|
من سوار الذهب الى الذهب نفسه
علي الشلاه كاتب عراقي / مدير عام المركز الثقافي العربي السويسري بارتباك كبير لم تألفه تلقت الأذن العربية خبر تنحي الدكتور ابراهيم الجعفري الزعيم الوطني العراقي عن منصب رئاسة الوزراء الذي استحقه انتخابياً حفاظاً على الوحدة الوطنية العراقية وهو أمر أثار اعجاب وتقدير سائر العراقيين والعرب الشرفاء حتى المختلفين معه، اذ اننا من امة أدمنت توارث الكراسي من المهد الى اللحد، وقد يحصل لدينا ان يقوم الابن بالانقلاب على ابيه ويتركه هائماً على وجهه في اواخر أيامه من أجل عيون السلطة الملونة. كثيرون توهموا بالجعفري التمسك بالمنصب الذي هو حقه الديمقراطي، وآخرون تمادوا بتشبيهه ببعض سياسييهم المرضى الذين يبيعون آباءهم وامهاتهم من أجل سلطة قائمة على دماء الناس، لكن الجعفري الكبير تصرف بما يليق به وبتاريخه الناصع وترك الأمر الذي كاد يشق العراقيين دون تردد مع علمه بأن المعترضين يريدون منهجه لا شخصه ويستهدفون وحدة العراق لا زعيمه المنتخب ولذا فقد أربكهم وصغرهم بحكمته، وقد تجلى واضحاً بعد مبادرته الهامة ان بعض المتشدقين بتملق الضحايا من الساسة العنصريين والطائفيين قد فقدوا احترامهم لدى الغالبية المطلقة من العراقيين وعادوا كما هم صغاراً زعماء لميليشيات وطوائف في حين ارتقى الجعفري زعيماً للعراق الذي تجلت فيه وحدته. واهم وأحمق من يظن أن بامكانه العودة الى صورته السابقة لدى أغلبية العراقيين قبل تآمره على الزعيم المنتخب ديمقراطياً والمعروف بنظافة اليد واللسان وبالابوة الحانية للعراقيين جميعاً دون استثناء، فلم يسجل عليه انه تحدث باسم طائفة أو اعترف بفارق لغوي او عقائدي بين أبناء الوطن الواحد، ولم يرد ان تكون التضحية بكركوك طريقاً لسلطة مستقرة له في حين باعها الآخرون على مذبح الطائفية المقيتة، واذا كان بعض الزعماء الكرد قد تصوروا ان ضم كركوك يمر عبر ازاحة الجعفري فقد خانتهم معرفتهم بالسياسة والتاريخ والجغرافيا فقد اضيف اليوم سبب اخر للتمسك بها ضمن الدولة المركزية وهو انها المدينة التي ضحى الجعفري من أجلها لدى شعب مولع بالرمزية والمواقف الكربلائية البطولية. لماذا تآمروا على الجعفري وما الذي نقموا من أبي أحمد ؟ هل نقموا منه حلمه بعراق واحد قوي؟ أم حرصه على مفهوم الوطن الواحد الجامع بازاء مفهوم الطائفة والعنصر والأقلية والأكثرية؟ أم انهم أرادوه موظفاً لدى الخارجية الأمريكية بدرجة رئيس وزراء منتخب كما شاهدنا ونشاهد من زعماء كثر في العراق والعالم العربي ممن يثير رعبهم منظر السيدة رايز وهي تنظر لشرق أوسط جديد وفق المقاييس الأمريكية المقدسة. اعترف انني اجد في الجعفري الزعيم الوطني الأصلح لحكم العراق اليوم لكنني اعتقد أيضاً ان القبول بمبدأ تداول السلطة والمنصب هدف سام لا يقل أهمية عن ممارسة السلطة بنزاهة، وهو أمر يثبت بأننا قد تجاوزنا مرحلة السياسيين الهواة الى مرحلة الزعامة الوطنية الديمقراطية الحقة وها هو الجعفري يفتح أفقاً آخر لرجالات العراق الجدد ومرحلة جديدة في تاريخ العراق والعرب الحديث، واذا كنا قد احتفينا بالجنرال عبد الرحمن سوار الذهب الذي تنازل عن انقلابه العسكري للديمقراطية في السودان فأن احتفاءنا بالجعفري ينبغي ان يكون أكبر وأهم لأنه لم يتنازل عن مكتسبات انقلاب مرفوض بل تنازل عن ثمرات عملية انتخابية محترمة تؤهله للبقاء دون أن يجرؤ احد على لومه لأن الأكثرية معه وان المعترضين عليه هم متطرفو الاقليات ومتعصبوهم. ايها العراقيون ، يا أبناء وطني الفقراء والبسطاء ، ايها المنصفون من ابناء العروبة.. لقد اخرجـكم الجعفري من تأمل سوار الذهب الى تلمس الذهب نفسه.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |