دولة الاحزاب .. القسم الاول - الصراع بين الاحزاب والدولة قبل 9 ابريل

 

ضرغام الشلاه

تاريخ 9-4-2003 يعد فيصلا في التحول الديمقراطي في العراق. من خلال تكريس مفهوم المواطنة وتعزيز دور المجتمع المدني واطلاق الحريات والتعدديات السياسية والفكرية في ظل مؤسسات دولة بناءا على دستور دائم تديرها سلطة منتخبة.
بمعنى اخر ان بناء الديمقراطية يرتكز على محوريين: احدهما يمثل اعادة صياغة الدولة العراقية وفق مفهوم قائم على المؤسسة من خلال سلطات ثلاث تشريعية وتنفيذية وقضائية منفصلة بموجب دستور دائم ينظم عمل تلك السلطات.

 اما الاخر فانه يسعى الى تشجيع ثقافة الاختلاف وحرية الراي والتعبير بالاضافة الى حرية تشكيل الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتفعيل دورها . تلك العملية بمجملها تعني العملية السياسية. التي تؤدي الى الوصول الى صناديق الاقتراع بغية تحقيق تداول سلمي للسلطة. التي تحلق بجناحين ناخب حر في الاختيار ومرشح مسؤول عن برنامجه.

 هكذا يفترض ان يعاد تاهيل وبناء الديمقراطية اما ماحدث على ارض الواقع فانه خلاف بين الدولة والاحزاب اي بين العملية السياسية والدستور.

 لماذا?
الدولة المؤسسة مرفوضة
الدولة العراقية الحديثة نشات عام 1921 في ظل ظهور مجتمع دولي يحكمه ميثاق ضمن عصبة الامم بموجب اتفاقية دولية ورثت بريطانيا اراضي الامبراطورية العثمانية المنهزمة في الحرب العالمية الاولى منها العراق .

 في ظل الامبراطورية العثمانية العلاقة السائدة بين المجتمع العراقي والخليفة اوالسلطان ان الدولة العثمانية مركبة من عقدتيين , طائفية الخلافة الاسلامية وعنصرية القومية التركية.
بناءا على هذه الرؤية انبثقت الدولة العراقية بين احتلاليين الاول احتلال الخلافة الاسلامية المهزوم ممثل في الاستعمار العثماني افرز كيان سني طائفي في الحكم ومعارضة شيعية اما في المحور القومي فادت الى تنامي الشعور القومي العربي. الاحتلال الثاني المنتصر فانه حمل الفكرة الغربية الحديثة للدولة اي علمانية الدولة بعد الحرب العالمية الاولى .
لم تستطع الدولة الحديثة النشأة مواجهة بنية تحتية فكرية للمجتمع العراقي مفادها ان الدولة كيان غير مرغوب فيه .
في اسباب عدة منها ان الدولة العلمانية حرام عند البعض او حلال بوجود سلطة الخلافة الطائفية او ان مدنية الدولة ينشأ كيان خارج عن تقاليد القبيلة والعشيرة... طالما يقال في العراق للتعبير عن قوة الدولة (الدولة تلحك الحرامي بمطي اعرج وين ما يكون) وكان الدولة تستخدم وسائل القبيلة التقليدية كالحمارللبحث عن اللصوص كما يدور في الذهن العراقي, يبدوان فكرة القبيلة اقرب له من فكرة الدولة.
كذلك مواقف المرجعية الشيعية السلبي من مؤسسة الدولة طالما انها عنوان الاضطهاد الطائفي طيلة قرون لذلك فالاحتماء بالمرجعية الدينية يحل بدلا عن فكرة الاحتماء بالدولة . من ناحية اخرى اندماج فلسفة السنة في السلطة المشروطة بفكرة دولة الخلافة الطائفية, ذلك كله ولد رادع معنوي لدى الراي العام العراقي في قبول فكرة مؤسسة دولة تنوب عنهم. فلم يستطع دستور 1925المتمدن في تلك الفترة ان يعبر عن مجتمع مدني في مشاريعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 لِمَ لمْ يكن الرادع المعنوي وحده سببا في ضعف ادراك المجتمع العراقي لفكرة الدولة والحذر منها بل ان تعارض المصالح السياسية والايدولوجية بين نخبة الدولة الليبرالية والمعارضة الشيوعية جعل من الدولة ساحة للصراع فالاخير استغل شعور تنامي العداء لمؤسسة الدولة كشعور جماهيري للحرب على الليبرالية من خلال الثورة والانقلاب على الدولة الا ان حقيقة الصراع يعود الى عدم سماح مراكز الفطرة في المجتمع العراقي.( القومية العروبية,الاسلام السياسي ) بوجود مؤسسة دولة عراقية.

 ما ان سقطت الدولة العراقية عام 1958 راحت الاحزاب القومية والاسلامية تنشط في الاستيلاء على مؤسسة الدولة بالاخص الاحزاب القومية العروبية ممثلة في حزب البعث اما الاحزاب الاسلامية فانها بقت تحتفظ في انتهازية الدولة الحرام من اجل المرجعية او الدولة الحلال طالما تحقق نزعة طائفية الخلافة الاسلامية.
لذلك زالت مخاوف وجود الدولة طالما فقدت مؤستها وحياديتها واحتضنت فطرة المجتمع فبدلا من ان يحتمي المجتمع في ظلها صارت تحتمي به بتلبية رغباته الشخصية.

 من هذا المنطلق ظهرت الشرعية الثورية في استلام السلطة واصدارالدساتيرالمؤدجلة في عروبة العراق ودور الشريعة الاسلامية في التشريع.

 بالاضافة الى ما تقدم فان ما عاصر نشوء الدولة العراقية الحديثة من ظروف ومصالح دولية واقليمية واكتشاف الثروة النفطية ساهم في نشوء دولة مصطنعة ديمغرافيا وجغرافيا. هذا بدوره افقد سكان اقليم العراق حق تقرير المصير في التعايش السلمي تحت مظلة الدولة العراقية ذلك من شانه اضعف من هيبتها.
كما ان دور جنرالات الجيش الفعال في ادارة الدولة في ظل الدولة الحديثة عام 1921 او بعد سقوط الدولة واستيلاء العسكر المتحزب عليها بالقوة اضفى على الدولة في الذهن العراقي انها معسكر وليس مؤسسة مدنية.

 

تحزب الفطرة وغياب مجتمع مدني
لم تكن الاحزاب طيلة حياة الدولة العراقية جزء من عمل مؤسسة الدولة بل انها بديل عن الدولة ذلك افرز شرعية الانقلاب والثورة في استلام السلطة وكذلك لائحة الحزب بدلا عن الدستور.اضفى على الدولة التحزب والعسكرة في ظل جمهوريات انقلابيات عسكرية تقودها الاحزاب اي ان الاحزاب ابتعلت الدولة. انتهى الامر الى شخصنة الدولة في عهد النظام السابق اذ صهرت الدولة في شخص رئيس النظام محاطة بافلاك فكرية بديلة عن مؤسسة الدولة ممثلة في حزب البعث والدين والطائفة والقومية والمناطقية والمدينة والقرية والعشيرة والعائلة.

 أن بذور العمل الحزبي نشأة في ارضية مجتمع يتشدد في التمسك بالتقاليد العشائرية او الروابط الدينية الموروثة غابت او تهمشت فيه عوامل بناء المجتمع المدني فأنتقلت تقاليد المجتمع وعاداته الى العمل الحزبي طالما من يمارسه ليس مجتمع مدني وانما مجتمع فطري لم يبلغ سياسيا.

إذ اصبح الانتماء الحزبي بمثابة تعصب قبلي والعمل الحزبي تقليد قبلي ورئيس الحزب بمثابة شيخ القبيلة وهذا بدوره افقد الاحزاب التقاليد الديمقراطية في نظامها الداخلي. بمعنى أخر انطبع الواقع الاجتماعي على الواقع السياسي فأصبح المجتمع العراقي مجتمع متحزب باحزاب الفطرةوالعقائداوالانتماءات الشخصية غير مدني.

 يمكن القول أن الواقع السياسي في العراق يتركب من مجموعة من الاحزاب او التيارات الحزبية (قبائل سياسية) تمارس عملاً سياسياً (تقليد قبلي) بتعصب حزبي على حساب المصلحة العامة ومؤسسة الدولة والدستور. إذ اصبح عمل تلك الاحزاب (القبائل السياسية) هو البحث عن وسائل قوة لتحقيق مصالحها الخاصة ومنها القوة العسكرية (الجيش) للاستيلاء (غزوة سياسية) على مؤسسة الدولة وتكريسها لصالح الحزب.

 خلاصة ما افرزت مرحلة ما قبل 9 ابريل صراع بين الدولة والاحزاب ادى الى انهيار الدولة وتحزبها وعسكرتها ومن ثم شخصنتها في عهد النظام السابق فما بقى سوى صراع من اجل السلطة.
ماذا ستكون مهمة ما بعد 9 ابريل هذا ما سنتناوله في القسم التالي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com