مشكلة تخوين الشيعة ورمي التهم بالتبعية الإيرانية بين مبارك وكتاب الموجة الجديدة

 

 

وداد فاخر* / النمسا

جميل جدا أن يظهر على سطح الوضع الثقافي كتاب عراقيون يكتبون في الشأن العراقي بهذا الكم الواسع الكبير ، لكن أن ينبري كل من هب ودب للكتابة فتلك الطامة الكبرى ، وفي هذا الجو الملبد بالغيوم التي تنذر بمطر غزير لا يتوافق مع موسم الحصاد الذي ينتظره الزراع على أحر من الجمر .

ومشكلة السياسة الأمريكية إنها تتخبط في سياستها المتقلبة في العراقي فيصبح الوطني والمناضل خائنا والخائن والقاتل وطنيا بين عشية وضحاها كما توحي لبعض كتابها من المرتزقة الجدد ، أو أولئك الشوفينيين من الكتاب العفالقة . خاصة بعد أن أعادت مع سبق الإصرار كل الوجوه الكالحة لازلام البعث ، وشخوصه القذرة لتلعب من جديد وعلى مسرح السياسة العراقية مسرحية لعبة الديمقراطية ، بعد أن خلطت كل الأوراق ، وأبرزت لاعبين جدد على المسرح الثقافي بعضهم من كتاب مواقع عربية أو بعثية تناوئ علنا كل الكتاب العراقيين الوطنيين وتتهمهم بالتهمة العصرية البعثية الجاهزة ( الصفويين ) و ( الشعوبيين ) ممن لا يفرق البعض منهم بين حرف الضاد  .

فبعد انهيار العالم الاشتراكي اثر حرب الخليج الثانية وبروسترويكا فهلوي أمريكا داخل الاتحاد السوفييتي السابق ( الولد ) غورباتشوف كما كان يطلق عليه شيوخ الكرملين آنذاك ، تم العودة لمصطلحات وتهم العروبيين القديمة الجاهزة بدل تهمة الشيوعية التي كان يوصم بها كل الوطنيين الأحرار ، وتكون السبب أحيانا حتى في تعطيل زواج بناتهم وأبنائهم ، وفشل كل مشاريعهم بحجة الشيوعية ، حيث استبدلت تلك التهمة بالتهمة القديمة الجديدة التي أنبتها الحكم الأموي منذ عام 41 هـ حينما تسلم معاوية بن أبي سفيان السلطة بعد تنازل الإمام الحسن بن علي ، فظهرت مصطلحات جديدة زرعها الشوفينين العرب من بقايا وأحفاد كفار الجاهلية كـ ( الأعاجم ) و ( الشعوبيين )و ( الزنادقة ) ، ما لبثت أن تطورت في العهد العباسي واستخدمت تلك التهم سيفا مسلطا بوجه كل الكتاب والمثقفين ووسيلة للتخلص منهم من قبل الحاكم الفرد الذي وضع عنوان ( خليفة الله في الأرض ) قبل اسمه .

وقد لعبت تهمة الزندقة خاصة في بداية العصر العباسي دورا مهما في محاربة علماء الكلام وأدباء العصر ممن يختلف مع الخليفة الذي كان كما وصفه شاعرة (ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار ) ، وأقام العباسيون محاكم الزنادقة التي حاكمت كل من جاء برأي يخالف رأي الإسلاميين الكلاسيكيين بتهمة الزندقة وقتلوه وأحرقوا كتبه.

 فقد قتل حكام العهد العباسي وأحرقوا أعداداً كبيرة من العلماء وكتبهم من أمثال ابن الراوندي و ابن المقفع (قتل عام 760م) وابن أبي العوجاء (عام 772م) و بشار بن برد(عام 784) وصالح بن عبد القدوس (عام 783م) وجعد بن درهم (عام742م) والحلاج (عام 922م) وآخرين. وهناك كُتاب اعتبرهم الإسلاميون الأوائل من كبار الزنادقة منهم أبو حيّان التوحيدي وأبو العلاء المعري وابن العربي الذي كتب "جواهر الأمثال" الذي قالوا إنه يدعوا إلى الكفر . وقتل المنصور وقبله ضربه ثمانون سوطا إمام الفكر الحنفي ( أبو حنيفة النعمان ) لأنه أفتى بالخروج مع محمد ذو النفس الزكية في ثورته المعروفة ضد العباسيين  .

ولعبت لفظة الشعوبية دورا مهما في واد الفكر الحر المعارض للفكر القومي الشوفيني ، والشعوبية لغة : جمع شعوبي نسبة للشعب ، وقد تطلق ويراد بها النزعة العدائية للعرب ، وهي بالإطلاق الثاني مصدر صناعي ، والشعوبي في إطلاق آخر هو الذي يساوي بين العربي وغيره ولا يفضل العربي وقد اشتق هذا الاسم من الآية الكريمة ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) سورة الحجرات 13 . وذلك لأن المسلمين من غير العرب دعوا إلى التسوية وكانت هذه الآية من شعاراتهم ، ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي على أعجمي ، وكلكم لآدم وآدم من تراب ، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي على من يحقر العرب وتوسعوا بعد ذلك فأطلقوه على الزنديق والملحد ، معتبرين الزندقة والإلحاد مظهرا ينم على كره العرب لأنه كره لدينهم . ثم أطلق بعد ذلك على الموالي . وهكذا نمت هذه اللفظة وتوسعت لتصل بالأخير للطائفة الشيعية وتصمها بالشعوبية ، وها هو الدكتور أحمد أمين ، وهو من الباحثين في العصر الحديث يقول ( وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يتسترون به) -  ضحى الإسلام ج1 ص 63  - .بينما نظرة سريعة لواقع الحال الشيعي من علماء لغة وحديث وكتاب ومفكرين تظهر عكس مقولة توجيه تهمة الشعوبية للشيعة فنرى الرواد في علم السير والتواريخ عبد الله بن أبي رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي ( ع ) ، ومحمد ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية ، وجابر بن يزيد الجعفي .ومن الرواد في علم النحو : أبو الأسود الدؤلي ، والخليل بن أحمد إمام البصريين ، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي والفراء ، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي ، ويحيى المبرد بن يعمر العدواني ، ويحيى بن زياد الفراء ،وبكر بن محمد أبو عثمان المازني ، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد ، وثعلبة بن ميمون أبو إسحاق النحوي ، ومحمد بن يحيى أبو بكر الصولي ، وأبو على الفارسي الحسن بن علي ، والأخفش الأول أحمد بن عمران ، ومحمد بن العباس أبو بكر الخوارزمي الذي يقول عنه الثعالبي في يتيمة الدهر : نابغة الدهر وبحر الأدب وعالم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل ، كان يجمع بين الفصاحة والبلاغة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر ، والتنوخي علي بن محمد ، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية ، وملك النحاة الحسن بن هاني ، ومعاذ الهراء واضع علم التصريف ، وعثمان بن جني أبو الفتح وأبان بن عثمان الأحمر ، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق ، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة ، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان وصفي الدين الحلي صاحب الكافية في البديع والخالع النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر .

ووجهت نفس التهمة للشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم من قبل غلاة القوميين والبعثيين والناصريين لا لسبب سوى انه نادى بأحقية العراقيين بالاستفادة من خيرات بلدهم ، وكونه يمثل في أصله الاجتماعي شكلا من أشكال الوحدة العراقية ، ورفضه أن يكون الأصل العربي ضمن السياسة العامة بل هو هوية ونسب فقط ، وقد أكد ذلك في مقابلة مع صحفي لبناني، أوضح الزعيم نظرته للعروبة وهي وجهة نظر يشاطره فيها كثير من العراقيين الشيعة ، إذ يقول "العروبة عندنا ليست سياسة بل نسب وحسب."

ونمت هذه التهمة وتوسعت أكثر زمن الحرب الكارثية ضد الجارة إيران زمن الحكم الدكتاتوري البغيض 1980 - 1988، حيث ربط البعث مضمون الشعوبية بسؤال خطير وهو من ينتمي للمجتمع العراقي وللأمة العربية ومن لا ينتمي. وقد نصب البعث نفسه المدافع عن العروبة في وجه الفرس و( العدو الفارسي ) وأطلقوا حملة لتشويه سمعة المجموعات المعارضة من الشيعة بربطهم بجمهورية إيران الإسلامية. ودعيت الحرب بـ"قادسية صدام" وهو اسم يذكر بالانتصار العربي التاريخي على الفرس في القادسية جنوب العراق عام 636 م. وقد وصفت تلك الحرب بأنها صراع قومي وثقافي بين العرب والفرس سيمكن العرب من إعادة اكتشاف جذورهم التاريخية .

وأطلق عبد السلام عارف لفظ ( الشعوبيون ) على الحرس القومي وتضمن بيانه الأول في انقلابه ضدهم يوم 18 تشرين 1963 هذه العبارة ( إن ما قام به العابثون الشعوبيون) ، وهي إشارة واضحة للقياديين البعثيين الشيعة : علي صالح السعدي وحازم جواد وطالب شبيب وغيرهم من البعثيين الشيعة ، ولم يقصد البعثيين السنة الذين انضووا تحت جناحه آنذاك كـ ( احمد حسن البكر التكريتي وطاهر يحيى التكريتي  وحردان عبد الغفار التكريتي ) وغيرهم .

واتهم أهل الجنوب العراقي من الشيعة العرب الاقحاح بمجموعة من التهم التي لصقت بهم فكان الشيعي الجنوبي ولا زال يحمل الشينات الأربعة: شيعي، شعوبي، شيوعي، شروكي ، من قبل الشوفينيين العرب متهمينهم بكونهم غرباء عن المجتمع العروبي العراقي .

وتعمد الفكر الشوفيني القومي رمي جميع معارضيه في العصر الحديث بتهمة الصفوية وكونهم من الأعاجم وازدهرت هذه التهمة في بداية الحكم الملكي على يد منظر القومية العربية التركي الطوراني الأصل ساطع الحصري فاتهم شاعر العرب الجواهري بهذه التهمة من قبل ساطع الحصري التركي الأصل . وجرى نفس الكلام على لسان سياسي شيعي عراقي ما بعد سقوط دكتاتورية البعث ضد شخصية عراقية هو الدكتور حسين الشهرستاني العراقي أبا عن جد

وحفيد رجل الدين هبة الدين الشهرستاني (ت 1967)،الذي ولد بسامراء عام 1884، وتولى وزارة المعارف عام (1921)، ثم رئاسة مجلس التمييز الشرعي العام(1923). بينما الصفويون ليسوا من الفرس أصلا ، وهذا ينم عن جهل بالتاريخ وسقطة كبيرة للفاشيين العرب الذين لا يعرفون للآن أن الصفويون، آل صفويان: سلالة تركمانية من الشاهات حكمت في بلاد فارس (إيران) سنوات 1501-1722 م. والنبذة التاريخية لآل صفويان تقول ( أسس الشيخ صفي الدين الأردبيلي (1252-1334م) طريقته الصوفية في أردبيل ( أذربيجان) سنة 1300 م. وأصبحت أردبيل عاصمة دينية ثم سياسية لأتباعه (مع تحولها إلى حركة سياسية). تحول أبناء هذه الطائفة منذ منتصف القرن الـ15 م إلى المذهب الشيعي. ونجح الصفويون في الوصول إلى الحكم (على بعض المناطق) أثناء زعامة جنيد (1447-1450 م) ثم حيدر (1460-1488 م)، والذين استطاعا إنشاء تنظيم سياسي وتكوين وحدات خاصة من الجيش، أو القزلباش - القزل باش أو الرؤوس الحمراء نسبة إلى التاج أو العمامة الحمراء التي يرتديها أتباع الطريقة الصفوية وهي كلمة تركية  ليست فارسية لمن يعرف اللغتين التركية والفارسية ، وتربط العمامة باثني عشرة لفة تلميحا للأئمة الإثنى عشر- .تولى شاه إسماعيل (1501-1524 م) منذ سنة 1494 م زعامة التنظيم وقام بالدعوة إلى المذهب الشيعي. استولى على مناطق غيلان (گيلان)، وواصل سنوات 1499-1501 في توسعه حتى شمل كامل بلاد فارس (إيران). قام بطرد القراقويونلو سنة 1507 م واستولى على العراق. أقر المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبا رسميا للدولة. وحاول أن يسوي بين الفئات التركمانية في الجيش (القزلباش) والفئات من أصول إيرانية (الإدارة). انهزم أمام العثمانيين في موقعة خلدران (جيلدران) سنة 1514 م. توالت الحروب بينهم وبين العثمانيين على الحدود الغربية من البلاد من جهة، و بين الأوزبك (الشيبانيون في بخارى) على الحدود الشرقية من جهة أخرى. استطاع طهماسب (1524-1576 م) أن يحيَّد أعدائه عن طريق سياسته المتوازنة وتسويته للمشاكل الدينية. كما بدأ في عهده تشجيع حركتي الآداب والفنون. بعد مرحلة اضطرابات عديدة استقر حال الدولة أثناء عهد عباس الأول (1587-1629 م). قام الأخير سنة 1601 م بضم البحرين (كامل الساحل الشرقي من جزيرة العرب). استولى على أذربيجان سنة 1603 م، ثم شيراز، أرمينية وأجزاء من أفغانستان سنة 1608 م. سنة 23/1624 م قام بضم العراق وكردستان مرة أخرى.) . وهذه هي الدولة الصفوية التي يرمى الشيعة العراقيين بالانتماء القومي والطائفي ظلما  لها ، وهي ليست بفارسية لأن هناك أقوام عديدة تعيش في بلاد فارس ،  وهي بالتالي ليست حكرا على الفرس لوحدهم.وما علاقة الشيعة العرب ممن سكن العراق وتشيع إن كان في بداية التشيع الشيعي بعد وفاة الإمام علي ،أو منذ بداية القرن التاسع عشر بالدولة الفارسية ؟؟! .

لكن الأغرب من ذلك أن ينبري البعض ممن نسب نفسه للسياسة والكتابة أن يعيد توجيه نفس التهم القديمة للعرب الاقحاح من شيعة علي ، مذكرا العراقيين بنفس تهم ودعوات الفاشيين العرب من بني أمية وبني العباس ، وفاشيي العصر الحديث من المنتمين للعروبة أو المستعربين من بعثيين فاشست وقوميين مزيفين ركبوا على عجل موجة القومية بعد أن نزحوا من دول الجوار مستندين على نغمة القومية العربية ، ومتحججين بها في فرض آرائهم الشوفينية البغيضة ، فظهر كتاب البدع الجديدة الذين نهجوا نهجا سياسيا وليس فكريا في نفي الآخر بحجة التبعية لإيران ، فظهرت التهم جزافا والتخوين على أشده على نفس منوال الفاشست البعثيين ولكن على الطريقة الأمريكية الحديثة . وقام بدور فاعل بإظهار وتشجيع هذه النزعة القديمة – الجديدة ما بعد سقوط الدكتاتورية في العراق موقع عربي الكتروني مدعوم من قبل دولة تتبع نهجا مغايرا للمذهب الشيعي، ومعاديا له ، ولكن باسم ليبرالي بغية التعمية على القراء ، وعلى نمط  ( كلمة حق يراد بها باطل ).

لكن يظل السؤال الملح هو إلى متى سيبقى البعض بتوجيه التهم الظالمة لجزء مهم وفاعل وكبير من الشعب العراقي ، ولماذا تهم التخوين والعمالة لإيران دون غيرها ، ولم لا يقال للسني السلفي أنت عميل للسعودية ، أو أي من دول العروبة الزائفة ، أو دولة سنية مثل باكستان أو أفغانستان ؟؟!! . وهل تم توجيه نفس التهمة لأي غربي هاجر من بلده الأصلي واستوطن في بلد أخرى ، ماعدا دول العروبة الزائفة؟؟!! . يبقى أن اكرر قول الباري عزوجل ( الأعراب اشد كفرا ونفاقا ) . وألا أوجدوا لي هذه الصفة بين أي من الأمم الأخرى حتى انتهي عن ترديد الآية الكريمة بالضد من أولئك العروبيون المزيفون من بعثيين وقومجيين وليبراليين جدد من حملة الأوسمة الأمريكية ، وخاصة أولئك الذين يقبضون على الماشي إن كان على شكل موقع مسروق من منظمة ، أو بواسطة مؤتمر يقام وينتهي بدون أي شئ بحجة محاربة الإرهاب الذين رفعوا عقيرتهم متهمين فضلاء الناس بتهم باطلة على مواقع الشر الخبيثة  .

 

* شروكي من حملة مكعب الشين ومتهم بالصفوية والشعوبية معا ، ومن بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com