الديموقراطية والواقع في العراق ..!

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

الديموقراطية التي أرادت استجلابها الولايات المتحدة للعراق، لم تكن وفق المفاهيم السائدة في بلدها، كما لم تكن من عينة الديموقراطية التي تمارسها الدول الأوربية، فالديموقراطية المشرعة أمريكيا للعراق تتناسب والمصالح الأمريكية، فليس هناك ديموقراطية حقيقية في العالم، تشرع دستورا يقر الطائفية والعنصرية، فالدستور العراقي المشرع بمشورة وموافقة أمريكية، أقر المحاصصة والطائفية، وهذان المبدءان يتنافيان مع كل حرف يتكون منه النهج الديموقراطي والممارسة الديموقراطية، فأينما وجدت المحاصصة، تواجدت المليشيات والمافيات،وتنحت جانبا المساواة بين المواطنين، بين الرجل والمرأة، وبين ما هو مسلم وغير مسلم، وعندما ُيرسخ الدستوُر الطائفية ويقرها، تتلاشى المفاهيم الوطنية وتتضاءل الحقوق المدنية، ليس بين الطوائف والأعراق المختلفة، وإنما بين أصحاب الدين الواحد، وهذا ما هو حاصل فعلا، بعلم وموافقة أصحاب الطوائف، وبمباركة من شرعة الاحتلال الديموقراطي .

الديموقراطية مفهوم مناقض لتشكيل الأحزاب على أسس دينية أو عنصرية، وهذا ما تقره وتعترف به الإدارة الأمريكية، إلا أنها عن قصد هادف، وسبق وعي بنتائجه، جعلت من الأحزاب الدينية، سمة مميزة في النشاط السياسي العراقي، ورسختها بفاعلية عندما شرعت قانون إدارة الدولة، سيئ الصيت، وتماهيا مع الممارسة والتأثير الأمريكي، جاء الدستور ُمِجذرا لأسباب الفرقة بين مكونات الشعب العراقي، ومعمقا للمبادئ الطائفية والمذهبية والعنصرية، التي أغدقت بحقوق مثالية على الأحزاب الدينية ـ الطائفية، لم تحلم بعشر معشارها في ظل حكم ديمقراطي حقيقي، فسياسة الحكم المنتهجة حاليا، والقائمة على التمييز الديني و الطائفي والعنصري، تحقق للولايات المتحدة الأمريكية، أهدافها القريبة والبعيدة، وتبقي الشعب العراقي، شعبا ضعيفا، مجزءا، منقسما على نفسه، تعصف به قوى الإرهاب الطائفي ـ السني والشيعي، وغير قادر على تشكيل حكومته منذ أربعة اشهر .

الشعور الوطني معدوم كليا، عند القوى المتصارعة على المناصب، نتيجة لتغليبهم المصلحة الطائفية والعنصرية، على مصلحة العراق وشعبه، والمأساة أن كل هؤلاء السياسيين، يتحدثون باسم الشعب، والشعب ومصالحه الحقيقة، لا تساوي عندهم أكثر من المنصب أو الكرسي الباحثين عنه، متجاهلين عشرات الضحايا المتساقطة من أبناء الشعب، يوميا برصاص أمراء الميليشيات المنفذة لأوامر الكتل المتحاورة

بعض مواد الدستور تلقي الضوء على كيفية تشكيل الحكومة، إلا أن أطراف الإسلام السياسي، من الطائفتين الشيعية والسنية، والقوميين العنصريين من العرب والكورد، يتجاهلون هذا الدستور بل يخرقون مواده، ولم يجف بعد الحبر الذي ُكتب فيه، وهم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عند إقراره، فالصراع محتدم على رآسة الوزراء، والجعفري حتى اللحظة هو المرشح الرسمي للائتلاف، وهو سبب أساسي في تعطيل القدرة على تشكيل الحكومة، لرفض الكتل البرلمانية المتحاورة له، إلا إنه وائتلافه، لم يعيرا أهمية لمصلحة الشعب وضحاياه المتساقطة نتيجة لهذا التعطيل، فالجعفري متمسك بقرار الائتلاف، الناتج عن مبدأ المحاصصة الطائفية والعنصرية، الذي أعطى رئاسة الوزراء للشيعة، متجاوزين مبادئ الدستور وأحكامه في تشكيل الحكومة .الشيخ خلف العليان يعترف بأن \" المناصب الرئيسية في الحكومة وزعت على أساس تكويني طائفي، رغم تأكيدنا المستمر على أن يكون توزيع المناصب على أساس الكفاءات ضمن حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع ..إن جبهة التوافق لم تعترض على تولي الدكتور أياد علاوي منصب نائب رئيس الجمهورية لتحفظها على شخصه وإنما لأن هذا المنصب مخصص للعرب السنة حسب الاتفاقات التي سبقت عملية البحث في المناصب ..\" هذا التصريح إدانة لكل من يساهم في خدع الشعب والتجاوز على الدستور، فالمناصب تجري وفق المحاصصة والاتفاق، وليس وفق مبادئ الدستور، أين الديموقراطية إذن أيها السادة ؟

رئيس الجمهورية السيد جلال الطلباني، أعادت الكتل البرلمانية ترشيحه لهذا المنصب، وفق مبدأ المحاصصة، أيضا، وليس وفق مبادئ الدستور إلا أن الائتلاف والجعفري، ينتقدون هذا الترشيح، ل \" إحجام العرب السنة عن الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية ...وتركه للأكراد..\" المفارقة في هذا الموقف، هو أن الشيعة شركاء للكورد في إقرار مبدأ المحاصصة، وهم من أسس تقاسم حكم العراق وفق منهج غير وطني، فلم الانتقاد والسيد جلال الطلباني يتقدم لهذا المنصب دون معارضة ما، ويتحقق فيه شرط الدستور \" أن يكون عراقيا \" دون تخصيص لقوميته أو دينه، فهل هذا نقد لمن يتقدم للمنصب وفق مبدأ دستوري، أم هو تحريض على نزاع جديد بين العرب السنة والكورد، ولإطالة أمد معاناة الشعب ؟ كل كتل الإسلام ـ الطائفي والكتل القومية ـ العنصرية، تتحمل المسؤولية في إطالة أمد الفراغ السياسي، الذي عمق من أزمة الشعب العراقي، وما يعانيه من إرهاب وجوع وبطالة ونقص في الخدمات، والسبب الحقيقي وراء هذه الأزمة المستعصية هو غياب النهج الديموقراطي، وعدم تفعيل مواد الدستور رغم قصورها، التي ترسم المبادئ لتشكيل رئاسة الدولة، والحكومة وشغل المناصب الوزارية، وكأن العراق وشعبه فقط عربا وكوردا، شيعة وسنة، دون مكونات وطنية وأثنية، من قوميات وأديان أخرى، لها توجهات فكرية وسياسية وديموقراطية مخالفة للنهج العنصري والطائفي ومبادئهما الغير وطنية، هذه المكونات عراقية أصيلة، والمنتمون لها لهم الحق في عراقهم، والعيش فيه وتولي المسؤولية كغيرهم من المواطنين، وعندما يوجه النقد لمواد الدستور وقصورها بهذا الخصوص، يحتج الطائفيون والعنصريون بما هو وارد من عبارات بلهاء بخصوص الديموقراطية، إلا أن هؤلاء لم يدلونا أين تكمن ديموقراطيتهم وهذه الديموقراطية، وهم يتحاورون فيما بينهم خلف غرف مغلقة وآمنة، بحماية أمريكية، ولم يقولوا لنا إن كانت حواراتهم تشمل أطرافا علمانية ووطنية، وإن كان كذلك لماذا يلصقون صفة الطائفية بالعلماني، عندما يترشح لمنصب يتنازعه الطائفيون، والعكس صحيح أيضا، إنه الكيل بمكاييل كثيرة ومتعددة الأحجام والأوزان، كل هذا وهم ـ من بيدهم القرار ـ يتبجحون بالديموقراطية، إلا أنهم يستبعدون المرأة عن كل حوار، وعن تسنم أية مسؤولية وفق حجمها الفعلي، وحتى وفق مانص عليه الدستور، إنها مجرد ديكور يتباهون بها عند المحاججة، هذه ديموقراطية الطوائف . في العراق أديان وقوميات، غير الإسلام وغير العرب والكورد، لماذا يغيبون من الحوارات، وهل هم يشغلون حجمهم الحقيقي في المجلس النيابي، وهل سيتبوؤن مناصب الدولة والحكومة، كوزراء ونواب لمناصب الرآسة والحكومة والبرلمان ؟ الديموقراطية ليست كلمات، إنها واقع ونهج فأين هي منه الكتل الفائزة ؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com