|
بيشمركة ... رمز عراقي أصيل د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق بمناسبة اعادة انتخاب الرئيس جلال طالباني رئيسا للعراق الفيدرالي وبدء أعمال مجلس النواب وانتخاب الهيئة الرئاسية له، وقرب الوصول الى إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة لقيادة العراق الجديد في المرحلة القادمة، وبمناسبة احتفالات العراقيين بالتحرير وسقوط صنم الطغيان. بمناسبة كل هذه الأفراح السعيدة المتزامنة مع الفتح الجديد للعراق الناهض علينا أن نتذكر صفحات طويلة، شاقة، ومؤلمة من نضال البيشمركة، البيشمركة الكوردستانية كجيش نظامي الذي حمى كردستان والعراق من براثن الجور والاستبداد، ضمن نضال ألاف مؤتلفة من كردستانيين أحرار هبوا حياتهم فداءا للوطن والشعب، وشقوا لطريق حياتهم عناء الزمن وصعاب الحياة وشقاء الدرب وزحمة السير لكي يمنحوا الشعب في زمن صعب أبناء بررة ليدافعوا عن الكرد وكردستان وعن العراقيين وعن العراق الموحد، ليحققوا حلم بناء بلد الرافدين بغير سلطان جائر، في زمن تسيد فيه الباطل وتغيب فيه الحق، في زمن كان للطغيان صولجان الحكم لعهود جائرة آسى منه الكرد بعظيم الأسى، وآلم منه أهل العراق بكبير الألم. أجل عوائل كردستانية تتعدى عشرات الألوف، قدمت لكردستان وللعراق أعز ما تملك من بنون ومال، من "بيشمركة" أبرار، ليكونوا الروح المتجددة للشعب، ويكونوا نبض القلب لكل بشر وشجر وحجر في أرض كردستان وفي أرض بلاد النهرين حتى يستمر العطاء وتتواصل الحياة. نعم "البيشمركة" ذلك الانسان الذي ناضل من أجل الشعب الكردستاني، ومن أجل عراق جدير بالحب في القلوب وقدير في العقول، هذا الانسان أصبح رمزا للحب وللحرية والعطاء. أجل "البيشمركة" الذي منح جبال الكرد رفعتها وهيبتها، ومنح سماء الكرد زهوها بتوفيق من رافعها الرحمن الرحيم ليحمي الكردستانيين من اضطهاد غير مسبوق على أهل المعمورة من قرون طوال. أجل هذا الكردستاني والرمز العراقي الأصيل، الذي كتبت عنه مقالا بنفس هذا المعنى من خلال هذا المنبر بعنوان "البيشمركة ذلك الاسد البابلي" اعيد فقراته وكلماته ليتسنى قراءته من جديد، لأن فعل هذه الرمز الوطني النضالي كان متسما بالعمل الإنساني النبيل مغروسة في قلوب الكرد والعراقيين، حيث منح العراق فخرا واعتزازا كبيرا، ومنح الكرد تاريخا مشهودا بالنضال الإنساني والفعل الأصيل النابع من الخلق الكريم. وبفعل هذا النهج السليم في السلوك والنضال الدءوب لهؤلاء النخبة المناضلة تم تحقيق مكتسبات وطنية للكردستانيين بصورة خاصة وللعراقيين بصورة عامة على السواء، خاصة بعد انتفاضة عام واحد وتسعين، حصل الكرد على حريتهم قبل العراقيين بأكثر من عقد بفضل صبرهم وكفاحهم ونضال بيشمركتهم المتسم بأخلاقية فريدة على ساحة الحركات التحررية في المنطقة، لأن الحركات السياسية الشرق الأوسطية وفي مناطق أخرى من العالم أتسمت طريق نضالها بأفعال إرهابية بعيدة كل البعد عن المباديء الانسانية والأخلاقية. وهذا ما لم تسلكه الحركة التحررية الكردية وقوتها النظامية البيشمركة الباسلة في جميع مراحلها النضالية، حتى في أوج حالات الضغوط الشديدة والقسوة والعنف الوحشي التي كانت تبديها الأجهزة القمعية والقوة العسكرية لأنظمة الحكم العراقية السابقة. أجل هذه القوة النظامية "البيشمركة" التي تشكلت لدى الكردستانيين هي قوة مستقلة فيدرالية أنيطت بها دستوريا حسب الدستور الدائم مهام الدفاع عن شعب إقليم كردستان ضمن العراق الفيدرالي. وليس بخاف على أحد من القيادات الوطنية العراقية، أن القوة النظامية "البيشمركة"، إضافة الى نضالها الدءوب ضد نظام صدام ومهامها النضالية، كانت لها الفضل الكبير في توفير الأمان والحماية لهم طيلة فترة بقائهم على أرض كردستان، وهم يتذكرون بكل فخر يوم حمى هؤلاء الناس الشجعان كل أفراد المعارضة العراقية في جبال كردستان في السابق، أيام النضال ضد النظام الجائر، يوم لم يكن في أرض العراق من بقعة أمينة محررة للنضال الوطني، لترفع صوتها وقلمها وسلاحها ضد حكم الطغيان والاستبداد. أجل هؤلاء "البيشمركة" منحوا كردستان في مخاضها ونهوضها وصعودها، شجرة مباركة بشهاب كردية تحت ظلال مقدسة من أرواح استنشقت شهادة السماء قبل ان تستنشق شهادة الأرض لتسرع من إشراق شمس حر، طال غياب شروقه على أرض كردستان في هه ولير والسليمانية ودهوك وكركوك، حتى عجل بشروقها سواعد القوة النظامية "البيشمركة" في الانتفاضة الربيعية فحاطوا كردستان بهالة من النصر المبين، صالت ببريقها الى كل بيت في العراق، على رضابها وسهولها وجبالها، مانحة الأمة أملا راسخا بحياة جديدة على أرض افتخرت بها الأنبياء والرسل قبل أن تشق طريقها الى القلوب التي توارثت بقاءها ووجودها على بقعة سحرية، تغنت بها الطيور في السماء، والشهب في الفضاء قبل أن تتغنى بها حناجر الكردستانيين في غابر الأزمان. أجل هذه اللحظات الأليمة المرتبطة بفراق نفوس غالية، صالت مع أبنائها صولات النضال ضد طاغوت، طاغوت رصد كل ما في ارض السواد لزهق أرواح الكردستانيين، وقلع الجذور التي كانت تطلق نبتة وحياة كردية في أرض غرزت في أرجائها نفوس شبت ان لا تنادي بها إلا باسم كردستان، وأرض غرزت في أرجائها نفوس أن لا تنادي بها الا بإسم العراق. أجل هذه الأرض المعطاء في العراق وكردستان، شهدت مسيرة أجيال متعاقبة من كرد أصلاء، لم ترضى إلا ان تهب من أرواح "البيشمركة" الشهداء بساطا مفروشا لقوم أصيل يوم نودي يا ملة العراق "ملة أور وبيتواتة إبراهيم عليه السلام "، يا ملة بردا وسلاما، حان قطف ثمار كفاحكم بثمار عراقية بهية، ثمار الأرواح العزيزة من البيشمركة التي روت أرضا خصبا عزيزا من كردستان أرض الكرد ونبع الأمة العراقية، فأنبتت كروما وتينا وجوزا وسماقا كرديا، وأنبتت شجرة لأطفال العراقيين ليرفعوا بسيقانها علما زاهيا للحب وللحرية وهم ينشدون لبغداد وكردستان بحناجر مصقولة بعذوبة الينابيع الجبلية، وممزوجة بعنفوان "البيشمركة" ذلك الكردستاني والرمز العراقي الأصيل.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |