قبل فوات الأوان

نضال نعيسة

sami3x2000@yahoo.com

تثبت الأحداث المتتابعة، وبعيداً عن الخطاب الرسمي المتفائل للإعلام العربي، بأن الأمور في طريقها نحو مزيد من التأزم، والانفجار هنا، وهناك. فهاهي أحداث سيناء القريبة توحي بأن هناك الكثير من الرغبة لإحداث موقف عام من البلبلة والفوضى والقتل والدمار. وهناك من هو على أتم الاستعداد لتوجيه ضرباته القاتلة في أي وقت من الأوقات دون مراعاة لحرمة، أو دار. وقد لا تكون هذه التطورات، سوى رأس جبل الدمار الظاهر والقادم، إذا لم يتم التعامل مع هذا الملف الحساس، بالكثير من الحكمة، والخبرة، والسرعة قبل أن يصبح أمن الجميع، بلا استثناء في خبر كان. وليس الخيار والحل الأمني هنا، ودائماً، هو الحل الوحيد والخيار الأمثل. ولا يغيب عن البال حزمة الإصلاحات المجمدة هنا وهناك بفعل أدلجة الموقف والرغبة الظاهرة بالالتفاف عليه، وإطالة أمد البقاء. ولا يخفى على كثيرين أن تكون وراء هذا، وفي بعض الأحيان، أجهزة نافذة غايتها خلق شعور عام ما، يخدم سياسات، وقرارات معينة كالرغبة مثلاً في تمديد حالة الطوارئ هنا وهناك. ولكن بمطلق الأحوال، لا دخان بغير نار، وهناك تيار في المجتمع يرحب بهذا الخيار، ويدعو للجوء إليه، وما الإطلالات المرعبة، والمتعاقبة، لنجوم الإرهاب بين الفينة والأخرى مستغلين حالة التراخي السلطوية في معالجة استفحال الفكر الغيبي في المجتمعات، واستعداد هذه المجتمعات لتقبل هذا النوع من العلاج، لا بل قيام كثيرين بالتهليل والترويج لهذه الأفعال المنافية لأبسط قواعد القانون، بسبب شيوع ثقافة الإرهاب، إلا دليل على ذلك، وعلى مدى الإصرار من قبل البعض للمضي قدماً، في هذا الطريق حتى النهاية. وأما غموض موقف هؤلاء، وأماكن تواجدهم، ومن يقف وراء كل ذاك، فهي أسئلة أخرى وذات طابع، مختلف، ومثير، وخاص.
إنه مرجل يغلي، ويحفل بكل أسباب التطاير، من المحيط غرباً، إلى الخليج شرقاً. ولا يوجد منطقة آمنة بعيدة عن احتمالية الانفجار، وأصبح لكل رقعة خصائصها الذاتية وخريطتها الجينية الطائفية التي تميزها عن محيطها المتآكل، لكن يلتقي الجميع عند نقطة ما. فإن سمات النظام العربي برغم اختلاف مسمياته، وتباين أشكال حكمه، هي واحدة، وتقف بنسق متراص تعاضد بعضها بعضاً. سياسات قصيرة النظر، وفئات حاكمة، تمثل عائلات، وأفراداً ومصالح آنية وذاتية ضيقة، في ظل غياب تام وكامل لمفهوم الوطنية والسيادة والأمن الوطني الذي أصبح هو أمن هذه الفئات. ولقد تماهي مفهوم الوطنية مع شخصية الزعيم والقائد في كثير من الأحيان، وأدى لغياب تام مفهوم المواطنة الذي لم يكد أن يتبلور بعد ما سمي بثورات الاستقلال، وتراجع الشعارات والاعتبارات الوطنية الأخرى لصالح خطاب طائفي تفتيتي انقسامي أصبحت عنواناً عريضاً للكثير من المجتمعات، وصار كل ذاك ثقافة بديلة بل ومقبولة لدى قطاعات واسعة من الشرائح الاجتماعية الأقل معرفة ووعياً وطنياً، وإلماماً بمخاطر هذا الخيار الجنوني الذي يتقدم بشكل كاسح ودون أية محاولة جدية لإيقافه. ولعل الإذعان، والرضوخ له، في بعض الصفقات، والتوافقات السياسية التي تحصل هنا وهناك تظهر مدى انتشاره، والقوة النسبية، وبعيداً عن فئة العقلاء، التي يتمتع بها على الأرض.
ومن عوامل الغليان الأخرى، الاستئثار التام بالثروة، وخيرات البلاد، والإمعان في سياسات الإفقار، وحرمان الغالبية العظمى من التمتع بأدنى متطلبات الحيات،(هنا استثناء في توزيع الثروة في بعض الدول الخليج بسبب قلة عدد السكان ليس إلاّ). كما أن الاستئثار أيضاُ، بالقرار الوطني برمته، ومصادرة كل أدواته، والاحتكار المطلق لوسائل الإنتاج والإعلام، والانعدام الكامل لحرية التعبير والكلام، وغياب أية استراتيجيات، أو محاولات تحديثية للبنية المجتمعية، والسلطوية التي تعرضت للتآكل والاهتراء بفعل عامل الزمن والتغيرات الجذرية التي أصابت الحلبة العالمية، فيما لا زالت هذه النظم المترهلة تجتر خطابها بنفس النبرة والحماس والأبواق، معيدة إنتاج نفسها، لتغوص في ماضوية مزرية لا تستطيع أن تثبت ذاتها إلا من خلالها.
كما أن انعدام البرامج والخطط الاقتصادية التي تواكب الزيادة في عدد السكان والحاجات المتنامية للمجتمعات، ناهيك عن الروافد التراكمية الهائلة التي تصب في ذات الإطار، أدت إلى تشكيل طبقة عريضة من العاطلين عن العمل والفاقدين للأمل، الذين تلاشت لديهم أية بارقة أمل بخلاص شخصي، أو تغير نوعي في حياتهم، مما جعلت تقبّل فكر التطرف، والانغماس فيه أمراً سهلاً لديهم، مدفوعين برغبة عارمة للانتقام، والانقضاض على المجتمعات التي لفظتهم، وهمشتهم. الأمر الذي أدى بدوره أيضاً، لجعلهم لقمة سائغة، وأرضية جاهزة، وخصبة للجماعات التحريضية، والظلامية التي تمتص حماسهم، وفورة اندفاعهم العاطفي لتوجهها بالوجهة والمكان، وتضعها في الاستراتيجية التي تخدم الأهداف الأساسية لهذه الجماعات البعيدة، والقريبة المدى.
تلك الظروف مجتمعة، لا تولد سوى عوامل اليأس والقهر والإحباط لدى معظم الغالبية المطحونة والمهمشة وتحولها إلى قنابل قابلة للانشطار والانفجار في أية لحظة.
تتنامى يومياً، بسبب ذلك، هذه الحالة الخطرة من المواجهة الشاملة بين مكونات المجتمعات المختلفة، وحالة الصدام المستديمة بين الأأنظمة والمجتمعات، وهو خطر داهم، وماثل لا يبدو أنه سيوفر رقعة من هذه الأرض التي تميد بشتى عوامل الغليان. وعلى جميع، دول وحكومات وشعوب هذه المنطقة الملتهبة، ومن منطلق الأمانة الوطنية، والمسؤولية التاريخية، وقبل فوات الأوان، أن تعالج كل أسباب الاحتقان والفوران، وعوامل الانزلاق الأخرى في خطر الفوضى الشاملة. ومن هنا يتوجب عودة سريعة للأنظمة باتجاه المجتمعات، وعودة الجميع للأوطان المهجورة عبر سنين الفرقة، والطغيان. وأن يتكاتف الجميع، وبجد، للحيلولة دون هذا المد الإرهابي والفكر التدميري، الذي يعصف بالمجتمعات واتخاذ كافة التدابير والسبل، والإجراءات العملية الكفيلة بعودة الحياة إلى طبيعتها ولا يعتقدن أحد أنه بمأمن أبداً، عن ألسنة النيران، ولهيب البركان بعد أن تقع الفأس في الرأس. فقد يُعرف تماماً، مَنْ، وأين يشعل عود الثقاب، ولكن من المستحيل التكهن بالمدى، والمكان الذي ستصل إليه الحرائق، وألسنة النيران.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com