طالباني والمهام الوطنية للحكومة الجديدة

د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق

jarjeismh@yahoo.com

بعد النجاح السياسي الجديد للعملية الديمقراطية التي أخذت طريقها بالرسوخ على الساحة العراقية، بفضل حكمة القادة العراقيين والكوردستانيين، الذين لعبوا دورا مهما لحل أزمة حكم القيادة خاصة بعد الموقف الجديد الحكيم للدكتور ابراهيم الجعفري من خلال تنحيه عن الترشيح لمنصب رئاسة الحكومة، والتصويت على القيادة الرئاسية للعراق من قبل مجلس النواب العراقي، وبقاء الرئيس جلال طالباني لفترة رئاسية ثانية لقيادة العراق بالمشاركة مع قيادة رئاسة الوزراء والجمعية النيابية، بعد هذه التطوارت الجديدة، اخذ العراق يدخل في مرحلة جديدة حاسمة تتسم بالعمل الجدي لاخراج الحالة الوطنية العراقية من الركود الذي عايشها خلال الفترة الماضية الى حالة مغايرة مكتظة بالبرامج والاعمال الكبيرة على الصعيد العراقي لتلبية الاستحقاقات الانتخابية للعراقيين الذين عانوا وما زالوا يعانون من أزمات خانقة كبيرة مرتبطة بالحالة الامنية والاقتصادية والاجتماعية.

ولا تخفى ان الحالة العراقية خلال الادراة الحالية والسابقة بعد تحريرها من النظام البائد، رافقتها مشاكل أمنية وأزمات إقتصادية خانقة ومصاعب خدماتية متعددة على صعيد حياة المواطن، لذا فان منح الاولوية لمعالجة هذه الازمات من قبل أية حكومة مقبلة على صعيد االساحة الداخلية تعتبر مسألة في غاية الأهمية وتحمل ضرورة وطنية قصوى خاصة بالنسبة للعراقيين الذين عانوا من مآسي كثيرة على مرعهود وقرون طويلة.

لهذه فإن الاستحقاقات الوطنية لأبناء الأمة العراقية يجب أن تبقى ضمن الاولويات الرئيسية والأساسية للقيادة السياسية الجديدة، خاصة أمام الرئيس طالباني ورئيس الوزراء، وكذلك بالأخص أمام الحكومة والسلطة التنفيذية والمجلس النيابي، ولا شك ان هذه المسؤولية في تحمل استحقاقات ملحة مسؤوليتها منوطة الى الحكومة الوطنية الموحدة المؤمل تشكيلها قريبا برئاسة جواد المالكي من الائتلاف العراقي الموحد.

ولا شك ان الاستحقاقات الحكومية تجاه العراقيين والكوردستانيين تتمحور إطارها في مجموعة من المعاناة والمصاعب التي يعاني منها أغلب المواطنيين، وهي تنحصر بضعف الثقة بين الشعب والحكومة، واستمرار حالة العنف والعمليات الارهابية وفقدان الامن والاستقرار، وفقدان الخدمات والحاجات الأساسية للحياة لدى المواطن، وانتشار مظاهر الفساد والثراء الفاحش المبني على استغلال السلطة، ، وفقدان مظاهر تنمية الأنشطة الاقتصادية والتجارية لتوفير الفرص الاقتصادية الصغيرة لعموم أبناء الشعب، وفقدان مظاهر تنمية القطاعات الزراعية والصناعية لإعادة عجلة الانتاج الى الاقتصاد، وفقدان مقومات تغيير وضع المرأة وتحصينها اقتصاديا واجتماعيا، وفقدان الاهتمام بالشباب وتوفير فرص العمل لهم بالتساوي، وغياب توفير مقومات تكوين الحياة الأسرية، وفقدان مقومات نظام السوق الحر وفق تشريعات تحمي المواطنين وتحد من عمليات الإثراء الفاحش بسبب عدم توفر وسائل رادعة قانونية تحد من الحصول على الثروة بأساليب غير شرعية.

إضافة الى هذه المشاكل هناك ازمات خانقة تجابه المواطن في حياته اليومية والمعيشية ضمنت لنفسها مساحة من التواجد والحضور المتواصل في الحياة كالوقود والكهرباء والسكن، والواقع يلزم الحاجة الى التعامل مع كل هذه الازمات بجدية واهتمام لطرح حلول ومعالجات لها وطرحها بشفافية لازالتها من واقع حياة العراقيين والكردستانيين،

ولابد من التأكيد أن المهام الوطنية الحكومية تجاه المواطنيين تم ذكرها في مقالات ومناسبات سابقة كثيرة طرحناها من خلال هذا المنبر، ولكن بسبب إنشغال القيادة العراقية وعلى رأسها الرئيس طالباني بالأزمة السياسية، وانفراجها أخيرا، فإننا نؤكد عليها من جديد، خاصة وأن الامل المرتجى من الرئيس طالباني، يساعد على طرح تلك المشاكل والازمات بشفافية أمام الحكومة الجديدة المزمع الاعلان عنها قريبا، لتسليط الضوء عليها، للاستفادة منها ضمن الاختيارات المفتوحة لضمان أسباب نجاح أكثر للحكومة المقبلة، والمهمات الوطنية تنحصر بما يلي:

 1. تركيز مهام الدولة لمعالجة الملف الامني بكل جهد واصرار وتركيز والعمل على توفير حياة آمنة لجميع العراقيين، خاصة في بغداد والمحافظات القريبة منها.

2. معالجة سريعة للأزمات الخانقة الشديدة التي تعيشها العراق، حول البنزين والنفط، مما خلقت معها حالة جشعة من الارتفاع الرهيب في أسعار الوقود أدت الى استنزاف كبير في موارد المواطنين.

3. وضع برامج وطنية لمعللجة حالة فقدان الخدمات البلدية خاصة في المدن الكبيرة، حيث باتت المدن تحسب كأنها مينة أشباح خالية من النظافة والتنظيم، وباتت شوارعها وأزقتها ومحلاتها مملوءة بالمخلفات غير الصحية، وكأن شوارع وطرقات المدن قابعة في دهاليز القرون الوسطى.

4. الاهتمام بالحالة الصحية بسبب عدم توفر نظام صحي ملائم يناسب التطورات والتغييرات الجديدة في مجالات العلوم الطبية على المستوى الحكومي والأهلي، ومعاناة المواطنين كبيرة ومؤلمة في هذا الجانب، خاصة وان نسبة منهم تضطر الى الدول المجاورة للبحث عن علاج مناسب، خاصة للحالات المستعصية التي بدأت تسجل اعدادا تصاعدية على مستوى العراق. وبصدد الجانب الصحي، وهو من الملفت للغرابة عدم وجود استراتيجية أو برنامج أو خطة عمل على المستوى الحكومي والأهلي لـامين الرعاية الصحية.

5. معالجة مسألة كركوك وفق المادة 58 من قانون ادارة الدولة العراقية التي انتقلت الى الدستور العراقي الدائم، لترسيخ الحالة القانونية لتطبيع الاوضاع في تلك المدينة المتعددة القوميات، واعادتها الى الحضن الكوردستاني.

6. وضع برامج للدولة للاهتمام بفرص العمل بسبب وجود بطالة بنسبة كبيرة وفقدان فرص العمل، والزام التعيينات بتزكيات حزبية مفروضة، مما أدى الى حرمان الكثير من أبناء الشعب من فرصة التعيين، وهذا ما أدى الى إستياء أعداد كبيرة من المواطنين خاصة الشباب منهم، وحصر حلقات التعيين بين أبناء وأقرباء المسؤولين بزخم كثير، كان فرص العمل الحكومية مملوكة لمسؤولي الأحزاب المسيطرة على الساحة السياسية. ولا شك أن هذا العمل خرق فاضح لقواعد حقوق الانسان التي تستند الى المساواة وتوفير فرص التساوي امام الجميع، وهو خرق فاضح أيضا للمبادئ والحقوق والقواعد الدستورية التي يحاول النموذج العراقي الاقتداء بها.

7. الاهتمام بالشباب من خلال وضع برامج وطنية شاملة للدولة بسبب إهمال الشباب وتركهم منفردين تائهين في مشاكلهم الإقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعدم وجود برامج وآليات معينة للاهتمام بهذه الطبقة المهمة من الشعب، وعدم وجود رعاية على مستوى الدولة بهذه الشريحة التي تراوح في مكانها وتجد نفسها في معمعة من المشاكل والتعقيدات التي ترسم لحياتهم صورة قاتمة غير متفائلة عن الواقع وعن السلطة.

8. معالجة أزمة السكن بجدية، لوجود أزمة خانقة للسكن، وارتفاع خيالي في أسعار العقارات، وارتفاع كبير في إيجار السكن خاصة عند أصحاب الدخل المحدود، الذين يعانون من مشاكل وظروف قاسية في هذا الجانب بسبب ضغوطات المؤجرين الذين لا ينفكون عن زيادة الإيجار من المستأجر بين فترة وأخرى.

9. ازالة مظاهر التمايز الطبقي بسبب ظهور حالة من التمايز والفارق الطبقي بين شرائح فقيرة كثيرة النفوس وشريحة قليلة العدد تعيش في بروج عالية تحتضن أصحاب الرساميل الكبيرة من مسؤولين في الحكومة وفي الاحزاب المسيطرة على الساحة السياسية ومن أصحاب النفوذ الذين إستحصل البعض منهم على ثروات طائلة بين ليلة وضحاها مستغلين السلطة والمنصب على حساب الشعب.

10. أرساء منهج وطني للعمل والعمل على ازالة حلقات من الترابط المنفعي المبني على المصالح المادية الكبيرة بين بعض المسؤولين في الحكومة والأحزاب وأصحاب المصالح التجارية والمادية والاقتصادية، والجمع بين المصالح الحكومية والمصالح التجارية في آن واحد، والواقع مليء بهذه الارتباطات التي تستغل المناصب والمواقع والمصلحة العامة من أجل المصالح الذاتية الضيقة والمنافع الشخصية.

11. اختيار عناصر وطنية تتسم بالوطنية والنزاهة، وعدم تكرار التجربة السابقة في إسناد مناصب مهمة في هيكل حكومة الدولة في الادارات السابقة على مستوى المدراء والمدراء العامين ووكلاء الوزراء والوزراء، إلى أشخاص غير مؤهلين، إعتمادا على الثقة الحزبية وهو نفس الخطأ الذي إعتمد عليه نظام البعث البائد فسقط فيه سقوطا كبيرا.

12. وضع ألية لتنظيم ومراقبة عمل المقاولات، بسبب غياب المعايير الفنية والمقاييس الهندسية عن المشاريع الحكومية والأهلية، خاصة مشاريع الإعمار وتبليط الطرق ومد مجاري الصرف الصحي، ويبدو ان الشركات والمقاولات التي تنفذ تلك المشاريع يعود الكثير منها إلى المسؤولين في الحكومة والأحزاب المسيطرة على الساحة السياسية.

 هذه هي المهام الوطنية أمام الحكومة العراقية الجديدة الموحدة، وهي تتطلب عملا جديا لازالة المشاكل من واقع حياة العراقيين خاصة وأن البعض يتسم بتواصله اليومي، ولا شك أن وجود الرئيس جلال طالباني على رأس القيادة العراقية، ستمنحنا الامل الكبير للعمل على حل ومعالجة هذه الازمات الخانقة التي يعاني منها العراقييون، رغم ان العمل يتطلب عملا مكثفا لتحقيق وتلبية الحاجات الرئيسية للمواطنين، وتحسين الإداء الإداري والخدمي والإنتاجي على صعيد وزارات وأجهزة ودوائر الدولة، مع إجراء إصلاح فعال لتلك الجهات والقضاء على مظاهر الفساد في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، للإرتقاء بالنموذج العراقي، لإرساء نظام يتسم مع نسيج البنية الديمقراطية والاقتصادية المعاصرة التي أخذت تترسخ في العراق الجديد.

ولابد لنا من القول في الختام إن تطبيق هذه الاستحقاقات وتوفير مساحة مطمأنة من الاسقرار الامني على صعيد الحياة، وحل الازمات والمشاكل وإجراء الإصلاحات الضرورية ضمن منهاج عمل الحكومة الجديدة ومعالجة مظاهر الفساد والاختراقات الحاصلة في أجهزة الدولة، ستشكل عوامل حاسمة لإحداث نقلة نوعية على صعيد حياة العرااقيين، لا سيما وأن الامة العراقية أثبتت دائما أنها أهل لحياة حرة كريمة ولاحداث تطور وتقدم في واقعها لتأمين حاضر مشرق منشود لحاضر أبنائها وضمان مصير آمن ومستقبل زاهر لأجيالها القادمة.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com