الحركة العمالية  النقابية في العراق ومعركة إثبات الوجود

 

المحامية سحر مهدي الياسري

أتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق

saharmahdi63@yahoo.com

بدأت  حركة التجمعات العمالية بالظهور والنمو منذ آواخر العقد الثالث من القرن الماضي وأخذت التكتلات السياسية ترعى هذا النمو وتدعم هذه الحركة رغم محاولات أصحاب السلطات المستبدة والمصالح الشخصية آنذاك في إستئصال جذورها وقد تشكلت فعلا بعض التكتلات العمالية البدائية على أساس الحرف والمهن ولكنها حوبت محاربة شديدة وسرعان ما قضي عليها لضعفها وقلو عدد اعضائها . لكن الانقلاب العسكري في العراق عام 1936 قد أظهر بدايته الرغبة في دعم الحركة التقدمية والحركة العمالية لذلك فقد ضمت الوزارة الانقلابية بعض قادة الحركة التقدمية والاشتراكية في البلاد وجاء في منهاج هذه الوزارة لاول مرة وجوب الاهتمام الخاص بحالة العمال وتشجيعهم على تأسي النقابات لهم بقصد رفع مستوى الصناعات  وتحسين أحوالهم المعيشية غير أن تبدل الاوضاع السياسية في العراق بالاطاحة بوزارة الانقلاب ونتيجة التطورات الدولية أدى الى تبدل السياسة المتبعة من حكوماته تجاه الحركة التقدمية والعمالية فأخذت هذه ا لسلطات تستعمل ضدهم أنواعا مختلفة من أساليب العنف والشدة والتضييق الى آواخر الحرب العالمية الثانية حيث أجيزت بعض الاحزاب وبعض النقابات العمالية بممارسة نشاطها ومنذ عام 1946 أجيزت بعض النقابات العمالية ولكن ما ان بدأت هذه المنظمات في أعمالها ألا وجوبهت بالقمع والارهاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة ووقعت الكثير  من محاولات الاعتداء والاغتيال والعنف والارهاب ضد قادة وأعضاء النقابات العمالية وخصوصا ما بين الاعوام 1945-1958 في المدن العراقية ذات التجمعات العمالية في بغداد والموصل والبصرة والنجف والحلة وكركوك على الرغم من أن قانون العمال العراقي رقم 72 لسنة 1936 وقانون العمل الاخير رقم 1 لسنة 1958 قد نصا على تشكيل النقابات العمالية غير أن نصوصهما بقيت حبرا على ورق نظرا للسياسة الحكومية المعارضة للحركة العمالية .

بعد أنقلاب 14 تموز صدر القانون 82 لسنة 1958 منظما لبعض شؤون الحركة النقابية في العراق ثم صدر بعد ذلك نظام وجائب وحقوق النقابات رقم 39 لسنة 1958  ونظام النموذج الاساسي للنقابات رقم 39 لسنة 1958 ينظمان بعض شؤون الاجرائية للنقابات العمالية وبقتضى ذلك عادت النقابات العمالية بالظهور وبدأت بتأسي منظماتها منذ أوائل العام 1959 كما قد أجيز تأسي أتحاد عام لهذه النقابات بتاريخ 12-11-1959 وكانت لهذه النقابات فروع في الالوية والاقضية والنواحي يزيد عددها على الثلثمائة  فرع اغلق بعضها وتوقف نشاط  بعض النقابات الاصلية منذ عام 1961 ثم بدأت السلطات تلاحق النقابيين البارزين وتعمل ضد الحركة النقابية لتأثرها ببعض الاتجاهات السياسية التي كانت مؤثرة في حينه فألغيت الهيئات الادارية للنقابات العمالية من قبل الحاكم العسكري بعد أنقلاب 8 شباط عام 1963 وعينت هيئات أدارية جديدة لها من قبلها موالية لحكم الجديد وهكذا تحولت الحركة العمالية في العراق بصورة علنية الى ما يشبه الخلايا والقواعد للحركات السياسة الحاكمة والسائدة في البلاد تتلاطمها أمواج وعواصف التطورات العامة والخاصة الى ان صدر قانون تعديل قانون العمل رقم 171 عام 1967 والذي ألغى أحكام وقواعد النقابت العمالية المهنية المتعلقة بالعمل وأصحاب العمل ووضع محلها قواعد وأسس للنقابات العمالية المهنية المتعلقة بالعمال وأصحاب العمل  ووضع محلها قواعد جديدة لنقابات العمال فقط وكان الاجدى ان يسمى قانون نقابات العمال على وجه الاستقلال ولكون هذا القانون قضى على مبدأالمساواة ما بين العمال وأصحاب العمل في حق التجمع والتنظيم النقابي الذي أقرته التشريعات الدولية والعراقية السابقة فلهما الحق ذاته ولكن هذا القانون ألغى حق أصحاب العمل بصورة مباشرة في التنظيم النقابي ولم يضع قواعد جديدة لهم وجاء هذا القانون بقيود مختلفة على التنظيم النقابي العمالي في العراق بحي يمكن أعتباره يعارض مبدأحرية التنظيم الذي نصت عليه الاتفاقات الدولية فنص مثلا على تقييد عدد النقابات التي يمكن أن توجد البلاد بما لايزيد على عشرين نقابة فقط ووضع لها أسمائها بالنص الصريح مما قد يالف رغبة العمال في تسمية نقاباتهم ولايحضى على موافقتهم الادارية لو أعطيت لهم حرية التنظيم النقابي وبعد أستلام حزب البعث للسلطة عام 1968 صدر قانون عمل جديد عام 1971 فرفع القيد عن عدد النقابات وأستمرت سياسة الدولة بالتدخل بفرض الهيئات الادارية للنقابات العمالية وتم قمع عدد من الاضرابات العمالية بالقوة وأتباع سياسة ملاحقة القادة النقابيين من غير المنتمين الى حزب البعث ومحاربتهم الى أن أختتمت هذه المرحلة بالقرار 150 لسنة 1987 الصادر من مجلس قيادة الثورة بتحويل عمال القطاع العام الى موظفين وأصبح عمال القطاع العام وهم النسبة الاكبر من اليد العاملة العراقية لان النظام الاقتصادي يقوم على تملك الدولة لوسائل الانتاج وصدر قانون العمل رقم 71 لسنة 1987 وقانون التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987 والذي سمحا بقيام النقابات في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني وأن تجسد هذه النقابات ( أهداف ثورة 17-30- تموز أي أهداف حزب البعث ) ومنع قيام نقابات عمالية في القطاع العام والذي خضع العمال فيه لقانون الخدمة المدنية وفقدوا حقهم بالتنظيم النقابي بدعوى ألغاء التمييز الاجتماعي ضدهم وتحقيق  المساواة بين المواطنين وشهدت الحركة النقابية تراجعا كبيرا خلال هذه الفترة بسيطرة القيادات البعثية على الحركة النقابية وفرض مرشحين من المكتب المهني على الهيئات الادارية لهذه النقابات فكانت النقابات العمالية للقطاعات الخاص والتعاوني والمختلط ضعيفة ولاتأثير لها على الصعيد السياسي والاقتصادي وحقوق الطبقات العمالية التي تمثلها .

بعد الاحتلال الامريكي و أنهيار دولة الحزب الواحد لم يتغير التشريع  لقانون العمل والتنظيم النقابي ولم يلغى قرار مجلس قيادة الثورة رقم 150 والذي منع قيام نقابات عمالية في القطاع العام على الرغم من ألغاء مئات القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورؤة ولكن يبدوا أن الجهات السياسية الحالية في العراق سارعت لالغاء القرارات التي تتعارض مع مصالحها الشخصية فقط دون تلك القرارات التي تقوض أقامة نقابات عمالية حقيقية على الرغم من نشؤ تعددية نقابية في العراق ألاان تأثيرا الفعلي ضعيف في كل الاصعدة ولم تستطع أستقطاب الطبقة العاملة بشكل فعال ولم تؤسس لتنظيم نقابي فعال ولم تتلقى أي دعم جاد من الحكومات العراقية المتعاقبة بل العكس شهدنا تدخلات لايمكن السكوت عليها من فرض اتحاد عمالي وتنصيب بعض السياسين التابعين لاحد أحزاب السلطة الموالية للاحتلال على الاتحاد العمالي العراقي وأعتبرته الاتحاد الرسمي الى حل هذه النقابات والى وضع يد الحكومة على أرصدتها وأملاكها والى دعم اتحادات عمالية بواجهات طائفية وعرقية لعرقلة قيام نقابات عمالية حقيقية وشرذمة الحركة النقابية العمالية لمنعا من أخذ دورها في بناء عراق جديد قائم على أحترام حقوق أبنائه جميعا دون أي تمييز . لازالت الحواجز التشريعية عائقا يحول دون قدرة هذه النقابات على بناء تنظيمات نقابية حقيقة قوية قادرة على حماية مصالح أعضائها ومجتمعها ونأمل أن تشهد المرحلة المقبلة بناء نقابي حقيقي فعال متعدد وأن يلغى أي تشريع يحول دون حق الطبقة العاملة العراقية في التنظيم النقابي والحق بالمفاوضة الجماعية وووقف كافة أشكال التدخل الحكومي في شؤون النقابات او في فرض هيئات أدارية غير منتخبة والدعم الحكومي الجاد لتاسيس نقابات عمالية قوية

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com