بغداديات .. دكّة عبسي

بهلول الكظماوي / أمستردام

bhlool2@hotmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

و أطيعوا الله و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين

صدق الله العلي العظيم

الأنفال آية 46

 

عنوان البغدادية: (دكّة عبسي)

 يحكى انه في زمن السلاطين العثمانيين، كان لوالي بغداد قصراً (سرايا) مطلاً على ضفاف نهر دجلة، و على مقربة من قصره جسراً للمشاة، وكان من عادة هذا الوالي أن يجلس عصر كل يوم ليتفرّج على المارّة العابرين على هذا الجسر.

ومن خلال جلوسه اليومي اعتاد على رؤية شاب يأتي صباح كل يوم إلى ضفّة النهر فيخلع ملابسه و يضعها على رأسه ليعبر النهر سباحة، و عندما يصل إلى الجانب الآخر من النهر يعود ليلبس ملابسه من جديد و يذهب إلى حال سبيله، وهكذا يعود ليفعل في المساء في طريق عودته.

و بعد متابعة من الوالي إلى الشاب دامت لأكثر من سنة كاملة، أرسل الوالي خلفه (الشاب) ليسأله عن سرّ عبوره للنهر سباحة في حين يوجد جسر للمشاة خصص للعبور.

فأجابه الشاب و يدعى (عبسي) بأنه لا يزال في مقتبل العمر و مفعم بالقوة و النشاط و الحيوية، و باستطاعته العبور سباحة دون أن يحمّل الجسر ثقل وزنه و لربما سيذوب قسم من خشب الجسر نتيجة للاستهلاك الذي سيحصل من احتكاك حذاءه بالجسر.

اعجب الوالي من وفاء و وطنية هذا الشاب (عبسي) فأكرمه و جعل منه مستشاراً له.

وما هي إلا أيام ويموت خازندار الوالي الذي كانت تحيط به الشبهات على سرقاته و رشاويه من الدولة، فلم يجد الوالي افضل من السيد (عبسي) لتعيينه خازنداراً (وزير مالية) جديداً بدلاً من الخازندار الذي توفى.

و بعد أن تربّع عبسي على بيت مال ولاية بغداد، لم تمض السنة إلا أصبحت غالبية ممتلكات الولاية محوّله باسمه الشخصي.

إلى أن أتي يوم من الأيام على الوالي وهو يهم بدخول قصره فأوقفه الحرّاس ليقولوا له : بأنه يتوجّب عليه أن يحصل على إذن دخول من الخازندار الجديد (عبسي) لان القصر اصبح من الأملاك الخاصة به.

أرسل والينا المغدور على خازنداره عبسي ليسأله عن سر جشعه و طمعه الذي فاق المعقول قائلاً له :

إن الخازندار السابق برغم انه كان طماعاً و جشعاً إلا انه رغم خدمته التي فاقت العشرة سنوات في الخازندارية، لم يسرق عشر ما سرقته أنت في ظرفية سنة واحدة.

فأجابه خازندارنا الجديد عبسي :

صحيح إن الخازندار القديم كان قد خدم اكثر مني بعشرة اضعاف و لم يسرق في كل هذه المدة عشر ما سرقته، إلا أنها كانت خدمة مريحة هادئة قياساً بالسنة التي قضيتها سباحة في ماء دجلة البارد لأمهّد لمثل هذا اليوم، وما السلطة و المنصب الذي أنا عليه إلا حصيلة لتلك الجهود المضنية.

و ألان عزيزي القارئ الكريم :

أقولها بصراحة للأخ الشيخ (الكبير) و لا اريد أن اثلج صدور البعثيين و التكفيريين بالتفرّج على نشر غسيلنا الوسخ :

أقولها إن عوائل الكثير من شهداء المنطقة لا يزالوا يتذكرون المرحوم والدك الذي كان يجلس بنفس موقعك في المسجد الذي ورثته منه و تصرح من هذا المسجد بخطبك النارية، كيف كان شبابنا يقبض عليهم من قبل كلاب البكر و صدام و حزبهما العفن بمرآى و مسمع من المرحوم والدك ليساقوا إلى الإعدام واحداً تلو الآخر و وجبة بعد و جبة، لان المرحوم والدك قاده اجتهاده الى ان تبقى صحيفة اعماله بيضاء امام مديرية الامن البعثية العامة.

و كيف نفذت بجلدك من ما يسمى بمحكمة الثورة منتصف السبعينات مقابل أن يلقى الشيخ عارف البصري و صحبه الميامين ربه شهيداً مصلوباً على أعواد مشانق البعث القذر.

ثم كيف حينما هاجرت إلى إيران و (تأرّنت) فأصبحت ملكياً اكثر من الملك الشاهنشاه، فكان الاخوة العمال الكادحين العراقيين يلقى القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية الايرانية و يزجون بالمعتقلات بحجّة ان الكارت الاخضر التي زودتهم به الحكومة الايرانية لا يسمح لهم بالاشتغال فيها كنت أنت أيها الشيخ الكبير و كثير من أمثالك غير مكترثين لما يحدث لان مستقبلكم مؤمن من الحقوق الشرعية التي كنتم تبتلعوها حيث تعيشون بأرغد عيش و أطيب إقامة و عملية تضييق الرزق على العمال و الكسبة العراقيين كانت تصب في صالح سيطرتكم و تسلّطكم عليهم.

و بعد قدومكم إلى لبنان ممثلاً للمجلس الأعلى اختلفت مع المرحوم السيد باقر الحكيم على امور دنيوية لتبدأ بتكوين كيانك الخاص الذي تصبوا إليه مما جعل قسم من العراقيين المقيمين في لبنان أن يحتكوا بشخصكم الكريم، و لمّا كان هذا القسم من العراقيين يميلون إلى جانب سماحة المفكّر الإسلامي الكبير السيد محمد حسين فضل الله، مما جعل في صدرك حرج منه فقعدت له بالمرصاد و حاربته بكل ما اوتيت من قوة و طاقة اكثر مما حاربت به صدام حسين و حزبه العفن،.

سماحة الشيخ الكبير :

أنا شخصياً لا تربطني بك أية علاقة، ولا مصلحة شخصية لدي لإثارة أية قضية معك، ولكن تصريحاتك النارية من منطقتكم تسمعنا قرعاً لناقوس الخطر ينذر بتمزّق و تشتّت شمل ائتلافنا الموحّد الذي هو أمل الأمة لغدها الموعود.

و بمقدورنا أن نكشف الكثير من المستور لأبناء شعبنا البسطاء الذين يصلون خلفك، ولكن هيهات هيهات أن يصدر منا أي قول أو عمل يفرح فلول البعثيين و التكفيريين ومن ورائهم أسيادهم الانكلو أمريكان و الرجعية في المنطقة و يثلج صدورهم في هذا الوقت العصيب.

إنها شقشقة هدرت فقرّت !

أما ربّاط قضيتك بقصة صاحبنا (عبسي) أعلاه أقول :

لقد كان عبسي اللاعب الوحيد في زمانه، أما أنت فلست باللاعب الوحيد في هذا الوقت الذي يتربّص بنا كل البعثيين و التكفيريين إضافة لأسيادهم المحتلين و الطامعين في إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء من الرجعيين في منطقتنا العربية الإسلامية، فلا تضنن نفسك فالحاً بخطبك النارية هذه التي لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصّة، وقد قال المثل المأثور : من كان بيته من زجاج فلا يرم الآخرين بحجر. و خصوصاً نحن لا زلنا في بداية الطريق و لم نتولاها لحد الآن :

(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطّعوا أرحامكم)

و دمتم لأخيكم

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com