|
النفاق ونزع الأسلحة والبرامج المخيفة حمزة الجواهري كان السياسي العراقي يتحدث بألم من خلال إحدى الفضائيات ""تشعر وأنت صافحهم تكاد أن ترى دم أخيك مازال بأيديهم""، إنها عبارة مؤثرة حقا، وهي تنطبق على الجميع وتمثل حالة من كظم الغيظ معبرة إلى حد بعيد، كما وأنها تمثل أيضا ما يشعر به جميع أطراف الصراع في العراق، ذلك لأن الحالة تبدو عامة، على الأقل في الوقت الحالي. ""العنف لا يولد إلا العنف، ولا يمكن أن يصنع انتصارا لجانب على حساب الجانب الآخر، ربما مؤقتا، ولكن في النهاية يكون الجميع من الخاسرين"" هذه العبارات من التراث الإنساني درجت على لسان كل مفكر وحكيم، ولكن كالعادة، لا يدرك المقاتل أهميتها إلا بعد أن يسل الدم أنهارا، ويبدو أنهم تلمسوا معانيها، وأننا على أعتاب مرحلة الإدراك أو النضوج الفكري، وهذا ما يؤهلنا للدخول في مرحلة متقدمة أخرى. كان رجلي أمريكا في العراق زلماي وكيسي كبير القادة الأمريكان قد استطاعوا أن يميزوا هذه الحالة، إي حالة النضوج المتوقع قبل بلوغ مرحلة اللا عودة في الصراع، وحددوها في مقالهم المقتضب الذي نشرته الواشنطن بوست بعنوان "خارطة طريق للنجاح في العراق"، ربما جاء العنوان إرضاء لجورج بوش الذي يحب خرائط الطرق حبا جما، في الخارطة هذه يقول الإثنين "أن التهديد الأساسي للاستقرار يتمثل في ذلك الانتقال الذي حدث من مرحلة التمرد القائم على أرضية من الرفض للنظام السياسي الجديد، إلى مرحلة العنف الطائفي القائم على المخاوف المتبادلة وتبادل الاتهامات"، هذا الوصف للحالة دقيق جدا وينبغي الوقوف عنده لسبب بسيط، هو أنه جاء من الجانب الأكثر تأثيرا في الحالة العراقية. لكن ما يثير الضحك حقا هو أن السفير زلماي وبالرغم من أنه تغزل في مقالته عن أهم المنجزات التي تم تحقيقها وهي الانتخابات والدستور، يتحدث عن حكومة إنقاذ وطني! في حين أن تشكيل مثل هذه الحكومة يعني إلغاء أو شل الدستور وإلغاء نتائج الانتخابات! حقيقة أنا مازلت عند رأيي من أن الرجل يتحدث ويتصرف بدوافع ذاتية، طائفية تحديدا، أكثر منها تمثيلا لدولته. فعلا مازلنا نعيش مرحلة العنف الطائفي القائم على أساس من المخاوف المتبادلة من أبناء الضفة الأخرى للوطن، وإلى جانب أزمة الثقة المتبادلة أيضا، يمكننا وصف المرحلة على أنها المرحلة التي تسبق الحرب الأهلية في حال بقيت غير مشخصة، لكن في حال تشخيصها يمكن أن تكون حالة الانفراج الحقيقي في البلد، حيث لو تم تحديد ماهية المخاوف لأبناء الضفة الأخرى، يكون آن ذاك بالإمكان نزعها، وينتهي الأمر، صحيح أن العملية معقدة، ولكن ضرورية جدا. في الحقيقة إن المخاوف تكمن في مشاريع سياسية محددة يخشى منها الآخرون، ولها مظاهر تتجلى طبعا بعنف مسلح وخطاب استفزازي مثير للأطراف الأخرى، أي بمعنى، لا يكفي نزع السلاح من أيدي المتمردين والمليشيات ولكن يجب كذلك نزع المشاريع السياسية والخطاب المصاحب لها والتي تخيف الأطراف الأخرى، لأن في حال بقاء المشروع السياسي قائما، يمكن العودة للسلاح في أي وقت من الأوقات، ولا يكفي حسن النوايا أو الضمانات الخارجية عند التعامل مع مواضيع غاية بالحساسية كهذه، لكن يجب أن يكون القانون القوي وذو الأسنان القوية هو الضامن الوحيد والأكيد، لكن في الحالة العراقية نجد أن أول ضحايا حالة الفوضى السائدة كان السيد قانون وحاشيته وآل بيته وحراسه وجيوشه. مما تقدم نجد أن المسألة معقدة وأجزائها مترابطة كحلقة لا تنفصم عراها، ولا ينبغي إهمال أي جزء من أجزاء الحلقة. لم يكن الأمريكان وحدهم من أكتشف وشخص هذه المرحلة في العراق، حيث هناك العديد من السياسيين والمفكرين الذين تحدثوا عنها لكن بدرجات متفاوتة من النضج، أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، كنت قد تحدثت عنها بأكثر من عشر مقالات ودراسات، وكان آخر الأحاديث لأحد السياسيين الكبار من خلال حديث متلفز عن نزع المشاريع السياسية التي تخيف الأطراف الأخرى، حيث كان حديثة واضحا ومركزا، وهذا ما اعتبرته تطورا نوعيا في رؤيا الرجل وبادرة خير على تطور الأفكار السياسية التي تحتوي أخطار المرحلة الحالية، لكن بعد أن استمر بالحديث قليلا سمعته يعود إلى مشاريعه السياسية التي كانت قد ساهمت هي الأخرى بخلق حالة الخوف والرعب المتبادل، حيث من أكثر الأشياء مثارا للرعب في مناطق واسعة من العراق هو رفع مشروع إعادة تشكيل الجيش القديم، وهذا هو المشروع السياسي للرجل! صحيح أن القوات المسلحة الجديدة لم تبنى على أسس سليمة هي الأخرى، لكن يمكن تصحيح الأخطاء التي ارتكبت من قبل الأطراف التي ساهمت في بناء هذه القوات، بحيث يكون ولائها للوطن فقط وليس لمن حاول أن يضمن ولاء القوات لطموحه السياسي، بمعنى بدلا من تطوير فكرة نزع المشاريع السياسية المخيفة، أسيء استغلال الفكرة من خلال الترويج لمشاريع كانت هي السبب بخلق حالة الخوف المتبادل! وفي النهاية وجدنا أن هذا السياسي القائد هو الآخر يتبنى فكرة زلماي المروعة التي تلغي الدستور ونتائج الانتخابات ويدعوا لتشكيل حكومة إنقاذ وطني! وهذا ما أعادني إلى نقطة البدء، أي إلى حالة التشاؤم التي سيطرت علي هذه الأيام في حين أنا المتفائل دائما، فربما مازلنا بعيدين عن مرحلة النضوج السياسي، تلك التي استبشرنا بها في الأسطر الأولى. في الحقيقة أن الخوف من مشاريع الضفة الأخرى للوطن هي التي رسخت أزمة الثقة بين الأطراف، وبدون نزع هذه المشاريع يكون الحديث عن الثقة المتبادلة محض خيال وأوهام لا يقبل بها السياسي الذي يخشى حتى من ظله. أما خطاب أصحاب المشاريع هو الآخر أصبح مثيرا لاشمئزاز العراقي العادي لكثرة ما رددوه، في حين الكل يعرف ما وراء القصد من أي خطاب كان، لذا كان ينبغي على من يريد أن يعيد الثقة بين الأطراف أن يهذب خطابه السياسي المثير لمشاعر الخوف أو أي خطاب من شأنه تعميق أزمة الثقة، وعلى من لا يجد ما يقوله ليصمت، فالصمت هنا أقل الشرور وإن كان لا يعيد بناء جسور الثقة المهدمة بالكامل، ولا يفتح الطرق التي تؤدي للقلوب بعد أن ملأتها الأدغال. العنف المسلح لم يكن مشروع أي من الذين يشاركون في العملية السياسية، أو على الأقل لا يوجد ممثل رسمي للجهة التي بدأت بمشروع إثارة الفتنة الطائفية في العراق، حيث أن البعث المهزوم هو صاحب المشروع الشرعي، وإن دخلت القاعدة كشريك في المشروع بعد ذلك، لكن يبقى المشروع بعثيا، كان الغرض من إطلاقه هو في حال نشوب الفتنة وتطورها إلى حرب أهلية، ستنشأ فرص كبيرة لعودة البعث للسلطة، وهو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يحقق هذا الهدف. هنا يحق لنا أن نسأل عن كيفية نزع سلاح ومشاريع الخوف السياسية ممن لا يملك وسيلة للبقاء بدونها؟ أترك الإجابة على هذا السؤال لمن يدعمون ما يسمى بالمقاومة، لأن خطاب دعم المقاومة يجمد الدم في عروق ثلاثة أرباع الشعب العراقي من شدة الخوف، وإن أحد الساسة القواد، بضم القاف، يبشر العراقيين بوعد الأمريكان بإطلاق سراح أربعة عشر ألف معتقل إرهابي بعد اكتمال العملية السياسية، وهو مستبشر خيرا بهذا الوعد الذي يقدره جدا، في حين كان هذا التصريح قد تسبب لي بأرق استمر حتى الخامسة صباحا! وتعتقل وزارة الداخلية أفرادا من وزارة الدفاع وتعتقل الدفاع أفرادا من الداخلية! وتصدر الوزارتين بيانات تكذيب لكل منها! ويخرج الوزيران في مناسبات إعلامية، "من تشوفهم تقول بإسم الله ما شاء الله، عين الحسود بيها عود، دهن ودبس"! وسياسي آخر يفاوض الأطراف الأخرى على دمج المليشيات بالقوات المسلحة الجديدة! والأمريكان يفاوضون البعثيين الذين هم إس البلاء في العراق لإلقاء السلاح والمشاركة بالسلطة! ويساومون سياسيا آخر عرف عنه الممثل الشرعي الوحيد والناطق الرسمي للإرهاب في العراق، ويعدوه بمنصب رفيع في الحكومة الجديدة! المشاريع السياسية المخيفة للأطراف الأخرى يعرفها أصحابها كما يعرفها كل من يخشاها، ويعرفها الأمريكان أيضا، ويعرف الجميع فن القراءة بين السطور ولغة التأويل ويعرفون البدائل أيضا. بذات الوقت يبثون شجونهم ويرفعون شكواهم إلى الله متذرعين أن يزيل أزمة الثقة العميقة بين الأطراف! عسى الله أن يستجيب لهم لكي يستطيعوا الوصول إلى اتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة! وهل سيستجيب الله لدعاء منافق؟ رب قائل يقول إن مؤتمر المصالحة في القاهرة والذي ترعاه الجامعة العربية هو الذي سوف ينزع الفتيل، وها هو مبعوث الجامعة العربية قد وصل وهو يحمل الآخر بجعبته خارطة طريق أخرى! في الحقيقة ليس هناك من لا يعرف موقف الجامعة العربية من النظام السابق، أي أصحاب مشروع إثارة الفتنة الطائفية، ونعرف أيضا أن معظم أطراف الجامعة العربية هذه مازالت تعتبر أن النظام البعثي السابق هو الممثل الشرعي الوحيد للعراق، كما أنها منحازة لأطراف قومية عربية دون الأطراف الأخرى، فهل يصح لجهة منحازة بهذا الشكل أن تكون راعيا لمشروع يضمن الوحدة الوطنية وينزع فتيل الفتنة الطائفية؟ ومن الذي سيثق بها؟! منذ صغري وأنا معجب جدا بالآية الكريمة " ونفس وما سواها ألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ولو تأملتم فيها قليلا لعرفتم لماذا كانت كلمة "منافقين" من أكثر الكلمات التي ورد ذكرها بالقرآن.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |