|
عود على ما بدأته في بغداديتي السابقة والتي كانت تحت عنوان (صايه وصرمايه)، إذ كنت قد وعدت السادة القرّاء الكرام بهذه الحلقة من البغداديات بعنوان (كوّر اشماصار)، وهائنذا عند وعدي: تبدأ القصّة مع الطفيليين القدامى أمام حضرة قدّيس بغداد السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني (رض) حيث يتدافع الطفيليون مع الزوّار الذين ينتظمون بالدور منتظرين (السره) دورهم لغرض الحصول على (طاسه) كأس من (الشوربة) الحساء يسكبها الطبّاخون للزوّار بقصد التبرّك. فمن الطبيعي أن يكون هناك (خبصة) ازدحام وتدافع عندما يبدأ الطبّاخون بسكب الشوربة للزائرين. ومن طبيعة غالبية الزوار والذين يشكّل النسبة الكبيرة منهم الباكستانيين وقليل من الأتراك والعراقيين، أن يكتفوا بقليل من هذا الحساء، فترى بعضهم يكتفي بـ (غاشوكة) ملعقة وملعقتين لأجل التبرّك فقط لا غير. و لكن من الطبيعي أيضا أن لا يكتفي الطفيليون ومن يسمّون بـ (المجادي) بطاستين واكثر، إذ إن هدفهم ليس التبرك، بل إشباع بطونهم من هذا الحساء الذي يقدّمه المحسنون بالمجّـان. ولذلك ترى بعضهم يسرع بالتهام كل ما تحتويه طاسته بسرعة فائقة مهما كانت درجة حرارة وسخونة هذا الحساء مرتفعة فيكوي بها حلقه وأمعاءه ويهب مسرعاً لأجل الحصول على طاسة ثانية وربما ثالثة قبل أن ينفذ ما في (الجدر) القدر وما تسمّى باللهجة العاميّة البغدادية بـ (الصفرية) من حساء. فترى أحدهم وهو (يكرع ويلفط) يلتهم ويشفط بشراهة محتويات طاسة الشوربة، ترى وجهه قد احمرّ وانتفخت أوداجه وجحظت عيناه وسال دمعها وتدلّى مخاط انفه وهو يهمّ بالانقضاض على آخر جرعة متبقّية في الطاسة ليرجع طالباً طاسة اخرى ثم اخرى. و المثل المتعارف عندهم في وصف هذه الحالة التي تمرّ بهم أثناء إسراعهم بالطعام فيوصفونها: إن جرعة الشوربة الحارة عندما تنزل إلى الحلق بداية، ويشعر الحلق بالاكتواء بحرارتها يصيح حينذاك فم الطاعم (حلقه) ويقول: حار. و بمجرّد أن يسمعه (الزردوم) البلعوم يأخذه الخوف مما سيأتيه من الحرارة الكاوية فيصيح مستغيثاً: يا ستّار! أمّا البطن الجوعان، وما أدراك ما البطن (فكم من ذهب إلى نار جهنم من اجل بطنه ومعدته)، فالبطن بهذه الحالة ورغم صراخ الحلق والبلعوم تجيبه: كوّر اشماصار،: أي لا عليك اعطني أي شيء أكان حاراً أم بارداً، حلالاً أم حراما مهما كانت النتائج فهي لم يعد لديها صبراً على الجوع. و ألان عزيزي القارئ الكريم: كان ذلك السرد كله (قصة كوّر اشماصار) من نتاج الطفيليين القدامى، علماً انا لا الوم هؤلاء الطفيليين القدامى، بل افتّش لهم الاعذار لأجل حالتهم المعيشية التي دفعتهم الى ان يبحثوا عن لقمة عيشهم بهذه الطريقة في بلد يعوم على بحار من الذهب الأسود (النفط) الذي بمقدوره أن لا يبقي على فقير يبحث عن سد رمق جوعه فيه. أمّا نحن ألان وفي مشكلتنا مع ٍالطفيليين الجدد فالمأساة تتفاقم، فجلهم (الطفيليون الجدد) من الذين قدروا أن يدبّروا ليس ما يسد رمقهم فحسب، بل ويضمن مستقبلهم ومستقبل أولادهم واحفادهم، فأصبحت امبراطوريّات من رؤوس الأموال المكدّسة في البنوك العالمية والاصول غير المنقولة من أملاك وشركات تدر عليهم الأرباح الهائلة، ومع كل ذلك ألا أن جشعهم لا يتوقّف ونهمهم من استلاب حقوق وأقوات المستضعفين لا حدود له. فكما يوجد من يبحث عن الملهوف لإنقاذه ويسارع بالخيرات والمبرّات بالسر ولا يعلم أحد بإحسانه إلا الله خوفاً من الرياء الذي يذهب بثوابه واجره عند الله، كذلك بالمقابل من ذلك برز هؤلاء الطفيليّون الجدد، مصاصي دماء عيال الله الذين يقول عنهم نبي الرحمة محمد (ص) الفقراء عيال الله. الخلاصة عزيزي القارئ الكريم: من ضمن ما هو مطلوب منّا في مشروع اعادة اعمار العراق. المطلوب من كلّ عراقي شريف يحرص على رفاهية وسعادة أبناء شعبه المظلوم أن يفضح ويعرّي هؤلاء الطفيليين الجدد سواء كانوا (موامنه) وسياسيون يتاجرون بالدين والشعب والوطن، على حساب الدين والشعب والوطن، المطلوب فضحهم وتعريتهم إمام الجماهير الطيبة والبسيطة التي انطلت عليهم أحابيل ومكر هؤلاء الطفيليين الجدد والذين لولا بساطة القسم من أبناء شعبنا لما استطاع هؤلاء الطفيليون المجرمون بناء إمبراطورياتهم المالية وكوّنوا إقطاعيات للعوائل المالكة للحوزات العلمية الدينية والوطنية على حساب شعب يتضوّر جوعاً وهو يقيم على بحيرة من الذهب الأسود ويرتعب إرهابا وهو القادر على دحر أضعاف هذا الإرهاب الموجّه إليه لولا العصي التي يضعها في عجلة تقدمه هؤلاء الطفيليون الذين لا يقلون شراً عن الإرهابيين. ودمتم لأخيكم
ملاحظة هامة: ------- قد يخيّل للبعض بأني انشغلت بالطفيليين الجدد ونسيت ارهاب من يسمون بن لادن والضواهري واصبعهم النجس الزرقاوي(مفرّق صفوف العراقيين وعدو الشيعة والسنة على حد سواء) الذي زرعوه في العراق خدمة سريّة غير معلنة لاسيادهم الانكلو امريكان المحتلين. كلا والله: فان الزرقاوي وبن لادن والضواهري لم يكونوا الا النسخة الثانية لهؤلاء الطفيليين الجدد فكلهم من طبقة واحدة ومعدن واحد، وكلهم اعمالهم تصب في صالح طول امد بقاء الاحتلال الذي نأمل من الله ان يزول قريباً بجهود أبناء الرافدين الغيارى، فهم (أبناء الرافدين) لهم التجربة الاولى التي ضربت مثلاً يحتذى به لكل العالم في دحر وطرد بريطانيا التي كانت تسمى عظمى سنة 1920، وهم نفسهم (ابناء الر افدين) الذين سيتحرّر العراق على ايديهم بالقريب العاجل باذن الله وان اختلفت الاساليب عن ذي قبل. المهم نسأل الله ان الله يحمينا من غدر المقرّبين امّا الاعداء فنحن باذن الله نتكفل بدحرهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |