تخصيب الشحّاطات

نضال نعيسة

sami3x2000@yahoo.com

في موسوعة "الكندرجية" لأبي نعال الحافي، المتوفي في عصر التشحيط الأول، فـ "الشحاطة"، أعزكم الله، باللغة الشعبية الدارجة، ولمن لا يعرفها، هي الخف، أو"الشبشب"، عند المصريين، أوالنعال عن إخوتنا في جزيرة العربان، أو الـ ""slippers عند الفرنجة، والعياذ بالله، وفي لغة المرحوم شكسبير ابن أم وليام شكسبير، طيب الله ثراه. و تلبس هذه الشحاطة عادة، في أوقات الراحة والنوم، أو"القزدرة" بها أمام الفرن لحين حصول المواطن الجوعان على حصته اليومية من ضراب السخن، والسم الهاري الذي ينزل على المعدة هذه الأيام. وقد سميت كذلك لأن المواطن الكريم يقوم بشحط رجليه شحطاً على الأرض من كثرة ما يتناول أحياناً، ويتخم، من العصي والفلقات. وقد ورد في تفسير مجلس الحذاء العالمي لهذه الظاهرة، أن حالة "التشحيط" هذه التي يمر بها المواطن، هي نوع من الدلع والغنج، الدلال "جكارة"، ونكاية، بالحكومات التي أتخمته بالخيرات، وجعلت الشحاحيط البلاستيكية هدفاً نهائياً لطموحاته الشخصية، وعنواناً عريضاً لحياته في آخر الزمان.
وقد وردت كلمة الشحاطة هذه كـ topic، أو عبارة رئيسية، في عناوين الأخبار مؤخراً، في معرض تعليق أحد رجال الإطفاء المناوبين، على طريقة التعامل مع حريق شب في إحدى الضواحي الشامية المشحّرة، وقال متذمراً، وهو يعقّب على التقصير في معالجة الحريق المذكور: "هل من المعقول أن نذهب لإخماد حريق بالشحاطة؟" هكذا بالحرف الواحد، كناية عن عدم توفر المعدات الضرورية، واللازمة، للتعامل مع هكذا أزمات. ومع احترامنا الشديد لهذا التصريح الناري للإطفائي المذكور، ونخوته، ولهفته وغيرته على المصلحة العامة، فإننا نعيب عليه ازدرائه للشحاطة، والتقليل من أهميتها، وقيمتها الاعتبارية، لدى الشعوب التي التزمت خيار الشحاطات الاستراتيجي في التعامل مع رزمة الأزمات التي تواجهها. ونقول له، وما لها، أي للشحاطة(وبلا مستحى منكم) أيها المغرض، وهي رفيقة الدرب الوحيدة في المرحلة المصيرية لملايين المواطنين الأعزاء؟
هذا، وقد صدر بيان استنكاري، شديد اللهجة، ضد هذا التصريح من قبل منظمة "حفاة بلا شحاطات"، أهابت بجميع الكندرجية التصدي لهذا الفكر الانعزالي المنحرف الضال. وذكّر البيان بما للشحاطة من أهمية وتأثير كبيرين في حياة الناس، في هذه المرحلة الشحارية التعتيرية التي يعبرها شعبنا الحفيان الأبي بالشحاطات تحديداً. إذ تنكر المواطن المذكور بتصريحه ذاك، لثقافة الشحاطة برمتها، الماثلة في وجدان وتاريخ، وقلب المواطن، بدل أن تكون في رجليه على الدوام.
فقد نسي الإطفائي المذكور أنه، شخصياً، وبجلالة قدره، يشحّط تشحيطاً، ويَُنتّع تنتيعاً، ويدفّش تدفيشاً، هو ومواطنيه "الكرام"، من أول الشهر لآخره بذلك الراتب الهزيل الذي لا يكفي لشراء دزينة شحاطات بلاستيكية لأولاده في المناسبات القومية، والمسيرات، والأعياد. كما يستخدم هذا المصطلح لوصف شريحة واسعة من الإخوة المواطنين المشحوطين شحطاً من الفقر والتعتير، فأن يقال مثلاً، "زيد مشحوط من الفقر، وعَمْر ليس معه ثمن شحاطة". كما أن تعبير "شحطوه على الفرع"، يعتبر واحداً من أكثر المصطلحات استخداماً هذه الأيام، فكم من مواطن قد تم سحبه، وشحط شحطاً، وهو بالبيجامة، والشحاطة، من بيته، وأمام الناس، ليقضي بقية عمره، وحيداً، بإحدى الزنزانات مع إحدى الشحاطات، بدل حبيبة العمر الجربان، حيث لا لزوم أبداً، لانتعال أي حذاء، على الإطلاق.
كما تشكل تجارة الأحذية البلاستيكية "الخردة" والمتآكلة مصدر دخل هام، لعدد كبير من الناس. حيث تقوم جحافل من الأطفال، والرجال المشردين، والمشحوطين باللف والدوران، في الأزقة والحارات، والبحث في القمامات، عن غذاء، وشحاحيط بالية لبيعها لمعمل البلاستيك، لقاء ثمن بخس، ليقوم المعمل المذكور بتذويبها، وإعادة تدويرها، في دورة اقتصادية راقية، من تعاليم جامعات شحاطاتستان، وتقاليد بلاد تعتير ستان، أو كما عرفها الخبير الاقتصادي اللدود الحسود الأستاذ أبو شحاطة الجزماتي، وهو نفسه مخترع قطرميز المكدوس، باقتصاد "تخصيب" الشحاطات، بدل اليورانيوم نظراً لارتفاع تكاليف انتاجه، وعدم جدواه الاستراتيجية في هذه المرحلة من الصمود، والتصدي، والنضال.
كما تعتبر الشحاطة واحدة من الأسلحة الهامة التي تستخدمها المرأة أحيانا في الدفاع عن نفسها، ضد بعض المتطفلين، والمغازلجية، والأزواج. وهناك معارك كبرى، وهامة في التاريخ الحديث وقعت بسلاح الشحاطات، الذي يقلل بعض الخبراء العسكريين من أهميته، ويعتبرونه سلاحاً أبيضاً، فيما يعتبره آخرون سلاحاً جارحاً بكرامة الإنسان لا سيما بعد أن انهال أبو تحسين، بنعاله الشهير، أو الشحاطة بالتعبير الشامي، على صنم بغداد. وتتجلى أهمية هذا المصطلح حين يقوم الموظفون المرتشون، أصحاب الذمم الواسعة والكروش، بشرشحة و"شحشطة" المواطن تحديداً، عشرات المرات، من أجل توقيع تافه، لواحد من أبناء الذوات. كما يستعمل هذا المصطلح طبياً، حيث ترتفع درجة حرارة المواطن مثلاً إلى 44 درجة فقط، وثلاث "شحطات" مثلاً، حين يتابع تصريحات أي من المسؤولين، أو يتابع نشرات الأخبار، وأحوال الناس، أو عندما يرى مثلاً رجل أمن مدججاً بالذخيرة الحية، ورابضاً له في الشارع العام. وبالمناسبة، فقد احتلت أغنيتا "شحشطني وأنا شحشطوا"، و"لا تشحطني مخطوبة" أو مطلوبة في أحد المحاضر، والمخافر الأخرى، المركز الأول على قائمة الـ"توب تن Top Ten"، للعقد الخامس على التوالي، من تاريخ تطبيق قانون الطوارئ.
وتكريساً لنشر ثقافة الشحاطات، ففي أحد دروس اللغة العربية، طلب المدرس المشحوط سابقا لأاخد فروح المخابرات، من أحد طلاب الأأذكياء أن يعرب له جملة وردت في تراجيديا البؤساء لابن مشحوط السوري، وهي : شحط العريف الكاتب الغلبان"، فجاءت الإجابة على النحو التالي:
شحط: فعل طوارئ مستمر مبني على قانون الأحكام العرفية.
العريف: شاحط نمرود مدعوم، وعلامة دعمه مسدس تسعة ملليغرام على جنبه.
الكاتب: مشحوط به من أمام الدكان، والجيران، وعلامة شحطه تسع لبطات على قفاه.
الغلبان: صفة للمواطن المشحوط، والمغلوب على أمره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله يكفينا، ويكفيكم، شر الشحط، والضرب بالشحاطات، يا..........شباب.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com