أنا شيعيا عراقيا رغم انفك يا حسني مبارك

(لماذا يشكك الحكام العرب بولاء الشيعة)

محمد الموسوي / باحث قانوني

almosawy1967@yahoo.com

 يخطيء من يتصور إن تصريحات الرئيس حسني مبارك حول ولاء الشيعة تمثل رأيا شخصيا أو انفعاليا مثلما يخطيء من يتصور إن هذه التصريحات جديدة أو منبتة الصلة عن تصريحات الملك عبد الله حول الهلال الشيعي أو الوزير السعودي الذي ربط الشيعة بإيران وتدخلانها في العراق وطبعا مادام الأمر كذلك فإننا لا نتصور إن هذه المنظومة الإعلامية للتصريحات ليس لها علاقة بالمشروع الأمريكي للشرق الأوسط.

لكن ما يدعو للتساؤل لماذا التشكيك بولاء الشيعة ولماذا يربط الشيعة بإيران دائما، إن الإجابة على هذا التساؤل مرتبطة بجانبين اولهما تاريخي والآخر تفرزه معطيات المرحلة الراهنة، فتاريخيا ارتبط التشيع برفض البيعة للحاكم الجائر إذ يستمد الشيعة أسس الولاء للحاكم من نظرية الاعلمية والعدالة فعندهم إن الحاكم لابد أن يكون اعلم المتصدين للحكم ويوردون حديثا نبويا حول ذلك بقول النبي المصطفى(ص) معناه إن من يتصدى للحكم وهو يعلم إن في الأمة شخصا اعلم وأفضل منه فقد خان الأمة وخان الله أما العدالة فهي شرط استمرار الولاء عندهم فهم مع الحاكم مادام ملتزما بكتاب الله وسنة نبيه ويسوس الناس بالعدل، وعندما أراد معاوية بن أبي سفيان اغتصاب السلطة لدواعي قومية شوفينية تصدّوا له وقاتلوه مع من يعتقدون بعدالته واعلميته وهو الإمام علي بن أبي طالب وعندما انتصر المكر والنفاق وحب الدنيا على الناس تمكن معاوية من الحكم فكان الشيعة المعارضون الأشداء فعمل معاوية على محاربتهم بوسيلتين الأولى دينية والأخرى أمنية أما الوسيلة الدينية فقد جنّد الكثير من علماء السلطان لضرب معتقدات الشيعة من خلال تحريف الأحاديث والأحكام أو اختلاق الكثير منها بقصد تشويش الفكر الإسلامي بما يجعل من الفكر الشيعي فكرا خارجا عن الإسلام وهو الأمر الذي يسلب من الشيعة قوة التأثير الديني ناهيك عن تأهيل الناس لمقاتلتهم وعزلهم عن الواقع الاجتماعي والديني الإسلامي وقد نجح الأمويون بذلك فانتشرت تهم مثل إن الشيعة يعبدون علي ولهم قران غير قران المسلمين وإنهم يحللون الحرام المحمدي أو أنهم يكفرّون الصحابة وغير ذلك من التهم التي لازال الكثير إلى يومنا هذا يعتقد بها إلى أن وصل الأمر ذروته بتولي يزيد بن معاوية السلطة ومحاولته فرض البيعة بالقوة متخذا الستار الديني الذي أسسه أبوه مع هيئة علماء السلطان فكانت الثورة الحسينية التي أوجبت القتال حتى النصر أو الموت ورفض البيعة للظالمين وضرورة التصدي لهم مهما كلّف الأمر ومازال الشيعة يحيون ثورة الحسين إلى يومنا هذا تمسكا منهم بمبدأ محاربة السلطان الجائر أما الوسيلة الأمنية فلم يألوالامويون جهدا في التنكيل بالشيعة وقتلهم أو في أفضل الأحوال حبسهم في غياهب السجون وهو الأمر الذي استفاد منه العباسيون الطامعون بالسلطة إذ اتخذوا من هذا الظلم الواقع على الشيعة سلاحا لضرب الأمويين وقد كان ذلك لهم لكنهم أيضا استفادوا من أسلوب الأمويون في التعامل مع هولاء الرافضين للظلم فاستمر العباسيين بتزوير الحقائق الدينية التي من شانها أن تعزل الشيعة عن إخوانهم المسلمين من المذاهب الأخرى إضافة إلى تسجيل مئات الآلاف من الشهداء الشيعة في السجون أو غيرها وقد استمر الوضع هكذا حتى مع الحكام العثمانيون ومن تلاهم من الإنجليز حيث وقف علماء الشيعة بوجه الاحتلال الغربي وقدموا العديد من الشهداء وظل الشيعة لا يدينون بالولاء لأي حاكم ظالم وقد أحس الحكام العرب المعاصرين ذلك وتنادوا جميعا لمكافحة الرفض الشيعي لاستمرار كراسي الظلم والمجون وقد استخدم الحكام المعاصرون نفس صيغة أسلافهم من الناحية الدينية أو الأمنية فقبع الشيعة في السجون أو المقابر الجماعية وهو ما عايشه العراقيون منذ فترة الحكم الملكي إلى الحكم الصدامي الذي بلغ فيه القتل والتزوير أعلى المراحل وأقوى وسائل البطش فأعاد صدام كتابة التاريخ واستعمل أبشع وسائل القسوة في القتل والتعذيب والنفي والحبس إلى الحدّ الذي بلغ ذروته في تأليب العرب جميعا من خلال الآلة الإعلامية والمالية ضد الشيعة فعاش الشيعة أسوا مراحل وجودهم في ضل هذا الدكتاتور وقد اختلق الحكام الجدد وسيلة أخرى لضرب الشيعة الرافضة مستفيدين من النظرية القومية التي أشاعوها في العصر الحديث وهي نظرية القومية العربية التي وجدوا فيها بديلا عن نظرية الأمة الإسلامية وبعد أن اغرقوا عقول الناس بالفكر القومي العنصري زجوا الشيعة في منظومة التعجيم من خلال ربط الشيعة بإيران غير العربية متناسين إسلام إيران اليوم من خلال التأكيد على الإرث الفارسي لها الذي يحمل الكثير من الماسي مع العرب حيث كان الفرس من الطامعين بالعرب والمستعمرين لهم فأصبح التأكيد على فارسية إيران لكي يديموا كره العرب لهم وربط الشيعة بإيران حتى يكون الشيعة تارة عجم وأخرى خونة وعملاء لبلاد فارس وقد نجحوا مع الأسف في ذلك إلى حد كبير وهو ما نلمسه من الغالبية العربية التي تنظر للشيعة على أنهم إما خارجين على الإسلام أو موالين لإيران.

إن هذه النظرة الخاطفة عن التاريخ السياسي للحكام العرب قديما وحديثا في التعامل مع الشيعة للقضاء على نظريتهم في الحكم المبني على الاعلمية والعدالة توضح بلا لبس لماذا يجود الحكام المعاصرين بين فترة وأخرى بتصريحات تتعلق بولاء الشيعة أو معتقداتهم حيث أنها طريقة الأجداد الناجحة في الاستحواذ على السلطة والثروة فلا استغراب إذن من تصريحات حسني مبارك أو الملك عبد الله أو الوزير السعودي أو غيرهم ممن ستسمع الآذان منهم في المستقبل لكن ما تجدر الإشارة إليه إن الشيعة رغم كل هذه البلاءات لازالوا متمسكين بنظرية الاعلمية( نظرية الرجل المناسب في المكان المناسب) والعدالة رغم كل الدماء ومازالوا وسيبقون على خطى الحسين بن علي بن أبي طالب في الثورة والشهادة.

أما بالنسبة إلى تحليل تصريحات الرئيس حسني مبارك وفقا لمعطيات المرحلة الراهنة فهي تحتمل اتجاهين، الأول أنها تصب في المشروع الأمريكي الطائفي ( بالنسبة للقائلين بهذا الرأي) حيث إن المشروع الأمريكي – كما يقولون – يعتمد الطائفية في تقسيم الدول المحاذية لإسرائيل من خلال التقسيمات الطائفية وهو ما شاهدناه في العراق من تركيز على الطوائف بدلا عن المواطنة، والحقيقة إن لهذا الرأي مصادق عديدة فما معنى تمسك الأمريكان بالساسة الطائفيون وما معنى تهجير الشيعة من المناطق السنية وما معنى ضرب القوى التوحيدية في العراق إضافة إلى ما نلاحظه من تشجيع على القتل الطائفي من خلال المفاوضات الأمريكية مع الجماعات التي تعتمد السلاح للتخلص من المشاركة الشيعية في الحكم ولا اقصد هنا الجماعات المسلحة التي تحارب الاحتلال لأنها كما يقول عنها زلماي زاد  جماعات إرهابية لا يتم التفاوض معها ، فأمريكا – وفقا لهذا الرأي تسعى إلى جعل العراق دولة واحدة مقسمة على طوائف وليس تقسيم العراق إلى ثلاث دول كما يعتقد البعض أو ما يمكن أن نسميه بنظام الفيدرالية الطائفية التي يرفضها أحرار الشيعة الرافضون للظلم بنفس قوة الرفض الذي تتبناه القوى السنية وما مناداة الشيعة بالفيدرالية إلا على الأساس الإداري المتطور الذي يقوم على أساس توزيع السلطة والثروة بشكل عادل  وهو أمر لاشك يساير أكثر النظم الإدارية تطورا في العالم وهنا تبدأ معركة الشعب العراقي الذي يجب أن يناضل ضد الفيدرالية الطائفية ويسعى إلى الفيدرالية الإدارية وهو الأمر الذي نرى فيه عجزا وقصورا من بعض  السياسيين العراقيين مع الأسف لغاية الآن إذ يدور الأمر بينهم باتجاه المركزية المقيتة أو الطائفية القاتلة ويسعى هولاء إلى خلط الأوراق دائما ليتمكنوا من تحقيق آمالهم المريضة في التسلط والسرقة وهولاء أيضا يعتمدون تعجيم الشيعة تارة أو تخوينهم تارة أخرى لتحقيق مآربهم وان كان الشعب العراقي لغاية الآن واعيا لهذه الألاعيب من خلال التوحد السني الشيعي الذي يزدادا يوما بعد يوم.

أما الاحتمال الثاني الذي يراه البعض من إن التصريحات جاءت وفق المسلسل التاريخي للحكام العرب حيث إن التغيير الديمقراطي الذي يجاهد الشيعة بدمائهم لتحقيقه بالعراق ستكون نتائجه وخيمة على النظام الاستبدادي للحكام العرب وهو بداية تحقق الحرية التي سعى لها الحسين بن علي بن أبي طالب وناضل الشيعة نحو تحقيقها ما يزيد عن ألف عام وان الطريقة الأفضل لعزل الشيعة وإنهاء تأثيرهم على الشعب العربي من جهة وتجنيد الشعوب العربية لمقاتلة الشيعة في العراق هو إلصاق الشيعة بالعجم وإيران بالتحديد من خلال نفي وطنيتهم وربط ولائهم بالدولة الإيرانية وهو الأمر الذي يجد – للأسباب التاريخية التي ذكرناها ومنظومة التزوير التي اتبعها الظالمون- قبولا نفسيا وعقليا –مع الأسف عند الكثير ممن انطلى عليهم شبح الكذب ، والحقيقة إن هذا الاحتمال ليس بعيد خصوصا ما نراه من التعاطي الرسمي العربي منذ الاحتلال الأمريكي للعراق ولغاية اليوم وظهور الحكام العرب كمن يدافع عن السنة العرب في العراق وهي إشارة غبية إلى محاولة إثبات أنهم من الحكام السنة والحقيقة إن السنة بمذاهبها المتعددة بريئة كل البراءة منهم وهو الأمر الذي يجب توخي الحذر منه وكشفه والقضاء على كل محاولة لهولاء الحكام من ربط أنفسهم بالسنة أو المذاهب السنية لأنه ليس من المعقول إن أهل السنة يقرون بظلم الحكام العرب وعمالتهم واستبدادهم  وهم الذين وقفوا مع إخوانهم الشيعة في محاربة الاستبداد والظلم ودفعوا الآلاف من الشهداء على مذبح الحرية وهي دعوة إلى السنة في جميع الأقطار العربية وخصوصا سنة العراق لما عرف عنهم من إيمان وعقل أن يتوحدوا مع إخوانهم الشيعة لطرد المحتل سواء من الحكام العرب المستبدين أو من الخارج والعودة إلى مفهوم الأمة الإسلامية المحمدية التي تحكم نفسها بالعدل والكتاب والسنة وتعتمد مباديء الحرية والعدل والتسامح أساسا لقيام الدولة الإسلامية .

وأخيرا ننوه إن مثل هذه التصريحات ووفقا للاحتمالين المشار لهما انفا سوف لن تكون الأخيرة لان المخطط لازال موجودا والمهم هو الوعي في التعامل مع هذه التصريحات وغيرها وفهم أهدافها وليعلم الجميع إن خير سلاح لمواجهة الأعداء من الداخل والخارج هو التوحد بين السنة والشيعة وبناء الدولة الديمقراطية التي تقوم على الحرية والعدل والمساواة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com