|
الدكتور الجعفري ... الازمة المفتعلة رائد سلام جذور الازمة لا يمكن قراءة وفهم الازمة السياسية الراهنة بمعزل عن جذورها، فالازمة ليس وليدة ظرف حالي وانما هي تراكمات الوضع السياسي والتنوع الطائفي والقومي، اضافة الى خمسة وثلاثين سنة من الظلم والاضطهاد والاستبداد السياسي، لذا لم تستطع القوى السياسية الاتفاق على قضية واحدة بسهولة، وكل خطوة تستنزف جهود السياسيين، وتستغرق زمنا طويلا. كان النظام السابق نظاما استبداديا دكتاتوريا قمعيا، يدار من قبل عصابة مجرمة، يقودها صدام حسين، رئيسا وقائدا ومقررا. ليس هناك تعدد او تشاور او تنوع، وانما هي كلمة واحدة تصدر عنه فتتحول الى قانون يسود البلد كله. بينما كان التنوع السياسي والقومي يعيش خارج دائرة السلطة، أي في صفوف المعارضة، وليس في البلد ذاته، وانما في بلدان متعددة. ثم انتقل الطيف السياسي العراقي فور سقوط النظام الى داخل الوطن، وبدأت مرحلة سياسية جديدة اتسمت بالتعقيد، لا بسبب التنوع السياسي والديني والقومي فقط، وانما لاكثر من سبب يقع في مقدمتها الاحتلال، وهيمنة القوى الاجنبية على القرار والوضع في العراق، اضافة الى تراكمات المرحلة السابقة، من حصار اقتصادي ونقص في المواد الاساسية وتردي الوضع الامني وتركة ثلاثة حروب امتدت لاكثر من عشرين عاما. وفورا بدأت الاتجاهات السياسية تتنافس وبقوة على السلطة وتسعى لتحقيق مكاسب كبيرة، واوضح شاهد على ما نقول مجلس الحكم الذي عجز عن الاتفاق على شخص واحد يدير البلاد لمدة تسعة اشهر، فكانت الرئاسة دوريا بشكل مستهجا، الا انه يكشف شدة التنافس على السلطة. ثم ظهرت مشكلة قلة التمثيل السني في العملية السياسية، بسبب مقاطعتهم العملية السياسية وارتكازهم للعنف دفاعا عن النظام السابق، الذي يعتمد اساسا على ابناء المنطقة الغربية، وباتت مسالة اشراك السنة معضلة، حتى استغل هؤلاء تعاطف القوى السياسية معهم، وتودد امريكا لهم في الاونة الاخيرة، فراحوا يفرضون شروطا عرقلة العملية السياسية وعقدتها كما سيتضح. بدأت المفاوضات بين الكتل السياسية لا على اساس بلد واحد وشعب واحد، وانما مشاريع وحقوق يراد مواءمتها والعمل على ايجاد صيغة مشتركة، فهناك اذا الطموح السياسي الشخصي لرؤوس الكتل السياسية، باعتبار ان كل وحد منهم عانى في ظل نظام الطاغية السفاح، ويريد ان يعوض ما فاته من السنين العجاف، كما ان كل جهة تمثل مشروعا سياسيا. والكل يشعر بالغبن والاضطهاد والحرمان ويطالب بحقوق ومكتسبات اكبر. ثم تأتي الارادة الامريكية، والشروط القاسية التي تفرضها على الوضع. مع تدني مستويات الوعي، وانتشار العنف، وكثرة المجرمين والبعثيين القتلة والتكفيريين الذين جاءوا من كل مكان، وراحوا يكثفون عملياتهم الدموية ضد الشعب والوطن، بحجة محاربة الامريكان او محاربة الفرق الدينية الضالة. بل الاكثر من ذلك ان الصراع والتنافس تجده في داخل الكتل ذاتها، فالائتلاف الشيعي ليس منسجما تماما، وانما اكثر من ارادة في اطار واحد، فهناك بدر وهناك جيش المهدي، وهناك آل الحكيم وآل الصدر، وهي بيوتات متصارعة تاريخيا، وايضا هناك ولاءات متعددة، ولكل واحد استراتيجيته وتفسيره للازمة السياسية، وله طموحه في طرح المشاريع السياسية. هذه الاستعراض المكثف السريع يكون صورة واضحة في ملامحها عن جذور الازمة السياسية الراهنة. فهي ليست ازمة منقطعة عن تاريخها، وانما هي امتداد لوضع معقد في تركيبته وتشابك خطوطه، وتعدد اطرافه، وكثرة طروحاته، وتنافس وصراع على السلطة وعلى تحقيق المكاسب والاهداف السياسية. وبالتالي فالسيد رئيس الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري هو ايضا يمثل رأيا واتجاها واستراتيجية داخل الساحة العراقية، وعندما يتعرض لهجوم شرس من خصومه السياسيين، فبسبب قوة شخصيته وجدارته، وآرائه، وحنكته التي تتصادم بلا شك مع طموحات الاتجاهات السياسي، الا انها تصب في مصلحة الوطن والشعب. هذا الوضع فرض على الساحة السياسية العراقية مبدأ المحاصصة الطائفية، وهو مبدأ يجر خلفه شعورا مريرا بالاضطهاد، كما تقدم، مع تنافس محموم على السلطة. وبالتالي فان مبدأ المحاصصة امتد الى كل شيء، فلا تجد قررا سياسيا او منصبا حكوميا الا والمحاصصة قد احاطته واعادت تشكيله. وبهذا الشكل تعقد الوضع السياسي والاداري، فمثلا وهو الاهم تجد هناك مجلس رئاسة الجمهورية، المتكون من رئيس الجمهورية ونائبين، على ان يمثل كل واحد منهم اتجاها سياسيا وطائفيا معينا. ورغم ان سلطة هذا المجلس تشريفية الا ان له حق الفيتو والاعتراض على القرارات، ولك ان تتصور كيف يمكن تمرير قرارات رئاسة الوزراء مع هذا التعقيد الاداري؟ ثم ان رئاسة الجمهورية بدأت تتحسس بشدة من رئاسة الوزراء المخولة قانونيا ودستوريا بسلطات السلطة التنفيذية في البلد. أي ان الرجل الاول هو رئيس الوزراء وليس رئيس الجمهورية وبالتالي فانه المسؤول عن ادارة البلد وتنفيذ القرارات، لكن رئاسة الجمهورية شعرت بالغبن في ظل الوضع القائمة فاخذت تشوه سمعة الحكومة من خلال عرقلة المصادقة على بعض القرارات. فهذا التنافس بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء خلق ازمات ادارية وسياسية لا يعلم بها الشعب ولا يعرف عن تفصيلاته وتداعياتها الا القليل، فرئيس الوزراء المخول دستوريا تم تكبيله بواسطة رئاسة الجمهورية، مما عرقل عمل الحكومة وقيد حركتها. وعندما ناخذ بنظر الاعتبار ان رئيس الوزراء ينتمي الى اكبر كتلة برلمانية وهو الشيعة، فلك ان تقدر درجة الحساسية الكامنة في داخل السياسيين من الاطراق الاخرى جميعا. ثم ان مبدأ المحاصصة فر ض على رئيس الوزراء مجموعة من الوزراء لا يملكون المستوى المطلوب من الكفاءة الادارية والسياسية، وقد اصرت احزابهم على عدم استبدالهم حتى بافراد آخرين من نفس الكتل والاحزاب السياسية، مما زاد في تعقيد الوضع وفرض على رئيس الوزراء اداء سياسيا واداريا انعكس سلبا على حكومته وشخصه بالذات. والغريب ان الكتل والاحزاب السياسية تعلم جيدا بذلك الا انها تقصد عرقلة عمل الحكومة. طبعا لا نريد اطلاق العنان للتبرير، او تبرئة رئيس الوزراء والحكومة من كل شيء، ولا ندعي انها كانت حكومة مثالية بلا خطأ، لان ذلك يجافي الحقيقة، فلكل حكومة اخطاؤها وانجازاتها. لكننا نبحث هنا عن جذور الازمة السياسية الحالية، ومدى تأثير العوامل السياسية ومبدأ المحاصصة على دفع الاداء الحكومي نحو السلبية والتردي. كما ان التحديات الكبيرة التي واجهتها حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري لها دور فاعل في عرقلة عملها وتأخر الخدمات، فمثلا الارهاب الذي بات يهدد العالم اجمع، وعجزت عن مكافحته اكبر الدول، القى بثقله داخل العراق، وتسبب لا في عرقلة عمل الحكومة فقط وانما احدث خللا سياسيا واداريا واجتماعيا لكثرة تداعيات العملية الارهابية وكثرة الضحايا من المدنيين والعزل، حتى ان الارهاب والعمليات الارهابية استنزفت ميزانية الدولة، وراحت الحكومة تغطي النفقات العسكرية لمكافحة الارهاب من خزينة ارصدة الدولة اضافة الى المساعدات الدولية، ولم يبق للاعمار واعادة الخدمات ما يكفي لسد النقص الكبير، مع الاستمرار في تردي الاوضاع.
الاطراف السياسية والطموحات الحزبية ان الازمة السياسية الراهنة تتطلب شيئا من الصراحة، ومكاشفة الفرقاء السياسيين كي لا يخفى على الشعب خافية، ويتصدى للامر بنفسه اذا تطلب الامر ذلك. مهمتنا كمثقفين توعية الشعب وقول الحقيقة ومتابعة الاحداث والبحث عن جذور المشكلات وتقديم التفسيرات، وهي مسؤولية تاريخية سيما في ظرف تكالب على العراق وشعبه العدو والصديق، ولم يبق للشعب الا الوعي والاتكال على الله والاعتماد على النفس للخروج من نفق المشكلات السياسية والادارية الحالية. وما لم يتحمل الشعب مسؤولياته التاريخية سيكون الخاسر الاول والاخير في المعركة. تتكون الساحة العراقية من مجموعة اطراف سياسية، تختلف من حيث التوجه السياسي والقومي والديني والمذهب، ولكل طرف اجندته ومشاريعه وله طموحاته، وقد شارك هذا التنوع في تشكيل الحكومة السابقة ويطمح في تشكيل حكومة جديدة، كان رئيس الوزراء السابق هو الدكتور ابراهيم الجعفري الذي ينتمي الى كتلة الائتلاف الوطني الشيعي، واليوم عاد الائتلاف ورشح الجعفري ثانية لمنصب رئاسة الوزراء عبر انتخابات داخلية فاز فيه الجعفري على منافسه الدكتور عادل عبد المهدي الذي ينتمي الى المجلس الاعلى احد فصائل الائتلاف، بينما ينتمي الجعفري الى حزب الدعوة الفصيل الثاني في الائتلاف. غير ان الاطراف السياسية من خارج الائتلاف قد اعترضت على ترشيح الجعفري ثانية رغم ان ترشيحه تم عبر انتخابين مشروعين، فالجعفري فاز بالانتخاب الداخلي وينتمي الى الائتلاف الذي فاز بالانتخابات العامة التي جرب في البلاد مؤخرا، وقد حاز على اكبر عدد من المقاعد النيابة، فاستأثر بحق ترشيح رئيس الوزراء دون غيره من الكتل النيابية، وهو امر دستوري متفق عليه. اذن فالاعتراض على جعفري هو اعتراض على نتائج الانتخابات الديمقراطية، والانصياع لهذا الاعتراض تآمر كبير على مبدأ اساس من مبادئ الحكم في البلاد. بل سيؤثر سلبا في ثقة الشعب، وتسقط مصداقية الاحزاب السياسية جميعا. لكن ما هو السبب الحقيقي في الاعتراض على الجعفري؟ هل هناك شك في كفاءته اداريا او سياسيا؟ هل لديه مواقف سلبية من الاطراف الاخرى؟ هل دكتاتور مستبد بالحكم؟ هل شجع على بقاء المليشيات؟ ربما هذه هي الاشكالات الاساسية على ترشيح الدكتور الجعفري، وعليه لا بد من الاجابة عليها بشكل موجز ومكثف كي ننقب في اجندة الاحزاب السياسية، وما هي طموحاتها، ولماذا لا تنسجم مع شخصية الدكتور الجعفري وتطالب بغيره؟ وهل ان هدفها وطني ام طائفي عنصري؟. ان طبيعة الحكم في العراق لا تسمح بتفرد أي مسؤول حكومي بالسلطة، فالى جانب مجلس الوزراء هناك مجلس الرئاسة الذي يملك حق الفيتو والاعتراض على أي قرار، وقبل السلطة التنفيذية المكونة من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء هناك الجمعية الوطنية المسؤولة عن تشريع القوانين ومحاسبة المسؤولين، ولديها مؤسسات مراقبة كمفوضية النزاهة، اضافة الى استقلال القضاء الذي يراقب مدى الالتزام بالقوانين والانظمة، ولديه صلاحيات كاملة لمحاسبة أي مسؤول حكومي يخالف القانون او يرتكب جريمة معينة. لكن للاسف ان النزاع على السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وحساسية الاول من الثاني لسعة صلاحياته مع محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية هي التي صور اداء رئيس الوزراء الدكتور الجعفري على انها ممارسات استبدادية وتفرد بالسلطة. من هنا يتضح ان هذه الدعوى لا تستند الى مبرر قانوني ودستوري، والا لو كان رئيس الوزراء قد ارتكب مخالفة قانونية بتفرده بالسلطة والحكم فلماذا لم يستدعى الى البرلمان لمحاسبته؟ ولماذا لم تعترض عليه الدوائر القانونية في البلد؟ وليس هناك سوى دعاوى تفتقر الى السند القانوني. ثم هل يعقل ان يتحول رئيس الوزراء الى موظف يجب مراجعة رئيس الجمهورية في كل صغيرة وكبيرة؟ وهل يمكن لرئيس الوزراء ان يتخذ قرارات خطيرة بمعزل عن مؤسسات القرار الاخرى؟ يتبع
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |