بغداد لم  ولن تموت

احسان طالب

m.h.taleb@mail.sy

ننعى لكم بغداد : هذا العنوان العريض هو ما تصدر  الصحيفة  الأولى لجريدة أسبوعية  تصدر في دولة شقيقة ملاصقة للعراق أراد منه كاتبه إظهار الشفقة والخوف والحرص على أرواح الأبرياء من العراقيين منذرا بحرب طائفية ومنددا بالاحتلال مظهرا حسن النية مبطنا رغبة أكيدة في فشل التجربة الديمقراطية و العملية السياسية السائرة إلى نهايتها في دار السلام .

 لقد أظهرت الأنظمة الشمولية المجاورة للعراق رغبة ملحة في فشل تجربته السياسية و أبدت شماتة ظاهرة بسقوط الأبرياء من المدنين والشرطة والجيش مع سرور غير محدود عند إزهاق روح  أجنبية لآي سبب كان وذلك إدراكا ووعيا كاملا بأن الاستقرار السياسي والأمني في بلاد الرافدين يوجب التغير والإصلاح في بلدانها  و  ذ لك  مالا تريده ولا ترغب به .وتبحث عن المبررات و الأسباب التي تحول دون إفساح  المجال للحريات والانتخابات  الشفافة والنزيهة ولا تريد ترتيب اللعبة السياسية وفقا لمؤشرات و معايير أصبحت مسلمة لا تختلف عليها غالبية شعوب ودول العالم .

 إن تعثر العملية السياسية والخلل الأمني الظاهر ألقى بظلال قاتمة ونحى صوب ترسيخ اعتقاد شائع مفاده أن الشعوب العربية مازالت غير جاهزة أو ناضجة بما فيه الكفاية لخوض غمار الأنظمة الديمقراطية والحرية السياسية وأن تلك الشعوب لا  يصلح لها  ما صلح  لغيرها من دول العالم و ينبغي عليها البقاء تحت نير الاستبداد والفساد مهما طال الزمن لأن الأمن  مقدم على الحرية و البقاء على روح العبد أو الرقيق خير له  من عتقه الذي قد  يودي به إلى التهلكة  فطاعة الحاكم الظالم وتأييده خير من الفتنة و الخراب ، وهذا ليس مفهوما جديدا بل هو قيمة اعتقا دية وثقافية راسخة في  مورثنا السلفي.مازال الطغاة يستجدونها ويعيدون إحياءها . وإذا طالب أحد من    الداخل أو الخارج بالتغير أشهر في وجهه البطاقة الحمراء تعللا بما يحدث في العراق .

لقد استغل صدام حسين وغيره تلك المقولات وتزرعوا بالاستقرار الموهوم والقائم على الإكراه والقسوة و إذلال الشعوب ونهب خيرات البلاد  وإزهاق أرواح الناس وإذلال كرامتهم

إن ما يحدث في العراق  ليس نتيجة للحريات السياسية ولا ناجما عن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة كما انه ليس  مبرر لبقاء  الطاغوت وحكمه الفاسد الظالم ، إنما هو نتيجة طبيعية لأوضاع تداخلت فيها   مجموعة من  العوامل التاريخية والثقافية و السكانية ، فما يحصده العراقيون اليوم لم يزرع بالأمس ولم تنمو ثماره بين ليلة وضحاها،  فما يربو على ثلاثة عقود من الاستبداد والقهر وتزيف الوعي وقمع الحريات وتقيد العقول كل ذلك افرز وعيا زائفا وعصبية وانغلاقا لدى أجيال من مختلف الأعمار والأجناس والأعراق والطوائف لم يسبق لها الإطلاع على معارف أو ثقافات غير تلك التي ترسخ  الدكتاتورية وتعمم الظلم وهي تمارس اليوم جزء من معارفها ومناهجها السابقة في محاولة لتنسم  فضاءات الحرية .

 فالديمقراطية ليست عملا بحت أو نشاطا ظاهريا فقط  بل هي ثقافة وممارسة وعراقة وتقاليد عرفها العراقيون قبل صدام لكنها لم تدم طويلا ولم ترسخ  في منظومة التقاليد الثقافية والفكرية والممارسات السائدة وتحتاج إلى مزيد من الوقت و الخبرات والتجارب و الممارسات الطويلة . وإذا وضعنا في الحسبان التداخلات الخارجية في الشأن العراقي وخاصة تلك التي لها مصالح مؤكدة في استمرار الفوضى وفشل الحكم الوطني فلن  نستغرب ما  يحدث الآن  ولن نرد أسباب الفوضى الأمنية الجزئية إلى  الديمقراطية المرعبة كم يصورها  دعاة  العبودية والتعصب .

ولم يكن السماح للناس بممارسة حقهم بالمشاركة   في الحكم يوما من الأيام سببا للفتنة وفقدان الأمن ولم تكن الحريات التي ينص عليها الدستور العراقي الجديد كغيره من الدساتير المدنية  المتعارف عليها في البلدان المتقدمة محرضة على  التمرد و الإرهاب العشوائي.  بل على العكس من ذلك فإن الكثير من بلدان العالم  و  البلدان الأوربية لم تستقر إلا بعد  إشاعة الديمقراطية وتبني   ميثاق حقوق الإنسان ونشر الحريات العامة والخاصة وتداول الحكم وفصل السلطات .

إن نجاح  البرلمان العراقي المنتخب اليوم في الاتفاق على الرأسات و البدء بعملية تشكيل الحكومة سيكون له آثار قريبة وبعيدة على إعادة الأمن الحقيقي والاستقرار الداخلي القائم على  الحرية والإرادة الواعية خلافا لذلك المزيف   الذي ساد إبان  حكم الطاغية .

ستظل بغداد حية ناهضة  بأبنائها  من سنة وشيعة و مسيحيين عربا وكردا وتركمان و اشو رين ومن كافة القوميات و الطوائف والانتماءات و من كل الوطنين الأحرار  ، وكما نعينا سقوط نظام الطاغية سننعى أمنيات  ذيوله ومريده الجاثمين والمتربصين بالشعب والبلاد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com