المشهد العراقي: حرب أهلية أم توتر طائفي؟

حميد الهاشمي / أكاديمي عراقي- هولندا

hashimi98@hotmail.com

 يدلو الكثير من المسؤولين والمحللين السياسيين بدلائهم في محاولة لقراءة المشهد العراقي في جوانبه الحساسة خاصة المتعلقة بالوضع الأمني. ومن بين هذه القراءات هي تلك التي تصف ما يجري بأنه "حرب أهلية".

وللبحث عن إجابة شافية عن هذا السؤال، يتوجب النظر بعين الدقة والحيادية إن لم يكن هناك انحياز للوطن العراقي. فمن باب الدقة والعلمية إن نشخص ونوصف الحرب الأهلية أولا ونقرنها بأمثلة قريبة من الواقع العراقي على الأقل.

فالمعروف أولا أن الحرب الأهلية تجري في ظروف غياب تام أو شبه تام لسلطة مركزية أو سلطات محلية مرتبطة وموالية للسلطة المركزية، وان ميليشيات مسلحة تنتمي لطائفتين أو أقليتين متنازعتين، ولا فرق إن كانت هناك طوائف أو أطراف أخرى موالية لهذه أو تلك، وان هناك عداءا متبادلا، مكنونا وظاهرا على مستوى الأوساط الشعبية البسيطة غير المسيسة أيضا. ولا شك أن مثل هذه الشروط تفترض مسبقا وجود احتقان طائفي ورصيد ولو نسبي من العداء والصراع بين هذه الأطراف المتنازعة.

 

ووفقا لذلك نسأل: هل أن هذه الشروط متحققة في العراق الآن؟

 بموجب وجود حكومة مركزية تمسك بزمام الأمور إلى حد بعيد، ولديها تخويل واسع طبقا للانتخابات المترتبة على العملية السياسية الجارية. وان الميليشيات أو الجماعات المسلحة التي تفتعل النزاع والعنف، وخاصة تلك التي توجه سلاحها إلى أهداف عشوائية وسهلة، تهدف إلى إثارة الطائفية والحرب الأهلية، لا تحظى بالشرعية والدعم الشعبي من طائفتها، وبموجب غياب النزعة العدائية والنعرة الطائفية لدى النخب والعامة من العراقيين، بل بالعكس توجد صلات اجتماعية تمثل رابطة الدم والنسب والجوار والحس الوطني وغيرها، وهذه تمتد بعمق تاريخي طويل، ينفي أن تكون هناك سوابق مما يطلق عليها بالحرب الأهلية، والتي شهد التاريخ لها الكثير من الأمثلة، ولعل أقربها إلى العراق هي الحرب الأهلية في لبنان، والنزاع الطائفي في باكستان والحرب البوسنية، والحرب الأهلية في رواندا وغيرها.

 

ووفقا لذلك فان جواب السؤال السابق هو: لا، ولكن!!

 وهذه ال (لكن)، تحتاج إلى توصيف لحال عالق بين لا، ويبعد عن نعم بمسافة كبيرة. والتوصيف لهذا المشهد هو أن ما يحصل يمكن أن يعبر عنه بأنه توتر طائفي.

وان هذا التوتر الطائفي شَرَك أول من يقع في حباله هم البسطاء من الناس وهم عادة ذوي التعليم البسيط أو غير المتعلمين المنتظمين حزبيا، ومن المتعصبين مذهبيا وهم غير المتطرفين طبعا في احتمال لاتساع دائرته. وان هذا التوتر الطائفي ناجم عن إدارة غير نزيهة للعبة السياسية من قبل بعض القوى الحزبية والدينية الطامحة أو التي تضررت نتيجة التحول السياسي أو نتيجة رد فعل على قوى الاحتلال أو غيرها من الدواعي. حيث تحاول رموز من بعض الأحزاب والحركات الدينية ادعاء تمثيل طائفة ما، وتدعي مظلوميتها في محاولة لكسب تأييد شعبي ورصيد انتخابي، أو كنوع من إدارة الصراع مع الأطراف السياسية الأخرى، ولكنها تأسس لثقافة طائفية من حيث تشعر أو لا تشعر. كما إن هناك ردود أفعال لازالت لحد الآن منضبطة لدى الشارع من قيام الجماعات التكفيرية بالقتل والتهجير على أساس الهوية، استثمرها البعض كشعارت في برامجه السياسية.

 وقد استغلت القوى الإرهابية القادمة من الخارج والمتمثلة بتنظيم القاعدة ومن أزلام النظام البائد نقاط الضعف هذه وباتت تضرب على هذا الوتر أملا بجر البلد إلى ما يطلق عليه الحرب الأهلية.

فالموتورون المرضى من تنظيم القاعدة، والموهومين بالمقاومة يبحثون عن ارض يموتون فيها ولا يهمهم إن كانت هذه الأرض العراق أو الشيشان أو أميركا أو غيرها. وأما أزلام النظام البائد فيستغلون هذا الخواء الفكري والتضليل الإعلامي ليفخخوا هؤلاء وربما يضلوهم في غالب الأحيان عن مقاصدهم في مقاتلة المحتلين، فيوظفوهم كأداة املآ في إشعال الفتنة الطائفية. ولا حاجة بنا إلى التذكير بان استفادة أزلام نظام صدام البائد هي محاولة خلط الأوراق، والهروب من مسئولية جرائمهم التي اقترفوها بحق الشعب العراقي فترة حكمهم. كما أن هناك وهم في أن يصبح زعيمهم المهزوم جزءا من صفقة فيخلص من عدالة الشعب.

هذه هي القراءة الدقيقة للمشهد العراقي وما عداها يعد مبالغة كبيرة. فالحديث عن التهجير لا يعني الحرب الأهلية، لان بإمكان أي شخص أو عصابة أن تخيف رب أسرة سواء كان رجلا أم امرأة حريص على حياة أطفاله وحياته، فتدفعه إلى ترك بيته أملا بالأمان. وان العثور على جثث أزهق أرواحها ثلة من المجرمين، شيء عادي في ظل ضعف واضح ورد فعل بطئ للحكومة المنتهية ولايتها ومن سبقتها، فضلا عن قوات احتلال تجد مصالحها في غالب الأحيان في إيجاد نقاط توتر وخلافات بين أبناء البلد الواحد، ناهيك عن دول جوار تصدر أزماتها وتبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى.

ولعل جزءا من المعالجة العاجلة والآجلة هو في تطوير جماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني العراقية، بدعم وتحريض من النخب المتعلمة والمثقفة، لتقوم بالتأثير على كل هذه الأطراف، ومنها البرلمان العراقي من اجل أداء الأدوار الدستورية المنتظرة منه، ومنها عمل التشريعات التي تسد الطريق على مشروع الحرب الأهلية التي يهدف إليها دعاتها والمستفيدين منها. وعلى الحكومة العراقية أن تقوم بدورها الأبوي في حماية وتمثيل كل العراقيين، فضلا عن دورها التنفيذي في إدارة البلد واستثمار موارده. وعلى الجهات الحزبية والدينية ووسائل الإعلام العراقية والعربية من اجل أداء هذه المهام ومن اجل المساعدة في سير العملية السياسية بطريقة سلمية، بالإضافة إلى ضبط سلوكها، وكذا الجهات الدولية لتنهض بمسؤولياتها تجاه البلد. ولتضغط على الحكومة وتعدل من سياساتها إذا ما وجدت فيها انحرافا أو تقصيرا. وان تمارس ضغطا مسئولا على الأطراف السياسية المتنازعة لأن تجسر الفجوة فيما بينها وان تصل إلى حل عاجل يزيح عن كاهل المواطن العراقي بعضا من همومه اليومية.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com