من هو رجل أمريكا القوي في العراق؟

 خالد صبيح / السويد

khalidsabih@msn.com

* أقوى الأقوياء

 ما كان لوزيرة الخارجية الأمريكية < كونداليزا رايس> أن تتجشم وزميلها البريطاني < جاك سترو> عناء السفر الى العراق لو كان مسار التحول ( الانقلاب) السياسي الذي وضعته إدارتهما للشأن العراقي قد سار كما ينبغي، أو يتوقع، له أن يسير. فقد حدث تلكؤ كبير < لم يكن خارج توقع الأمريكان بالتأكيد > في تنفيذ ما خطط له رغم الهمة والنشاط اللتان أبدتهما الأطراف المعنية بتنفيذ هذا التحول.

 لكن ما هذا المخطط الذي دفع الوزيرة الأمريكية للمجيء الى العراق وحث من يجب حثه وتقريع وتخويف من يجب تقريعه وتخويفه؟.

 الإجابة تعود عن التساؤل تتطلب منا عودة بالذاكرة الى ما سرب أكثر من مرة في السابق عن رغبة الإدارة الأمريكية بوجود حاكم قوي يفرض إرادته وإرادتها بالقوة على المجتمع العراقي. وما وقع من أحداث في العراق عقب سقوط النظام ألبعثي في مجمل العملية السياسية لم يكن إلا فترة اختبار للبحث عن/ والتأكد من هوية هذا <القوي >الذي لم يكن جاهزا عند سقوط النظام مما فتح الباب على مصراعيه للتنافس بين السياسيين العراقيين على اكتساب < شرف> لقب الرجل القوي الذي حددته الوزيرة الامركية بشكل ملموس وعلني في زيارتها الى العراق كمطلب أساسي لحكومتها.

 رغم الصفات الوطنية والعملية التي أسبغتها الوزيرة على الرجل القوي في تعريفها له < يوحد العراق وقادر على مواجهة التحديات.. الخ> إلا أن تعريفه الواقعي سيكون بالتأكيد هو الرجل أو الجهة التي تنفذ بلا تردد ماهو مطلوب منها بغير ما أي اعتراض أو تعارض بين ما ينذر له وبين ما يمكن أن تشكله اطروحات خلفيته السياسية والحزبية< إن وجدت>. بمعنى آخر هو الشخص الذي لا يردعه شيء <عارض> كالمبادئ أو الأخلاق ناهيك عن الروح الوطنية لتنفيذ ما يطلب منه.

 بطبيعة الحال سوف لن يوقعنا أمر البحث عن هذا <القوي> بالإعياء فمنه الكثير ممن هم في صلب العملية السياسية الآن وما على الآنسة رايس سوى أن تمد يدها كما في لعبة الحظ في صندوق القصاصات لتعثر على بغيتها. لكن الوفرة غالبا ما تدفع الى البطر والتطلب < لجودة> عالية المقاييس وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية لان تبحث عن من يكون <أقوى الأقوياء>.

 برز من بين المتنافسين على هذا الدور اثنان ممن تؤهلهما خلفيتهما ومكوناتهما الشخصية والسياسية لتأدية المهمة . هما

جلال الطالباني وإياد علاوي.

 وتجنبا للإطالة والإثقال سوف نتجاوز ما يعرفه الجميع عن مؤهلات هذين الشخصين لتأدية هذا الدور وسنكتفي بالإشارة الى الحركة التي قاما بها لتقديم أوراق اعتمادهما.

 فقد قام هذان الشخصان بجهد متواز ومتكامل لعرقلة تشكيل الائتلاف العراقي للحكومة من خلال الاعتراض على أداء حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري متجاوزين بذلك نتائج الانتخابات كأجراء ديمقراطي طالما تبجحوا باحترامهم له.

 لكن هل كان الأمر هو مجرد اعتراض مشروع على مرشح أم على المنهج السياسي للائتلاف أم على الائتلاف ودوره السياسي برمته؟

 

* انقلاب بأدوات ديمقراطية

 الوقائع المتتابعة خلال وبعد عملية الانتخابات قدمت عدة إشارات على ما يمكن تسميته بانقلاب ضد الديمقراطية بأدوات ديمقراطية. فما عجزت القوى المؤتلفة في جبهة مرام من الحصول عليه بالانتخابات سعت لتحقيقه بالمناورات والانقلابات البيضاء. فقد ابتدأت هذه الحركة الانقلابية بذريعة رفض ترشيح الجعفري، بعد التقاط الإشارة الأمريكية على هذا الرفض.

 وببساطة ووضوح إن ما يجري الآن من تجاذب سياسي لإبعاد السيد الجعفري عن مهمة ترشحه لرئاسة الحكومة المقبلة هو امتداد واستمرار لهذا الانقلاب الذي أرادته الإدارة الأمريكية من اجل إبعاد التيار الديني الشيعي عن إدارة البلاد وذلك لعدة أسباب:

 أولهم: صلاته بإيران الإسلامية وامكان تشكيله قاعدة وفضاء جيد لتحرك إيراني مضاد للأمريكان.

 ثانيهم: ما يمكن أن يشكله قيام حكومة شيعية من إزعاج وقلق لدول الجوار الخليجي المعنية أمريكا كثيرا برغباتهم ورضاهم.

 ثالثهم: الاعتراضات الداخلية القوية لما يشكله صعوده من تهديد لتهشيم البنية السياسية التي بني عليها الواقع السياسي العراقي وترسخت قواعده.

 ظهرت أولى بوادر هذا الانقلاب، كما أسلفت، بعدما ابتدأ الطالباني تحركاته ضد ترشح السيد الجعفري بعد تسمية الائتلاف العراقي الموحد لمرشحه لمنصب رئيس الوزراء مباشرة. واخذ الاعتراض شكل الجدل حول تشكيل الرئاسات الثلاث <الوزارة والدولة والبرلمان> وحاول الائتلاف العراقي الموحد أن يلعب ببعض أوراق الضغط التي بيده كالاستحقاق الانتخابي واستعانته بجمهور ناخبيه وتلويحه بإفساد العملية برمتها بقلبه للأوراق والمعادلات بتهديده بإقصاء الكرد ومعاقبة الطالباني < الطامح أبدا للمناصب والمجد> بإبعاده عن رئاسة الجمهورية< وهذا ستكون له انعكاسات خطيرة في إقليم كردستان الذي لا يتسع لرئيسين>. لكن الأمريكان و<أقويائهم> سيجدون لهذا الإشكال حلا وهو ما سعت إليه رايس في زيارتها حيث سيعوض الطالباني، حسب بعض التوقعات والإشارات، برئاسة الوزارة < سيسعى، كالعادة، لتوسيع صلاحياتها لتتناسب ورغبته بالتحكم > .

 وقبل أن يتدارك الائتلاف العراقي الموحد، رغم إصرار الجعفري على حقه القانوني، لتفادي ما تم تبييته له والموافقة على التضحية بالجعفري ــ وهو أمر ليس ببسيط لأنه يهدد بفض الائتلاف وخلق شرخ في بنيته ــ بدلا من سقوط الائتلاف كله وإقصاء التيارات السياسية الشيعية عن لعب الدور المحوري في الحياة السياسية، وذلك من خلال تصريحات علنية لبعض أطرافه تطالب الجعفري بالتنحي. لكن قبل أن يقوم هذا التدارك بمفاعيله ارتفعت صيحة جديدة كان صاحبها هذه المرة الدكتور إياد علاوي < قوي أمريكا الأمين> مطالبا بإبعاد الائتلاف كله وكسر < احتكاره> لحق الترشيح لرئاسة الحكومة محددا هذه المرة المشكلة في المنهج، حسب تعبيره، وليس بالأشخاص. وبهذا تكون القوى المعارضة للائتلاف< وهي خليط هجين وعجيب> بعد أن أتمت عدتها وأخذت الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، قد أنجزت مرحلة متقدمة من سيناريو الانقلاب الديمقراطي على الائتلاف العراقي الموحد حيث انها هددت، بعدما وثقت من نجاحها، بنقل الخلاف الى البرلمان لفضه هناك.

 حسب التوقع سيكون لسيناريو الانقلاب هذا مرحلتين الأولى تنتهي بإسقاط الجعفري والثانية ستلحقها بعد زمن بإسقاط من سيخلفه بالترشح من الائتلاف إذا ما فشلوا في إسقاطه مبكرا كما يسعى منفذوا الانقلاب الآن.

 لكن الائتلاف له أيضا قدراته فهو قد أدرك بالتجربة ان بعض من خصومه استطاعوا أن يفرضوا دورهم في العملية السياسية من خلال تمركزهم في المواقع الحساسة بالدولة ومن خلال اللعب بلعبة العنف < الموت>. ولهذا فما أن يتم إقصائه فهو سيلجأ حتما الى ذات الأساليب التي بها أقصاه الآخرون. وستكون إشاعة الدمار والرعب في الشارع وإفشال أداء الحكومات من خلال تقويض الأمن وعرقلة البناء والاستقرار هي الوصفة النموذجية ، وهي الورقة الرابحة الآن لكل طرف قادر عليها ويريد أن يأخذ له مكان تحت الشمس. والائتلاف العراقي لا يشذ ولا يختلف عن الآخرين فله قدراته وخلفياته ودوافعه وهذا هو ما يخيف خصومه، لهذا هم سيتريثون ولن يندفعوا بسيناريو إقصائه بغير ما تحوطات وخطوات محسوبة. لهذا هم يدعون الآن كبديل لإدارة الائتلاف لإقامة حكومة ائتلاف واسع يكون للائتلاف فيها دور سيقوض لاحقا بالتدريج .

 لكن سواء انجح هذا السيناريو، وهو المرجح، أم فشل، فان بوادر استقرار سياسي واجتماعي في العراق لا تلوح بالأفق وتهديدات الحرب الأهلية لا تزال قائمة وسيكون الخاسر الأكبر من كل هذه التجاذبات والألاعيب المتبادلة هو المواطن العراقي المغلوب على أمره الذي سيفقد الأمان لحين آخر من الزمن مالم تقع <معجزة> امتلاكه للوعي واتخاذه موقفا ينقذه والوطن معا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com