مظالم التركمان والسكوت عنها من الذهب

يشار آصلان كركوكلي

المقاييس الصحيحة هي الحل وفقدانها هو المشكلة فحين تفتقد أمة مقاييسها الصحيحة تتخبط في كل شيء، لا تنهض من عثرة حتى تسقط في أخرى  ومشكلتنا في العراق دوما كانت في المقاييس الخاطئة التي رسمت طبيعة حركة النظام ، وأن صدام الذي يحاكم اليوم على خطوطه وتواقيعه على قضايا جنائية هو واحد من الشعب العراقي ومواطن كغيره كما هو الرئيس الطالباني اليوم والفارق بينهما هو في المقاييس، فتلك خاطئة تحاكم وهذه يفترض أن تكون صحيحة .لقد كان كلام القاضي رؤوف مصيبا حين تفوه فلتة في قوله لطه ياسين رمضان بأننا من خلالكم نحاكم الأجهزة وهو ما يعني محاكمة المقاييس التي حكمت العراق، وبعيدا عن الإسترسال في مواصفات ذلك النظام الشمولي الذي إختصر حياة الشعب العراقي كأقراص القمار في قنينة كان يحملها الرئيس في جيبه يغامر ويقامر بها متى شاء، لقد ولى ذلك النظام وإستبشر الناس خيرا منتظرين مقاييس النظام الجديد، وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات وطول إنتظار فوجئنا بالحقيقة المُرّة وأحداثها الداهية وبأن العقلية التي كانت ترسم المقاييس واسبابها قد تكون تسللت الى حيث كانت مع بعض التغيير في الشكل وفق مقتضيات المرحلة( بالنسبة لنا نحن التركمان على أقل التقادير) وكأن الأرواح التي خرجت من قمقمها لتسرح في الفضاء الطلق عبر مئات الصحف والأحزاب عادت كئيبة مهيضة الجناح، إنها لحظات المصير والبرهة التي تحيا الشعوب بإستغلالها وتموت باللامبالات عنها، ولأني لست بصدد تناول معظم المفردات الرئيسية للواقع الجديد ومقاييسها بما لها وعليها وهل المبتغى هي أم شكل جديد من القديم، فإني أتطلّع الى الخروج بنتيجة إجمالية عن تصور للواقع الجديد ومدى صحة وجدية مقاييسه ومفرداته بشكل عام من خلال قضية كركوك والتركمان كواحدة من أهم قضايا الضمير والوطن التي تندرج في قائمة مشاكل العراق الأبدية ما لم تحل على أسس صحيحة تلبيّ حقوق التركمان الطبيعية أسوة مع بقية الشرائح العراقية الأخرى.

صحيح أن النظام البعثي قد تعمّد تجاهل التركمان لأسباب قومية عنصرية وتاريخية معروفة فحاول بشتى الوسائل التنكر لواقعهم والنيل منهم ولكن الصحيح أيضا أن العهد الجديد وبدلا من رد الحقوق والإعتبار للتركمان فقد الغى وجودهم فعلا وأن السؤال الذي يستنطق الحجر قبل أي مثقف عراقي أو مسؤول شريف هو لماذا تجاهل الجميع التركمان اليوم في حواراتهم واللجان والهيئات الرئيسية في الدولة (فأين الخلل ؟ ) سؤال في غاية الوضوح يكشف عن طبيعة العقلية السياسية للنظام الجديد، وهل أنها إستعارة لنسخة من أرشيف الذاكرة البعثية في التعامل مع ملف التركمان في العراق، مع تقديرنا الكبير للدكتور الجعفري الذي سجل موقفا وطنيا شفافا بشأن كركوك والتركمان يشكر عليه وكل من وقف معه، كما نتوقع من خليفته الذي نهنئه من الصميم وندعوا الله له بالتوفيق والنجاح الوقوف على قضية كركوك بحساسية بالغة لما فيها من مفارقات كبيرة بين الحقائق والواقع . لقد تنازلت الأحزاب الكردية والإئتلاف لكتلة ( التوافق) في السابق حال كونها لم تشترك في الإنتخابات السابقة وعيّن الدكتور صالح المطلق نائبا لرئيس الوزراء في إطار ما سمّي بالإستحقاق الوطني وحكومة الوحدة الوطنية مع أن كيانه حصل على 11 كرسيا في الإنتخابات الأخيرة وكان التركمان قد حصلوا على 13 مقعدا في الدورة السابقة للبرلمان رغم توزعهم الى كيانات مختلفة وتعرض مناطقهم الإنتخابية الى هيمنة سياسة الحزبين الكرديين وميليشياتهم وهي ما قد أصبحت عارية مكشوفة الأهداف والوسائل ولا يحتاج الأمر الى تعليق، وما يقومون به في بغداد أشهر من ( قِفا نبكِ ) لقد قالوا نرفض الجعفري فرحل فكيف ( بكركوكَ بين الطوز شرقا وأربِلِِ )،  لماذا تجاهلوا إستحقاقهم الوطني بعد أن تجاهلوا تزوير الوقائع الإنتخابية ضدهم. ومتى كانت الإنتخابات مقياسا سكانيا أو إحصاءا للنفوس مع أن أغلب التركمان قد تجاهلوا الإنتخابات لأسباب معروفة وتوزعت بقية أصواتهم لكتل وصفت بالمذهبية في إطار الحمى الطائفية التي نأسف لحدوثها.

ومن خلال هذا المنبر الإلكتروني أتوجه الى ممثلي التركمان المحترمين في المجلس اللذين يتحملون فشل القسط الأكبر من مسؤولية الأداء في الدفاع عن كل حقوق التركمان، بأن مطالبنا لا تنحصر في وزارة خدمية أو غيرها وقد تساق من أجل مصالح حزبية ضيقة أو شخصية ما ، إنه الدفاع عن كل قيمنا وكرامتنا ووجودنا وحقوقنا وتثبيت كلها أسوة مع الجميع ،فلا حق من دون كرامة وإعتبار وقيم، إن كنتم توزعون ولاءاتكم الى أحزاب أو كتل أو جهات أو أشخاص متناسين دوركم الطبيعي والدستوري في الدفاع عن التركمان كشعب وتثبيت حقوقه العادلة بشجاعة أو تخشون من نتائج التصدي لهذه المهمة فإن التاريخ سيسجل عليكم إتهاما خطيرا والأقلام ستباشر في متابعة تفصيلاتكم فلا يجوز لكم المداهنة أو السكوت والصمت على كل هذه المظالم كما رأيناكم في الفترات السابقة (لا تتكلمون وإذا تكلمتم فبشكل خجول) وإذا كان هذا شأنكم فلماذا إخترتم ممثلية التركمان ؟

فمن خلال ما جرى من وقائع الأيام الأخيرة وأحداثها تبين صحة ما كنا قد أطلقنا عليه من التعبير في مقال سابق تحت عنوان (حذف التركمان من الخارطة السياسية قرار أتخذ بالإجماع) وأنه كان عن دراية بمجمل مفردات التعامل على أساس الخلفيات للأشخاص والأحزاب والخطط والمناهج .إن الحكومة الجديدة معنية بإتخاذ القرارات الوطنية الصعبة بشأن كركوك التركمانية وحقوق التركمان حفاظا على تماسك النسيج العراقي الموروث والرائع ومنعا لتقسيمه .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com