|
"حسني مبارك", من يقف وراءه؟ وما هي أبعاد تصريحاته بشأن الشيعة؟ علي آل شفاف تابعته عن كثب وباهتمام للمرة الأولى, أملا في التعرف على شخصيته وعمقه وفكره عن قرب, وذلك عندما بدأ الترويج لنفسه وتسويقها, وتلميع صورته وتشذيبها, عبر إحدى القنوات العربية في سلسلة حلقات, قبل مهزلة الانتخابات المصرية الأخيرة . . هذه الحلقات التي ربما كان مستشاروه يرجون من ورائها عرضه كبطل وقائد ورمز, بعد أن فرغت الساحة العربية من دعاة البطولة المزيفة إثر هزيمة وافتضاح طاغية العراق الهارب من أرض المعركة؛ وخنوع (الطويغية) المعتوه الآخر, وموت آخرين . . لكن الرياح لم تجر بما يشتهون. إذ بدا الأمر متأخرا . . فقد رك عقل الرجل, بعد أن لم يكن متينا؛ وأفن رأيه, بعد أن لم يكن ذا رأي, وتقلد حاشيته قياد حبله, فأصبح ممن لا يلتفت إلى رأيه, ولا يعتد بمثله. ولم أره إلا واجهة يختبئ خلفها آفات جشعة ووحوش شرسة, تبتلع أموال المصريين وتمتص دماءهم وتهزأ بعقولهم. لم يكن الرجل سوى دمية, تتلاعب بها حاشيته, وزبانيته الذين تحركهم الأيادي الأجنبية. كتب "ناصر الدين النشاشيبي" يوما, في مقال له بعنوان "ديمقراطية حسني مبارك! كما تراها "الحليفة" إسرائيل . . . وأمريكا!": " أنا اعلم، كغيري من أهل الصحافة والقلم أن الرئيس حسني مبارك من رجال "الطيران" ولا علاقة له بالفكر والسياسة وانه جاء إلى الحكم باختيار الراحل أنور السادات الذي كانت معرفته بالسياسة كمعرفة العقيد القذافي بالفلك والنجوم .. والدبلوماسية!!". لم يكن خيار السادات لرجل لا يفقه في السياسة شيئا, من الخط الثالث أو الرابع في السلطة (كقائد للقوة الجوية ونائب لوزير الدفاع), جاء عن جهل, بل كان خيارا ذكيا ليحصل على شخص تابع لم يكن ليطمح إلى ما دون الموضع الذي وضع فيه, فيبقى ممتن له, مطيعا لأوامره على الطريقة العسكرية, لا يقلق من طموحاته السياسية, قاطعا بذلك الطريق على الطامحين لتولي سدة الحكم من الذين ساهموا أو عاشوا فترة انقلاب "محمد نجيب" و"جمال عبد الناصر" على الحكم الملكي. وهذا ما أكده "حسني مبارك", نفسه حيث أكد أنه قد تفاجأ من هذا الخيار الذي لم يتوقعه ولم يحسب حسابه. أراد "حسني مبارك" ـ أو بالأحرى أراد منه مستشاروه ـ أن يظهر نفسه في الحلقات إياها أمام الرأي العام العربي كبطل لحرب 1973 لكنه وبسبب ثقل ذهنه, وعلى الرغم من تلقين مستشاريه له, لترديد بعض العبارات والجمل الاستعراضية على (الطريقة الهوليودية), أو على (طريقة الفتوات), فضح هزيمته الكبرى التي كانت على وشك الحصول في هذه الحرب, وأعطى ـ عن جهل ـ الصورة الحقيقية التي كاد أن يتحول فيها عنصر المباغتة والمفاجأة الذي كان من المنتظر أن يصنع نصرا, إلى هزيمة كادت أن تجعل أختها التي حدثت في عام 1967 أمرا منسيا. حيث أنه وبسبب ضعف قياداته و(جنرالاته) التي ضخمها (ونفخ بها) الإعلام العربي الاستعراضي حتى ظننا أنها ستهزم "أمريكا" و"الإتحاد السوفيتي" ـ في حينه ـ معا إذا ما تجرءا وفكرا في أن يمسا شبرا من الأرض العربية, كاد الجيش المصري أن يتعرض لفضيحة وانكسار كبير لولا بركة "العم سام", الذي ضغط على (بني صهيون), فأوقفوا الحرب في اللحظة الحرجة, عند أبواب "الإسماعيلية". فقد أوشكت جيوش (بني صهيون) على إكمال التفافها حول الجيش المصري والإطباق عليه بالكامل, وأسر جميع فرقه ووحداته بعد أن دمروا أغلب آلياته ودباباته, من خلال ثغرة "الدفرسوار", التي هي ـ في الحقيقة ـ جبهة واسعة عرضها أربعون كيلومترا, تركت فارغة, بدون أي قوات احتياطية أو حماية جوية, ولا يصح تسميتها بـ "ثغرة". كان "العم سام" عند حسن ظن (البتاع), فأنقذ سمعة الجيش المصري وسمعة قائده ورئيسه "السادات", الذي رد لهم الجميل بعد أربع سنوات فقط, لا أكثر! عندما حطت طائرته في مطار "تل أبيب" ضاربا دعوى سلفه بأن "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" عرض الحائط. إن هذا الثقل الذهني الذي قد يصل إلى البله أحيانا, بدا أكثر وضوحا في مقابلة "حسني مبارك" الأخيرة مع نفس القناة الفضائية ـ إياها ـ التي عرضت سلسلة حلقاته الدعائية السابقة. فقد ظهر واضحا أنه لا يفهم معنى السؤال, إلا إذا أعيد عليه عدة مرات. ليس لثقل في السمع كما قد يتوهم البعض, لكنه لثقل في الفهم بدليل الإجابات التي تدل في الغالب على عدم فهمه لمغزى السؤال المطروح. وهذا ما أكده أحد (التجار) أو الكتاب الكويتيين الذين خاضوا الغمرات الإعلامية دعما لصدام إبان (حرب إيران), في جريدته التي كانت ولا تزال منبرا للطائفية والدجل الإعلامي, في معرض تبريره خطل "حسني مبارك", في الصفحة الأولى من العدد الصادر بتأريخ 12 نيسان الجاري. فقد تفتقت عبقرية "أحمد الجار الله" لتعتذر عن تصريحات الرجل, بأنه " امتاز بالعفوية الصادقة . . . " وبـ "سليقته الفطرية غير المصطنعة" و" قدرته على التعبير النابع من القلب والعاطفة" و "وإذا أخذنا تصريحاته على براءتها" ثم يختم بعد أن لم ينس أن ينسب الحديث إلى "مصادر" ـ مجهولة طبعا ـ قائلا عن التصريحات أنها "جاءت وليدة عفوية الرئيس . . . وصادرة عن نقاء سياسي وصفاء سريرة". هكذا يستخف "أحمد الجار الله" بعقول القراء, بل يستسخفها. ناسيا أنه بذلك يثبت سفه الرجل وعتهه. فإذا كان "حسني" بهذه المواصفات التي, قد يفتقدها ـ حتى ـ بعض الأطفال الذين لم تتلطخ أنفسهم وأفكارهم بأوحال (الكثرات) الذهنية والخارجية, والانحرافات الفكرية والنفسية عن الفطرة السليمة. كيف أصبح الرجل ـ إذا ـ رئيسا لدولة سكانها يتجاوز السبعين مليونا؟ وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل عن كيفية بقاء "حسني مبارك" في الحكم كل هذه المدة, ومن يدعمه, ومن الذي يدير مصر فعلا, ومن يخدع الشعب المصري بمثله. يذكرني تبرير "أحمد الجار الله" لهذه التصريحات, بكاتب مصري يعترف ـ من حيث يعلم أو لا يعلم ـ في كتاب له عن الدولة الفاطمية قرأته في الثمانينات, وفي معرض دفاعه عن بلده, بأن مصر معروفة تأريخيا بأنها تستسلم لأعدائها وغزاتها ولا تبدي أي مقاومة لهم إلا ما ندر. فقد استسلم المصريون الفراعنة "للهكسوس فدخلوا عاصمتهم سلما, واستسلموا لليونان أيام "الاسكندر", والرومان, ثم للعرب المسلمين الذين دخلوا مصر (القبطية) سلما, وبعدها للفاطميين الذين دخلوها سلما أيضا, فالمماليك, ثم الأتراك. أما في العصر الحديث فقد دخل جيش "نابليون", ولم يلق إلا مقاومة خفيفة على الساحل, وكذا "الإنكليز" , ثم فعلها السادات مع "إسرائيل" أخيرا, بعد أن ابتلعت "سيناء" التي تمثل ثلث مساحة مصر. وما يسطر في الكتب أو يعرض على الشاشات من بطولات وهمية ليس سوى ضرب من الخيال نابع من خصائص الشخصية المصرية الميالة للمبالغة والفكاهة أحيانا. وقد أثارت هذه المعلومة فيّ مقارنة بسيطة مع دخول "الإنكليز" العراق, عندما قاوم العراقيون ـ وخصوصا الشيعة منهم ـ مقاومة عنيفة جدا بحيث لم يصل "الإنكليز" إلى بغداد إلا بعد ثلاث سنوات من القتال العنيف والحصار المميت. على طول الطريق من "الفاو" إلى بغداد, على الرغم من الملابسات المعروفة التي رافقت وضع أغلبية الشعب العراقي تحت السلطة العثمانية. وتخاذل وانكسار الجيش العثماني حينها. ولعله من نافلة القول, التذكير بأن دخول الأمريكان بغداد لم يكن بهذه السهولة, لولا رغبة الشعب العراقي في التخلص من الديكتاتور الجزار "صدام", وقراره عدم الدفاع عنه. وهكذا فقد أراد هذا الكاتب أن ينفي التهمة عن مصر فأثبتها. كما فعل (عبقري) "السياسة" "أحمد الجار الله" وآخرون من قبل ومن بعد. وعليه لا تكمن خطورة تصريحات "حسني مبارك" حول ولاء الشيعة في شخص قائلها, بل في الجهات التي صرح لحسابها, وما إذا كانت مصرية أم عربية أم أجنبية, والأبعاد المبتغاة منها. لقد كانت مقابلته الأخيرة مهيأة ومعدة سلفا لغاية واضحة ولتذاع وتعرض في وقت محدد, هو عشية الذكرى الثالثة لسقوط "صنم بغداد". إن عرض هذه المقابلة على (قناة آل سعود) له معنى واضحا. فقد نفذ الرجل تعليمات "آل سعود" بالهجوم على شيعة العراق, وباقي الشيعة في المنطقة, من أجل محاصرة ووئد أية محاولة منهم للمطالبة بحقوقهم التي اغتصبها السلاطين في جميع هذه الدول. والحجة الملفقة الجاهزة هي الولاء لإيران. إن هؤلاء ـ وكما ذكرت في عدة مقالات سابقة ـ يعتبرون أن الحكم (حق إلهي) وكل بهم, وعلى الآخرين الخضوع له والقبول به. وإلا فالفناء مصيرهم!! أصبح ـ الآن ـ الأمر علنيا, بعد أن كان من وراء "الكواليس", فأنهار الدماء التي تجري في العراق هي حرب إبادة ضد الشيعة العرب. ولَإن بدأت في العراق فإنها ستأتي على باقي الشيعة دواليك. فما أجبر "حسني" على فريته هو عدم تحمل "آل سعود" لشدة صبر الشيعة وتعقلهم ـ الزائد ـ على الرغم من آلاف الضحايا التي سقطت, والأعداد الكبيرة التي تسقط منهم يوميا. لأنهم يريدون للشيعة أن ينفذ صبرهم ليعلنوا الحرب الأهلية, لكي تخلق لهم المبررات الكافية للتدخل العلني, ومن ثم إعادة الوضع الظالم السابق الذي تتحكم فيه أقلية قليلة بمصير ملايين العراقيين. عن طريق حاكم عسكري, أو تحت عنوان حكومة إنقاذ وطني, أو ما شابه. ليقبروا بذلك العملية الديمقراطية المؤملة لبناء العراق الجديد. وهذا ـ تماما ـ ما يعيدنا إلى المخطط الذي نسب إلى المجرم الأردني, وعلاقة الرسالة المنسوبة إليه بما يسعى إليه "آل سعود" و "حسني" وغيرهم. فهل أن هذا من قبيل التوارد, أم أن هذا المجرم الأردني هو تسمية تختبئ وراءها أجهزة مخابرات عربية غايتها منع الشيعة من الحصول على حقوقهم الأساسية التي يكفلها الشرع والقانون الدولي؟ ليس من المستغرب ـ إذا ـ أن تتزامن هذه التصريحات مع أخرى أكثر خبثا ودهاءا لوزير خارجية "آل سعود" الذي ساهم في قتل مئات الآلاف من الشيعة العراقيين ـ حسب اعترافه. فقد أكد "سعود" هذا ـ بإصرار غريب ـ على أن العراق يعيش حربا أهلية وأنها واقع فعلي وهذه هي تماما رغبة المجرم الأردني أو من يقف وراءه!! متماشيا ومؤكدا بذلك كلام "حسني". يأتي هذا في الوقت الذي تتوارد فيه الأنباء عن غض الحكومة الكويتية نظرها عن ملايين الدولارات التي تبرعت بها الحركات السلفية التكفيرية في الكويت لتأسيس ميليشيا تابعة لأحد الأحزاب السنية في العراق, فضلا عن الدس الطائفي الذي تبثه وسائل الإعلام الكويتية كـ "سياسة" "الجار الله". هذا فضلا عن الملايين من الدولارات القادمة من السعودية وهي (أظهر) من "نار على علم", ومن اليمن, وقد كشف عنها أحد البرامج التلفزيونية ـ عرضا ـ لتبرير حصر الرئيس اليمني للتبرعات المخصصة لحركة "حماس" عن طريق حسابات بنكية حكومية. لذلك فمن السذاجة أن لا تأخذ هذه التصريحات على درجة عالية من الجدية والخطورة وتدرس كيفية الوقوف أمام من يريد الخراب للعراق وأهله, مهما كانت غايته.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |