مستقبل العراق ومبدأ الشراكة

 

د. ابراهيم بحرالعلوم

وزير النفط العراقي السابق ورئيس تجمع عراق المستقبل

منذ عقود طويلة غيبت السياسيات الدولية عن المسرح العراقي الارادة الشيعية العراقية ، وبالتالي كان الشعب العراقي يدفع دوماً ثمنا باهضاً للدفاع عن مصالح الغير بسبب تعاقب حكام وحكومات لا ترتبط بطموحات الشعب بقدر ما تتعلق برسم وتنفيذ سياسات يستفيد منها الغير لتحقيق مآربه ، اليوم وبعد ثلاث سنوات من التغير وتحت ظل الوجود العسكري الدولي ابتدأ العراقيون وضع بعض الخطوات لرسم ملامح مستقبلهم السياسي وللعمل على بناء بلدهم ، السؤال المركزي الذي نحاول الاجابة على بعض جوانبه هل يمتلك العراقيون القدرة على دفعه نحو الاستقرار وابعاده عن الصراعات السياسية من اجل ان يصبح هذا البلد مسالما وغير عدواني وقادرا على حماية مصالحه في اجواء تبدو غير مستقرة على الاقل في المرحلة الراهنة .

انني لست بصدد الاجابة عن سؤال ماذا يراد للعراق؟ بل انني احاول ان اضع لمسات عما يريده العراقيون ، وهل يتمكن تحقيق ذلك؟

في العام الماضي ، حقق العراقيون خطوات عديدة تساهم في رسم ملامح مستقبلهم السياسي وفي فترة قياسية مقرة ومن الطبيعي ان تشوب هذه الخطوات العديد من الاشكاليات والمعوقات ولكن يمكننا القول بانها تجارب ناجحة قياساً مع عقود الديكتاتورية والاضطهاد فقد توجهوا الى صناديق الاقتراع ثلاث مرات لانتخاب ممثليهم في البرلمان والحكومات المحلية وايضا تمكنوا من انجاز دستور دائم للبلد مع استفتاء عليه رغم ان الاخير لا زال ينتظر بعض التعديلات المتوقعة ، وايضا مشهد العام الماضي اشتراك شرائح اخرى تغيبت عن الانتخابات في الماضي وهذا يعد بحد ذاته تقدماً نوعياً اضافة الى تطور نوعي في مساهمة المراة العراقية في مجلس النواب وفي الوزارة وفي مواقع قيادية اخرى ورغم الخطوات السياسية المتحققة ان مسيرة الاشهر الماضية قد شهدت ازمات كادت تعصف بالعملية السياسية باكملها وتعثرت على ضوئها تشكيل الحكومة حتى الان وتدني الوضع الامني والخدمات و زادت وتائرالعمليات الارهابية اضافة الى بوادر إحتراب طائفي ، كلها ازمات تنذر بهشاشة الوضع السياسي وتداعياته الخطيرة وتفتح الابواب على كافة الاحتمالات ...

وعلينا استذكار بعض الحقائق :

 1- ان سياسات النظام السابق ، جعلت من القضية العراقية قضية "مدولة" تتشابك فيها المصالح الدولية والاقليمية والوطنية يشكل عقد الوضع السياسي جراء الحروب والخطر الاقتصادي وسياسات الاضطهاد تجاه الشعب .

2- ان تداعيات الوجود الامريكي العسكري جعل من العراق ساحة مواجهة مع القوى الارهابية

3- ان خشية الدول المجاورة من المشروع الامريكي دفعت مصالحها الى ايجاد عراقيل من خلال عدم التصدي الفاعل والجاد للقوى الارهابية من جهة وحاولت زرع "ازمة ثقة" بين المكونات العراقية السياسية لبلورة مشروع شراكة سياسية .

4- انهيارالمؤسسات العراقية تفعل سياسات النظام البائد والحروب خلق صعوبات امنية واقتصادية الى جانب عدم الجدية من قبل دول العالم في المشاركة الجاده باعمار العراق او على الاقل شهدت تلكؤاً وتباطؤً في عملية الاعمار عكست ركوداً ساهم في تعقيد الامور امنيا واقتصاديا

5- تجنيد الاعلام العربي وغيره من قبل اطراف معادية للتغيرو توظيفه لتصوير واقع فوضوي وسلبي عن واقع العراقي والعملية السياسية كلها بفعل المصالح الاقليمية والدولية المتصارعة

6- الصراع الامريكي ، الاروبي ، الروسي على العراق لكونه يمثل الارتكاز في المحاور الحيوية التي تشكل الاهمية في المنظومة الاقتصادية والسياسية المستقبلية مع حجم التحديات الموجودة على ارض الواقع ، يحاول العراقيون العمل على نسج ووضع المبادئ والخطوط العريضة للشراكة السياسية على المستويات المختلفة ومن اهمها:

1- الشراكة على المستوى الوطني ، فالعراق بفعل تعقيد تركيبته الاجتماعية والسياسية والسكانية لا يمكن له الاستقرار الا من خلال بناء شراكة وطنية بين مكوناته ، اي لا يمكن لاي مكون من مكوناته الاستفراد بالقرار السياسي بغض النظر عن حجمه السكاني فالكل مطالب بالمشاركة لتوطيد دعائم المسيرة السياسية ، لذلك فمن الصعب تجاوز " التوافقية " كآلية لاشعار الفرقاء السياسين بعدم التهميش والاقصاء مع عدم تجاوز "الاستحقاقات الانتخابية" فحكومة "وحدة وطنية" مشروع لا يمكن الاستغناء عنه مرحليا لحين ارساء القواعد الديموقراطية وبالتالي يتحمل الجميع بذلك تبعات اي خسارة او ربح يترافق مع العملية السياسية .

2- الشراكة على المستوى الاقليمي :

العراق لا يمكن ان يستقر بدون وجود شراكة تستند على المصالح المشتركة بينه وبين دول الجوار ، هذه الشراكة يجب ان تعتمد مبدأ التوازن فلا يمكن لاي دولة من دول الجوار الامتداد بمصالحها على حساب الغير بحجة الدفاع عن مصالح العراقيين واي خلل في هذه الموازنة سينعكس سلبيا على الاوضاع الداخلية ، ولكل من دول الجوار مشاريعها السياسية التي قد تتضارب مع بعضها البعض ولكنها تعتبر مشروعة من طرفها ،لذلك على العراقيين التعامل مع هذه المشاريع السياسية بالقدر الذي لا يضر بالمصلحة العامة بل تطويرها بالشكل الذي يتعزز مفهوم الشراكة لصالح بناء العراق . ان استمرار وجود "الفراغ العربي " مدعاة لعدم الاستقرار وان الاصرار على ابعاد العراق عن دائرته العربية سيلحق ضرراً بالمصالح العراقية ويسبب خسارة للواقع العربي قد لا تقل بل تزيد عن خسارة العراقيين انفس هم . وان العمل على تفريغ العراق من واقعه الاسلامي مسالة غير واقعية ، لذلك فهوية العراق العربية والاسلامية سمة يجب الاحتفاظ بها من اجل دفع العملية السياسية واستمرار عملية البناء بتعزيز العلاقات مع المحيط العربي والاسلامي .

3- الشراكة على المستوى الدولي :

الواقع الحالي لا يمكن الغاءه فهناك وجود عسكري يتجاوز 250 الف شخص دول التحالف ، وهناك اجندة سياسية لهذا الوجود وهناك عقبات داخلية ، اقليمية ودولية تحول دون تحقيق تفاصيل هذه الاجندة ، وهناك مصالح للولايات المتحدة وبريطانيا في العراق ليست بالضرورة تلتقي بكاملها مع مصالح الشعب العراقي او دول المنطقة ولكن هناك سياسة الامر الواقع علينا التعامل معها بكثير من التأني من اجل عدم التفريط بمصالحنا ومكتسباتنا السياسية فالعمل على استعادة سيادة العراق بالشكل الذي يحصّن اوضاعه المستقبلية وتمنع الاختراقات المستقبلية قضية مركزية ونحن ندرك حجم الصراعات الدولية ، الصراع الامريكي ­ــ الاروبي والصراع الامريكي ــ الروسي والصراع الامريكي ــ الايراني .. وغيرها ولكن نؤمن ان سلسلة هذه الصراعات معقدة ومنها سياسية واقتصادية وتاثيراتها لا تقتصر على العراق بل انها تمتد لاوسع من ذلك ولكن علينا ان نبحث عن حلول لان نناى بعراقنا وانسنا بالقدر الذي تستفيد منه لعملية بناء العراق في اعادة بناء مؤسساته والتركيز على الساحة المشتركة من شانها ان تؤمن السيادة اولاً والامن ثانياً وعملية اعمار العراق ثالثا بشكل يجعل من العراق بلداً فاعلا في المحيط الاقليمي والدولي .

كيف نواجه تحديات الشراكة ؟

التحدي الكبير الذي يواجه العراقيون اليوم هو امكانية العمل لتحقيق هذه الشراكة بمختلف مستوياتها لضمان استقرار العراق ، انها مهمة صعبة وشاقة ولكن العراقيين يمتلكون العزم للمضي في بناء بلدهم واستقلاليته وسيادته وبالتالي لقد ولّى عهد الدفاع عن اجندة غير عراقية ولا اتصور بانهم يمتلكون الاستعداد للدفاع عن الضرر ومصالحه بالقدر الذي لهم الدفاع عن امكانية الاستقرار وتطوير بلدهم بالطريقة التي تضمن لهم التعايش السلمي مع الكل وعدم السماح لان يصبح العراق منطلقا للعداون فقد ضحى العراقيون خلال العقود الماضية بسبب السياسات الطائفية تارة تحت شعار العروبة واخرى تحت شعار الاسلام ونسوا ان يدافعوا عن انفسهم ، انهم الان يبحثون عن الاليات التي تحقق لهم ذلك وتحفظ لهم هويتهم الوطنية وشراكتهم مع الاخرين .

لقد اتيت تجارب الاعوام الثلاث امكانية المشروع الوطني وخاصة مع وجود صمامات امان للمجتمع العراقي ساهمت وحتى الان بالحفاظ بحدها الادني على مسيرة العراق ، ومن تلكم الصمامات هي "المرجعية الدينية" المتمثلة بالسيد السيستاني (حفظه الله) وتمكنت ان ترسم بعض الخطوط العريضة من اجل يمارس العراقيون دورهم السياسي ولو بشكل غير متكامل في ظل وجود القوات العسكرية ، وان لا ينجر العراق الى منزلقات طائفية تقوض بناء الدولة العراقية تعرض المجتمع العراقي في الاونة الاخيرة الى هزات عنيفة وخاصه عندما دفعت القوى الارهابية ومن يساندها من ازلام النظام البائد في تفجير مرقدي الامامين العسكريين(ع) وما رافقتها من تداعيات كذلك ايضا تواصلت مع القوى العراقية لدفعها الى عدم استخدام العنف واتخاذ مواقف من شانها زجَ العراق في مواجهة ان كانت خارجية او داخلية ، وقد يشعر البعض ان ذلك جاء على حساب الشعب العراقي وزيادة معاناته وهذا صحيح غير ان الاصح ايضاً ان للتغير ضريبته وقد دفع العراقيون طوال العقود الماضية ضرائباً وفواتير حساب لحساب مصالح الغير ، اما الان فهذه الضريبة تدفع لمصلحة وجود كشعب يمتلك الاصالة والمقومات ويستحق العيش بكرامة وبناء بلده ويرسم ملامحه المستقبلية بايديهم .

ان امكانية تحقيق هذه الشراكة تعتمد اولاً :-

1- ضرورة دعم الخطاب العراقي السياسي المعتدل الهادف الى لم الشمل العراقي باكثريته واقلياته و قومياته المختلفة والابتعاد عن الخطاب الطائفي او القومي ونبذ الخطاب التكفيري وضرورة دعم العناصر العراقية الحاملة لهذا الهم الوطني لاتخاذ مواقعها السياسية في البلد والابتعاد عن الاطروحات التي من شانها تمزيق وحدة العراق.

ان ذلك يمثل حجر التوازن في مستقبل العراق ، هذه العناصر والكيانات السياسية تملك القدرة على رفد العملية السياسية وتوجيهها بالمحصّلة الى تحقيق الشراكة المتوازنة الحافظة لمصالح العراق

2- ان على دول الجوار مسؤولية تاريخية في دعم العراقيين للدفاع عن مصالحهم بالقدر الذي يساهم ايجابيا في بناء العراق حسب رؤية وقناعة العراقيين ويدعم كل منهم ضد الارهاب . فالارهاب قد تكون ساحة اليوم العراق ولكن ليس بالضرورة ان يقتصر عليها بل سيشمل محطات اخرى وبالتالي ضرورة التعاون الجاد الامني في تحجيم قدرات الارهابيين يشكل حجر الزاوية الذي سيستفيد منه الجميع لذلك فتبنى مشاريع مواجهة الارهاب ليست بالضرورة حماية لمصالح الاجنبي بقدر ما هو خطوة هامه الى ان يعم الاستقرار المنطقة والدفع باتجاه الحوار كوسيلة لعلاج المشاكل والازمات

3- علينا كعراقيين تشجيع فرص الحوار الدولي – الاقليمي بشأن مصلحة العراق فالمبادرات التي من شانها ابعاد العراق عن الصراع يجب ان تنضج لايجاد المساحات المشتركة بين العاملين لصالح العملية السياسية ومن هنا فان المباحثات الامريكية – الايرانية المزمعة عقدها في بغداد وبحضور الجانب العراقي وامم المتحدة ستكون مفيدة في التصدي لابعاد العراق كساحة صراع ، بل اننا ندعو تفعيل مثل هذه المبادرات مع باقي الاطراف المجاورة وان يصبح العراق طرفا فاعلا ايجابيا يساهم في خلق الاجواء الايجابية ليس فقط في ابعاد البلد عن ساحة الصراعات بل يساهم في تخفيف حدة الصراعات

4- يجب اعتماد معايير واضحة للشراكة وحجم الشراكة تعتمد اساسا على مدى تجاوب الدول الاقليمية والدولية في التعاون مع العراقيين في تحقيق برنامجهم السياسي والاقتصادي ، وتطوير الشراكة مناط بفعل مساهماتهم الجادة في سبيل ابعاد العراق عن مواقع الصراع و ان لا يستخدم جسرا لتحقيق المارب على حساب العراقيين بل يصبح محور وركيزة اساسية في مدى عمق العلاقة الاستراتيجية .

5- ان هناك هامشاً كبيرا لدى الجمهورية الاسلامية للعمل على دفع العملية السياسية في العراق ، فالعلاقات التاريخية والعقائدية بين الشعبين اضافة الى ان ايران تمثل البلد الجوار الاكبر حدودا مع العراق ، اضافة الى ان كلا البلدين قد عانا من سياسية النظام الديكتاتوري وان ايران تطمح الى رؤية عراق قادر على الوقوف امام ظهور اي ديكتاتورية جديدة في العراق من شانها الاساءة للعراقيين والمنطقة وان المستقبل السياسي للعراق يرسم بيد ابناءه ، وان تطور علاقة الشراكة لتمثل معلماً يتحرك على المساهمات المشتركة بين البلدين ومهما ايضا في دعم استقلالية الرؤية السياسية العراقية والعيش بسلام مع الجيران .  

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com