|
أسفين لتقسيم الشعب والوطن
جاسم هداد الولايات المتحدة الأمريكية عندما غزت العراق واسقطت نظام القتل والأجرام البعثي الفاشي ، لم يكن ذلك من اجل سواد عيون العراقيين ، ولا رغبة منها في نشر الديمقراطية ومبادئ حقوق الأنسان كما زعم اعلامها الكاذب ، وإنما جاءت لتحقيق مصالحها الحيوية في المنطقة ، ولا يفهم من ذلك ان الطاغية صدام ونظامه الفاشي كان حجر عثرة امام تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة ، او انه كان بالضد منها ، بل العكس انه ونظامه قدم خدمات جليلة للأمريكان وسهل لهم تنفيذ مخططاتهم ، والشواهد على ذلك كثيرة جدا ، ولعل في مقدمتها حربه المجنونة ضد الجارة إيران ، وانه كان مستعدا لتقديم كل ما تطلبه الولايات المتحدة الأمريكية ، مقابل بقائه في منصبه ، ولقد كشفت التسريبات الأعلامية ذلك قبل الغزو الأمريكي للعراق ، حتى ان الطاغية لم يكن يتوقع ان الأمريكان جادين في اسقاطه ، حيث كان يشيع بين اعوانه ان الهجمة ستكون مشابهة للتي حصلت عام 1991 ، ولم يدر في خلده ، انه اصبح ورقة محروقة ، يتطلب استبدالها بما يتماشى وثقافة القرن الواحد والعشرين من مفاهيم الديمقراطية وحقوق الأنسان . من اجل ان تتسيد البلدان الغازية وقوات الأحتلال فانها تتبع السياسة الأستعمارية القديمة " فرق تسد " ، وكلما كان البلد المحتل ضعيفا ومقسما ، ويعاني من الضعف في الأنتماء الوطني ، ويعيش حالة التناحر ، كلما كانت السيطرة عليه يسيرة سهلة ، ولكون الشعب العراقي يتشكل من فسيفساء ملونة ، فتعيش فيه قوميات متعددة ، اديان مختلفة ، وطوائف عديدة ، لذلك عمد منظروا الليبرالية الجديدة الى التنظير والترويج الى مفاهيم " مكونات الشعب العراقي الأساسية " و" الشيعة والسنة والكورد " وتكريس المبدأ الكريه " المحاصصة الطائفية القومية " وذلك في مؤتمر لندن ثم صلاح الدين ، ومعروف لأبناء الشعب العراقي كيفية تشكيل مجلس الحكم ثم الحكومة المؤقتة ، وتلتها الحكومة الأنتقالية . ومن المؤلم ان سياسيي المرحلة الطائفية ولغوا في وحل الطائفية ، مفضلين مصالحهم الفئوية الضيقة على مصالح الشعب والوطن ، وكانت جلسة مجلس النواب ليوم السبت الموافق 22 نيسان 2006 تجسيدا عمليا على التأسيس لعرف يتم بناء الدولة عليه ، وهو تولي المناصب السيادية على اسس طائفية عرقية مقيتة ، بعيدة عن المواطنة العراقية وتجاوزا على الدستور العراقي والذي تشير مادته الرابعة عشرة بأن " العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الأصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الأقتصادي او الأجتماعي " وكذلك مادته السادسة عشرة التي تؤكد عاى ان " تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين ، وتكفل الدولة اتخاذ الأجراءات اللازمة لتحقيق ذلك " ، والمادة الثالثة والخمسين التي تنص على " ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا ، ثم نائبا أول ونائبا ثانيا بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالأنتخاب السري المباشر " والملاحظ ان المادة لم تشر أن المنصب يجب ان يكون من حصة طائفة معينة ، والمادة السابعة والستين التي تحدد شروط المترشح لمنصب رئيس الجمهورية ، والتي لم يذكر في أي منها انتمائه القومي او الديني او المذهبي ، بل اكدت على ان يكون " عراقيا بالولادة ومن ابوين عراقيين " ، وكذلك المادة التاسعة والستين التي تنص على أن " ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد اعضائه " ، ولم ينص على قوميته او دينه او طائفته ، والمادة الخامسة والسبعين التي تنص على أن " يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية " ، والمادة الدستورية واضحة حيث تشير الى الكتلة النيابية الأكثر عددا وليس القائمة الأكثر عددا ، كما انها لم تحدد قومية ودين وطائفة المكلف بتشكيل الوزارة ، وكذلك المادة السادسة والسبعين التي تحدد الشروط الواجب توفرها في المرشح لمنصب رئيس الوزراء وهي نفسها التي تنطبق على المرشح لمنصب رئيس الجمهورية ، أي لم يتم تحديد قومية ودين وطائفة المترشح. وماتم في جلسة مجلس النواب بعيدا كل البعد ويتناقض مع تصريحات القادة السياسيين من بناء " دولة المؤسسات وتكريس مفهوم المواطنة ونبذ الطائفية والعرقية والفئوية " وان " الحكومة ليست ملكا لطائفة او حزب ، وانما ملك الوطن " ، وبعيدا عن مبدأ " الوحدة الوطنية " التي ينادي بها جميع السياسيين العراقيين ، وكيف تستطيع حكومة تتشكل وفق المحاصصة الطائفية القيام بـ " القضاء على الطائفية والتمييز بين ابناء الشعب العراقي " ، وكشفت كذلك ان السياسيين الطائفين رغم تناقضاتهم المعلنة ، لكنهم يتفقون عندما تلتقي مصالحهم الحزبية الفئوية ، وان المتباكين على مصالح الشعب والمتاجرين بدماء الأبرياء ، والمدعين بتضررهم من الطائفية ، هم طائفيون اكثر من غيرهم ، لا بل يزعمون انهم وحدهم الممثلون لطائفتهم ، وطالبوا بحصر المناصب السيادية المخصصة لطائفتهم بهم وحدهم دون سواهم من القوائم الأنتخابية ، وتخلوا بسرعة عن حلفائهم ولم تمض اربعة اشهر على تحالفهم معهم . ان ما تم في جلسة مجلس النواب ليوم السبت هو تكريس خطير لنهج يؤسس لعرف قد يصبح قانونا غير مكتوب ، وسيكون قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت يريد لها مخططوها ان تنفجر كما الحال في لبنان ، ان هذا النهج هو الطاعون الجديد ، هو الهاوية التي يأخذ سياسيو هذه المرحلة الوطن لها ، والتاريخ سوف لن يرحم من يساهم ويشارك في تأسيس هذا العرف الذي سيؤدي الى تدمير العراق.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |