مجلس النواب ينتخب السلطات الثلاث

الدكتور لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

عقد مجلس النواب جلسته المعلقة بحضور 264 نائباً. وبعد ان افتتح د. عدنان الباجه جي اعمال الجلسة، باشر على الفور بجدول اعمالها لإنتخاب المناصب الرئاسية الثلاثة. إذ تم انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه الاول والثاني استنادا الى المادة 53 من الدستور العراقي.

 كانت نتيجة التصويت هي 255 ورقة أنتخابية من اصل الحضور 264. وقد أنتخب د. محمود المشهداني، مرشح جبهة التوافق العراقية، رئيسا لمجلس النواب بـ 159 صوتا. فيما تم انتخاب كل من الشيخ خالد العطية، مرشح الائتلاف العراقي الموحد، نائبا أولا لرئيس مجلس النواب حيث حصل على 202 صوتا وعارف طيفور، مرشح التحالف الكردستاني، نائبا ثانيا بـ 195 صوتا. وكما بينت النتائج أن رئيس المجلس حصل على أقل الأصوات. لكنه نحج في الحصول النسبة الدستورية الشرعية وإن كانت اقل من نائبيه. حتى انه علق بعد الجلسة بأنه مرتاح لان هناك حوالي مئة معارض له في هذا المجلس.

 حال أستلام رئيس مجلس النواب منصبه الجديد، شكر الجميع لهذه الثقة، وطلب بتوزيع الأوراق على المندوبين لإنتخاب قائمة هيئة الرئاسة. ثم أستغل الوقت لإلقاء كلمة ترحيبية. كانت كلمته تتسم بالعبارات الوطنية التي ركز فيها على دور مجلس النواب في هذه الدورة وقانونية العلاقة بين المجلس وبقية السلطات والذي اكد بأن يكون المجلس هو عين الشعب الساهرة على بقية السلطات. ثم أكد على ضرور الوحدة الوطنية بين النواب لبناء هذا الوطن الذي اصابه النكبات والمأسي. أنهى كلمته بأية قرانية كريمة.

أتسم د. المشهداني بخفة دمه وطغت روح الدعابة منذ اللحظات الاولى، إذ قدم أثناء حواره جانب من شخصيته التي وصفها أنها تتسم بالعصبية لكنه وعد النواب بأنه لن يكون عصبيا خلال هذه الدورة. كما لوحظ بأنه تقبل كثير من الأراء بشفافية ومزاج رائق ، حتى انه مزح مع أحد النواب بأنه بدأ يدخل كلمة الديمقراطية بجمله، وهذا ما حدى بأحد النواب أن يطالب الرئاسة بأن تكون المناقشات جدية.

 وما أن انتهى الرئيس من كلمته حتى بادر النواب لمناقشتها وإبداء الملاحظات. كان من بين المتحدثين الذين لقى مقترحه ترحيبا عاليا، هو الأستاذ حميد مجيد موسى، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، إذ طالب بأن ترفع من الخطاب عبارتي قص اليد والالسن على اعتبار أن دولة القانون القادمة لا تؤمن بسياسة أنزال القصاب بهذه الطريقة البائدة. حاول د. المشهداني أن يتفق على مضض مع المقترح خصوصا بعد ان تعالى التصفيق لهذا المقترح لكنه عاد واستدرك بأنه كان يقصد ان القصاص سوف يمارس من قبل القوات المسلحة لإحلال الأمن.

كما لقى مقترح السيدة صفية السسهيل، عن القائمة العراقية، قبولا واضحا إذ اقترحت أن يكون للمرأة العراقية نصيب في خطاب رئيس مجلس النواب لما اضطلعت بدور نضالي مشهود في مسيرة العراق االسياسي، كما طالبت بتمثيل واضح في السلطات الرئاسية وأستغربت غياب المرأة عن المقاعد في الصف الأول والذي اقتصر على ممثلي الكتل السياسية. وافق د. المشهداني على مقترحها ولكنه رمى الكرة في ملعب الكتل البرلمانية التي لم تفسح مجال لممثليها من النساء بالجلوس في الصف الامامي.

كما طالب احد نواب الكتلة الكردستانية ان تضاف الديمقراطية والعراق الأتحادي والفيدرالية الى الخطاب كما طالب نواب أخرين ان تضاف محاربة الارهاب الى الخطاب. وافق د. المشهداني على جميع المقترحات وطلب أن تشكل لجنة لصياغة الخطاب تتضمن كل هذه المقترحات ليوثق الخطاب ضمن هذه الجلسة لكن لا يتم مناقشته.

 قدم بعض النواب من كتلة الحوار وجبهة التوافق مقترحات تطالب بالأفراج عن المعتقلين وتحويل ملفهم الى وزارة العدل والسماح لأعضاء مجلس النواب بزيارة مراكز الأعتقال. وافق د. المشهداني على بعضها ولم يعقب على البعض الأخر لانه يتطلب قرارات من مجلس النواب. وما حسم هذه المقترحات هي النقطة النظامية التي أثارها أحد النواب، فقد أعترض على هذه المقترحات وطالب الألتزام ببرنامج عمل الجلسة. وهذه نقطة صحيحة دستوريا إذ لا يمكن تبني أية مقترحات دون مناقشتها والتصويت عليها.

 ولتلافي إشكال أنتخاب رئاسة مجلس النواب، اقترح أن تكون هناك قائمة واحدة لهيئة رئاسة الجمهورية. إذ رشح د. جلال الطالباني، عن الكتلة الكردستانية، والنائبين د. عادل عبد المهدي، عن قائمة الأئتلاف، ود. طارق الهاشمي عن جبهة التوافق. لكن هذا منافيا للمادة ال67 “ من الدستور العراقي الذي تنص مادته الاولى على:
اولاً ـ ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية باغلبية ثلثي عدد اعضائه. أنتهى النص.
أي ان ينتخب رئيس الجمهورية بمعزل عن نائبيه. فمن الملاحظ أنه لم يكن هناك خوفا على خوض د. جلال الطالباني الإنتخابات بمفرده. إذ لم يترشح منافسا له، والأهم من هذا، انه يحضى بموافقة أغلبية الكتل البرلمانية. لكن الخوف كان على نائبيه، فلو جرى انتخاب النائبان بشكل منفصل لكانت الأجواء تسمح لدخول مرشح ثالث في المنافسة وقد يتأثر أحدهما بقلة الأصوات لكن القائمة الواحدة حسمت هذه المنافسة.

من الملاحظات التي لم تلق نجاحا في الجلسة، هو أن يتم التصويت فردي على كل مرشح رئاسي، ليتعرف النواب على القوة التصويتية لكل فائز، وهو مقترح ناجح من الناحية العملية لكنه يحمل بين طياتها مخاوف عديدة. إذ ان هناك كثير من الكتل ستعترض على نائبي الرئيس وممكن أن يحصلوا على اصوات متبانية مما تزعزع كيانهم المستقبلي. لذلك رُجحت الكفة لإنتخاب قائمة واحد لرئاسة الجمهورية.

 وقد فازت قائمة الرئاسة ب 198 صوتا من اصل 255.

 جاءت كلمة د. الطالباني لتثمن النواب على منحهم الثقة. كما شكر القوات الأجنبية الصديقة التي حررت العراق من حكم الصنم في أول ومنتصف الخطاب وكذلك شكر الرئيسان السابقان د. علاوي ود. الجعفري لما حققا خلال فترة حكمهما من أنجازات خالدة لكنه لم يذكر شكل الخلود. حاول د. الطالباني ان يقف أمام المشاكل المستعصية، التي اكتنفت البلد بعد سقوط الصنم، كالأرهاب والفساد الأداري والبطالة ووعد بتحقيق الاستقلال التام. كما شكر د. الجعفري لما أبداه من مرونه في موقفه الأخير. وبعدها كلف د. جلال الطالباني النائب جواد المالكي عن الأئتلاف لتشكيل الحكومة القادمة.

 ثم فُسح المجال للدكتور الجعفري بكلمة قصيرة. كانت عباراته موثرة وقوية بمفرداتها مما قوبلت بالتصيفق لعدة مرات. التمس د. الجعفري من النواب أن لا تكون جيرة كراسي جغرافية الشكل بل ان يتجاورون بالافكار بشكل مشترك وبناء. وأن لا تكون جلساتهم كالرئة الواسعة التي تختنق بسلبياتها. وطالبهم ان يكون المجلس سندا للحكومة وليس خندقا توجه حرابه لتعطيل عملها. كما طالب أن يحل القلم محل البندقية والكلمة محل المدافع وأزيز الرصاص. كما حثهم على إلغاء التضاد والشروع نحو التكامل وأهاب بالنواب أن يكون عدوهم الاول هو الأرهاب وليس الأحتراب الطائفي أو المذهبي.

أختم د. الجعفري كلمته بأن الجميع لازال يفكر بعقلية المعارضة وأنا اتفق معه بالكامل وقد نشرت هذا الرأي في مقالة سابقة أسمها * أزمة في ثقافة الوطن*.

 كما لوحظ من المحاصصات الرئاسية أنها اتسمت بالطائفية رغم ان الجميع رفض الطائفية في خطاباتهم. فالمناصب انحسرت بين الكتل الكبيرة الثلاث، وهو حق دستوري، لكن منحاه لا يخدم البلد في هذه الظروف. فقد تم استثناء القائمة العراقية وكتلة الحوار الوطني والقوائم الصغيرة من أي منصب سيادي وهذا ما قد يدفع كل هذه القوائم لتشكيل جبهة معارضة داخل مجلس النواب وقد تحظى بصوت مؤثر. فمجموع أصواتهم لن يقل عن 45 صوتا لكن ما مطلوب منها أن لا تكون معارضة متناحرة، بل أن تكون معارضة وطنية بنّائه، ومصان حقها في النقد وتحمى من اي تهديد أو تهميش في أرأئها او الغاء جودها السياسي كما مورس ضدهم في الأنتخابات. فالمعارضة هي ليست عدو للحكومة بل هي العين الثالثة التي تُبصر الحكومة بأخطائها وسلبياتها. كما يفترض أن تساعد الحكومة على تخطي الصعاب في القرارات الوطنية وبنفس الوقت تمتلك حلول لمعالجة المشاكل وعلى النواب أن يتعامل مع مقترحاتهم بحرص وطني وليس إهمالها كونها مقترحات معارضة. أن الواجب الوطني يتحمل النواب مسؤولية مناقشة كل المقترحات بفهم وطني متجرد عن الإنتماء الحزبي أو الطائفي، فالمقترح الوطني سيعم خيره على الجميع.

 في الختام لا يسعني إلا ان أبارك لكل النواب بمناصبهم الجديدة. واتمنى أن يحققوا ما يطمح له الشعب العراقي، هو عراق خالي من الارهاب والغاء الوجود المدني المسلح وسيادة دولة القانون وتأخي أجتماعي وعدالة لكل العراقيين. وهذا يتم فيما لو مارس كل نائب دوره في المجلس كممثل لكل الشعب العراقي وليس ممثل لقائمة أو حزب معين. فمن يجلس تحت قبة المجلس، عليه أن يضع أمام عينه الأهداف الوطنية الشاملة وليس المكاسب الجعرافية أو العشائرية أو الأقليمية أو الطائفية الضيقة. فهؤلاء النواب يمتلكون الأن قرارات مستقبل الشعب العراقي بكاملة وهذه أمانة سلمها لهم الشعب العراقي بكل صدق وعليهم ان يصونوا هذه الأمانة بروح وطنية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com