|
عاد لي الوطن في التاسع من نيسان2003 حمزة الجواهري كغيري من الملايين الخمسة التي هجرت الوطن قسرا بعد ملاحقات واعتقالات وسجون وتعذيب، الكثير منا فقد أسرته ووظيفته وما يملك حتى لم يبقى له ما يفقده، ومع ذلك كنا أفضل حال بكثير ممن تم تهجيرهم بثياب النوم أو حتى بلا ثياب، وهؤلاء كانوا أفضل حال بكثير ممن تم إزالة مدنهم من الأرض وملئت الأرض بأجسادهم في عمليات قتل جماعية وتصفيات عرقية وطائفية لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وهذه الفئة أيضا تعتبر أسعد حالا من ألائك الذين تم دفنهم أحياء. وفي الغربة، أو الوطن الجديد كانت أحلى مجالس السمر عندنا هي التباري بعظم المصيبة، ومن كانت مصيبته أعظم كان يخشى من الحديث عن مصائب الغائبين عن الجلسة، لأن مهما عظمت المصيبة كانت هناك مصائب أكبر وأخرى لا يستطيع المرء التحدث عنها، وهذه كانت أشد المصائب إيلاما لأنها بقيت حتى اليوم تكتم على نفوس أصحابها. وطال بنا المقام في المهاجر القسرية حتى أضحت الغربة وطن، وقد ولد لنا أبناء لم يروا لحد الآن ذلك الوطن العجيب الذي مازال أبناءه متعلقين به رغم قسوته عليهم، بقينا عقودا طويلة لم نرى خلالها حتى حدود الوطن، وكان الأمل بالعودة قد مات، لأن صدام ممتنع عن الموت، وهو ماض بتهيئة أبناءه لوراثة الملك العظيم. خلال السنوات الطويلة نسينا الأصدقاء والأقارب والجيران وشطبت السجلات العائلية للبعض وحجزت سجلات آخرين حتى لم يعد باستطاعتنا تسجيل أبنائنا في الوطن المستباح لغيرنا من سقط المتاع في أوطانهم. في التاسع من نيسان عام2003، وبغفلة من الزمن، سقط النظام، وسقط التمثال، وذابت الأجهزة القمعية تحت الأرض، وهرب البعثي أينما كان خوفا من الانتقام في مشاهد تاريخية لم تتكرر. - لقد عاد لي الوطن من جديد...... يا ألله .... هل حقا ذهب صدام إلى الجحيم؟!........ يومها كنت ارقص فرحا رغم أني كنت واثقا من سقوط النظام هذه المرة. - لقد جن الرجل حين سقطت بغداد ..... سمعت زميلي العربي يحدث شخصا آخر مبديا تعاطفه معي. - بغداد لم تسقط، فالذي سقط هو النظام ..... كان ردي حاسما وحادا بهده الكلمات على زميلي العربي الذي استنكر دموع الفرح في عيوني. - لكنه الاحتلال! ....... أجابني الرجل وهو غير مصدق. - عن أي احتلال تتحدث، وهل هناك احتلال يعيد الأوطان لشعوبها؟ نعم لقد عاد لي الوطن بعد أن سلب مني؟! لقد عاد الوطن، ألا تفهم؟ أما الاحتلال فإنه سوف يذهب يوما ما، لكن صدام لو بقي لاستمر حكم العوجة للعراق ألف عام أخرى ..... قلتها وأنا أترك مكتبي دون أن أعتذر عن حضور اجتماع كان معدا منذ مدة، ولكن لا أعرف أين أمضي، فأنا أشعر بالحرية وحسب. رغم أني مازلت خارج الوطن ...... ورغم أن الوطن مازال يتفجر حقدا طائفيا وانتقاما من قبل فلولهم، لكني أشعر فعلا بالحرية وأملك إرادتي كاملة وأشعر أن الوطن قد عاد حتى لو كان ركام.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |