من الحقائب البرلمانية أي ثلاثين حقيبة من دون أن يقدم أصوات مؤيديه للقائمة، وبالفعل قدمها لقائمته الخاصة به تحت اسم رساليون ليحصل في النتيجة على مقعدين فقط وهي في الواقع حجمه الحقيقي في الشارع العراقي، لكنه في النهاية قد خرج باثنين وثلاثين حقيبة برلمانية بعد إضافة حصته من الائتلاف التي حصل عليها، هذه النقطة بالذات هي التي أثارت حفيظة الكثير من أطراف الائتلاف، لكن الجميع كانوا على يقين أن ثمن إبعاد التيار الصدري عن القائمة يعني تخريب العملية السياسية برمتها من خلال تخريب الانتخابات في الجزء الجنوبي من العراق، حيث بالفعل قد تحركت مليشيات جيش المهدي وبدأت بالتحرش بالقوات البريطانية في البصرة والأمريكية في بغداد.

إن هذا الأداء السياسي للتيار الصدري كان قد راقبه باقي أطراف الصراع عن كثب، وبالرغم من أنهم قد أبدوا عدم اكتراث لما يجري من حراك سياسي بعملية تشكيل قائمة الائتلاف، إلا أنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي من عملية تشكيل الحكومة بعد أن أتفق التيار مع الجعفري خصوصا وإن شروط التيار كانت الإبقاء على مليشيا جيش المهدي والحصول على ست وزارات خدمية في التشكيلة الجديدة، وبالرغم من إنكار الجعفري لهذه الشروط لكن الأمر قد تجاوز حدود الإنكار، لأن أول القضايا التي طرحها مع باقي الأطراف مسألة دمج مليشيا جيش المهدي بالقوات المسلحة، وهذا ما صرح به بعض أطراف الصراع كصالح المطلق وسياسيون آخرون من قوائم أخرى، وهذا يعني أن الأسلوب الصدري بالحصول على مكاسب سياسية من خلال الابتزاز واستعمال القوة المسلحة قد خرج من دائرة الائتلاف ليكون على المستوى الوطني، وهذا ما حدا بالكتل أن ترفض حكومة الجعفري.

لكن الجعفري لم يستطع التراجع عن تحالفه مع التيار الصدري لأنه هو من ساعده على الفوز بترشيح الائتلاف، ومن جانب آخر فإن التيار الصدري يجد نفسه مضطرا للدخول في مواجهة مع الآخرين، لأن السلطة الجديدة قد وضعت في برنامجها القضاء على المليشيات نهائيا ومنها مليشيا جيش المهدي طبعا، وقد أصبح هذا الأمر جزء من النظام الداخلي لمجلس الأمن الوطني، وأدرك التيار أن التراخي مع المليشيات سيكون مستحيلا في المرحلة القادمة، أضف إلى ذلك أن ليس باستطاعة التيار المناورة كما حصل في المرحلة السابقة أيام حكم علاوي، حيث كادت تلك المواجهات أن تقضي على جيش المهدي والتيار نهائيا لولا تدخل قوى سياسية ودينية لإنقاذه وجيشه المحاصر في الحضرة الحيدرية، أضف إلى ذلك أن المرحلة القادمة سيكون فيها أكثر من جهة مرتبطة بالموضوع، بينهم من لا يريد للصدر ومليشيته وجود في العراق نهائيا، كما وإن هذه الفترة هي فترة تشكيل حكومة دائمة تمتلك كامل الشرعية ولا ينبغي وجود سلطة موازية لها مهما كان نوعها ومهما كانت الاعتبارات، لذا فإن المعركة بالنسبة للتيار معركة حياة أو موت، وهذا هو سر تمسكهم بهذه الصيغة للمواجهة مع الشرعية الجديدة والدائمة.

لم يكن الجعفري بهذا القرب من مقتدى الصدر، ولم يكن أيضا رجل إيران في العراق، فهو من ترك إيران منذ أوائل الثمانينات لخلافات حول ولاية الفقيه مع المجلس الأعلى وغادرها هاربا إلى دمشق بعد انشقاق حزب الدعوة، وربما الجعفري من أقرب الأطراف لباقي الكتل السياسية في البلد لأنه يشترك معهم بثوابت أكثر من غيره من أطراف الائتلاف، كما وإن الجعفري لم يتصرف خلال فترة حكمه عن هوى في نفسه، وإنما كان محكوما كغيره بما تقرره لجنة السبعة في الائتلاف، أضف إلى ذلك فإن حزب الدعوة قد عرف عنه الاعتدال أكثر من غيره من أحزاب الإسلام السياسي في العراق، وربما هو الأقرب للعلمانيين من غيره.

هكذا نستطيع الاستنتاج أن الخلاف ليس على شخص الجعفري كما قيل، لكن مع ذلك فإن ترشيح الجعفري مرفوض، أي بمعنى أن الرفض لحليف الجعفري.

كما أن جميع الأطراف العراقية في مأزق حقيقي أمام هذا الوضع، وجدت أمريكا نفسها في نفس المأزق أيضا، فهي ما جاءت لتقيم جمهورية إسلامية في العراق، ولا أن تخلق كيانا عسكريا كحزب الله في لبنان الذي مازالت محتارة بكيفية نزع سلاحه، حيث لبنان هي الأخرى تقف على حافة البركان في حال نزع سلاح هذا الحزب، ومن ناحية أخرى، لو تركت الأمور هكذا دون تشكيل حكومة في العراق فإن ذلك يعني أن العملية السياسية برمتها قد شلت، ويترتب على أمريكا أن تواجه الأمر إما باستعمال القوة العسكرية أو أن تترك العراق وشأنه ليتفجر الصراع الذي لا ينجوا منه أحد، ليس في العراق وحسب بل في المنطقة، وربما العالم.

دخلت إيران في حلبة الصراع بشكل مباشر، فهي تجد أن ملفها النووي جزء من الملف العراقي، والمحادثات الإيرانية الأمريكية حول الملفات المشتركة بينهم سوف تجري في العراق كساحة حرب للطرفين، كما أن الواقع أيضا يقول أنها حول العراق أيضا، لكن سيشارك كطرف ضعيف هذه المرة، لأن وكما هو معروف أن الصراع والتحدي بدأ منذ سقوط نظام صدام، حيث أمريكا لديها مشروع كبير في المنطقة وليس العراق لوحده، وأن إيران ودول الجوار يجدون بهذا المشروع تحديا لهم ونهاية لأنظمتهم، لذا قبلوا التحدي الأمريكي، وعملوا جميعا على إسقاط المشروع الأمريكي بالكامل، أضف إلى ذلك تحقيق أحلام كانت بالأمس مستحيلة التحقيق وهي تقسيم العراق أو الاستحواذ عليه كاملا، وطموح إيران هو الحصول على العراق كاملا من خلال بعض أدواتها في العراق، وإذا فشلت بذلك فإنها تمتلك البديل الثاني، أي في أسوأ الأحوال، الحصول على جنوب العراق.

وهكذا مازالت السحب الكثيفة تتراكم في سماء العراق كأول نذر للإعصار، حيث بالأمس دخلت القوات الأمريكية للنجف من جديد وسيطرت على جميع مراكز الشرطة وأسطح البنايات العالية وأغلقت جميع مداخل المدينة وعززت من تواجدها في الجوار، وهذا الأمر قد حصل أيضا في كربلاء، وقد تردد على لسان البعض أن المرجعية قد خرجت من النجف ليكونوا في مأمن مما هو آت، وهذا المؤشر خطير جدا حيث كان ومازال للسيد السيستاني الدور الأكبر في حقن الدماء ودرء نشوب الحرب الأهلية حتى هذه اللحظة، كما وقد تزامن هذا الخروج، فيما لو صحت تلك الأخبار، مع انتهاء زيارة رايس وزميلها سترو للعراق، وهذا التزامن له دلالة واضحة لكل لبيب.

فهل سيصل الإعصار نحو أرض العراق ليخرب ما تبقى؟ أم سينحرف مساره نحو أرض خلاء حيث لا يجد ما يدمره وتذهب ريحه هباء؟

بوش من جانبه مازال يعد بأن مسألة الانسحاب من العراق قبل تحقيق النصر في العراق أمر مستحيل، وهذا يعني أن الموجهة ستكون وشيكة لفض النزاع وإلى الأبد.

الأزمة الحالية هي حلقة كبرى من حلقات الصراع ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، لأنها تقع عند مفترق أحد الطرق الكبرى نحو تأسيس عراق قوي ديمقراطي متعدد، لذا ليس أمامنا كشعب سوى التمسك بوحدتنا كعراقيين والوقوف بوجه كل من يريد السوء للعراق. 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com