مليشيات البعث والأزارقة

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

يبدو إن مسلسل الأزمات هو الأسلوب المحبب للعراقيين، فمن أزمة تشد الأنفاس إلى أخرى أشد من التي سبقتها، حتى نخالها النهاية الحتمية، خلال الأزمة أو الموسم السياسي الجديد، يتبارى السياسيون بطلعاتهم البهية على الفضائيات يتبارون بتقديم النصح المبطن بأنواع التهديد وحتى التهديد الصريح والخطب الوطنية الرنانة التي لا تخفي كثياب الإمبراطور جميع الرغبات المحرمة، وفي النتيجة ينتهون إلى حلول تعتبر من البديهيات في السياسة وتبقى القضية الكبرى والأساسية معلقة.

الموسم الحالي في سوق السياسة العراقية عنوانه المليشيات، وبالرغم من أنها كانت وراء كل أزمة من الأزمات التي مر بها البلد، إلا أنها بدت وكأنها جديدة، لأن في السابق كان يتم التباحث حول جميع المسائل وتبقى مسألة المليشيات معلقة، وكأنها أمر لا علاقة له بالأزمات التي يمر بها البلد! وبالرغم من أننا لا نستثني مليشيا محددة عند الحديث عن المليشيات، لكن نجد من يحاول مستميتا أن تكون هذه التسمية لصيقة بمليشيات الجنوب وكوردستان فقط، وكأن المليشيات التي تنتشر منذ سقوط النظام في المنطقة الغربية غير معنية بالأمر! في حين هي أس البلاء والإرهاب والتخريب والفوضى والاستهتار، وهي المقصود قبل غيرها من هذه التسمية. وهذا ما حاولت أن أضعه أمام القارئ الكريم اليوم ومن خلال عدة مقالات تحليلية سابقة، ليكون العراقي على علم في بواطن الأمور، إذ لم تكن الأزمات التي سبقت هذه الأزمة سوى أشكالا مختلفة لها، لأنها هي الأزمة الحقيقية المستعصية على الحل.

ما كان للعملية السياسية أن تدوم كل هذه الفترة لولا أن هناك مليشيات دخلت على الخط لتشيع الرعب والقتل وتقوم بكل أنواع التخريب والرذيلة والجريمة، سميت هذه المليشيات بالإرهابيين تارة، والعصابات المسلحة تارة أخرى، كما وسماها البعثيون والسلفيون بالمقاومة ضد الاحتلال، وكانت هذه المليشيات هي السبب بنشوء وتطور مليشيات الجنوب تحديدا بعد أن أشبعوهم قتلا على الهوية، فقد جاءت، وقد حذرنا من هذا الأمر أكثر من مرة، كرد فعل للمليشيات الإرهابية التي كان قوامها فلول النظام والسلفيين والمجرمين العاديين الذين يبحثون أبدا عن بيئات قذرة للعمل، لكن بالرغم من أن مليشيات الجنوب قد جاءت كنوع من الدفاع عن النفس أو كرد بالمثل، لكنها سرعان ما تطورت لتقوم بأدوار أخرى لتحقيق أهداف والمشاريع سياسية لم تجد لها بيئة مناسبة قبل أن تضرب مليشيات الإرهاب والرعب ضربتها ليصبح البلد في حالة فوضى عارمة.

الغريب اليوم حين نتحدث عن حل المليشيات نجد البعثيين من دعاة المقاومة لا يعتبرون عصاباتهم مليشيات بل يعتبروها مقاومة مشروعة ومن يدافع عن نفسه ما هو إلا إرهابيا مليشيويا، وعليه حل مليشياته! هذا المنطق الغريب الأفلج الذي لا يقف على أرض ولا مسوغ، يحاولون باستماتة أن يفرضوه على الشارع العراقي هذه الأيام! والأغرب من هذا، فإنهم لا يطالبون فقط بتجريد المليشيات من سلاحها، ولكن يريدون تجريد الشعب والجيش والشرطة من سلاحهم أيضا، ويريدون للقوات المتعددة الجنسية الانسحاب من العراق معتبرين أنفسهم الشرعية المطلقة، حتى الزرقاوي يبدو أنه قد سال لعابه أمام المناصب التي سوف يحظى بها العراقيين من رفاقه في الإرهاب والجريمة، فراح يهدد هو وأعوانه من خارج الحدود بالويل والثبور لمن يتجاوز على حقهم ويتنكر لجهودهم الجبارة بقتل الأطفال العراقيين والمتسوقين من الشيعة الروافض وذبحهم على أساس الهوية بعد قطع الطرق المؤدية لمناطقهم، فالظواهري ظهر علينا بالأمس وهو يعدد عملياتهم المباركة بقتل الأطفال، والزرقاوي يذكرهم بأنه ومليشياته هي التي حمت النساء من اغتصاب الروافض لهن! ولم نسمع ممن يدافعون عن المقاومة المزعومة، بكل أسف، من يحتج على الزرقاوي وهو يوجه هذه الإهانة لهم وللشعب العراقي بكامل أطيافه، وكأنهم يتفقون معه ضمنا فيما ذهب إليه!

ربما وصل إلى علم الزرقاوي أن الحصة التي وعدت بها العصابات المسلحة من العراقيين كبيرة، فراح يبحث عن حصة له ولرفاقه المتعفنين من سقط المتاع الإنساني، ولا ندري لحد الساعة ما إذا كانت الحصة التي وعدوا بها العصابات المسلحة تعتبر جزءا من حصة أبناء المنطقة الغربية كونهم الحماة لهذا المكون على حد زعمهم؟ أم ستكون حصتهم مضافة إلى تلك الحصة التي يتمتعون بها بعد أن دخلوا العملية السياسية متأخرين؟ لننتظر بعض الوقت حتى تتكشف المباحثات السرية التي يقوم بها الرئيس العراقي والأمريكان مع هذه العصابات الإرهابية، أما الأزمة التي تليها، بلا أدنى شك، ستكون نزع سلاح الأزارقة وتخصيص حصة أخرى لهم بعد الاعتراف بفضلهم كحماة للنساء.

من خلال التعتيم المتعمد على المفاوضات الجارية مع الإرهابيين نستطيع القول جازمين أن هناك صفقة لا يقبل بها المنطق السليم تحاك خيوطها لتظهر إلى العلن بعد أن يستوي الزعماء الجدد على كراسيهم، سوف لن يكون منطقيا التنازل عن المكاسب التي حققوها من العملية السياسية الجارية، لذا فإن المناصب أو الحصص التي ستتمخض عنها المفاوضات ستكون على حساب جميع الأطراف السياسية المشاركة في العملية السياسية حاليا بدون استثناء، كون المقاومة هي عراقية وليست مناطقية وتنتمي لمكون محدد كما يزعمون دائما، وهكذا ستكون حصتهم مضاعفة مقابل بضعة بنادق من مخلفات الجيش القديم، وسوف يتحول أشباح المقاومة إلى أشباح بمسمى جديد وبأسماء عراقية خالصة، لأن الملثمين الذين يضربون اليوم مجرد أشباح لا هوية لهم ولا أحد يعرف لهم عنوان، لذا ستكون مسألة انضمامهم لتنظيمات أخرى عملية شكلية وواردة جدا، وسيبقى دائما هناك من يوحي للآخرين بأنه ممثلا شرعيا للحديث عن هذه الجهة أو تلك، وهكذا سيبقى الابتزاز السياسي من خلال الإرهاب مستمرا ولن يتوقف مهما كانت الحصص التي حصلوا عليها، حتى ينتهي الأمر بالاستيلاء الكامل على السلطة، وهذا هو برنامجهم الذي أعلنوه منذ اليوم الأول ولم يتبدل أبدا.

أي إن الإرهاب الابتزاز سوف يستمر مهما قدمنا من تنازلات، وهذه هي النظرية البعثية بالسياسة سواء كانوا في السلطة أم خارجها.

يقول أستاذ علم السياسة بجامعة بغداد الدكتور جابر حبيب جابر "من جهة الجانب النفسي للشارع العراقي فإن المأزق السياسي الذي استغرق زمناً طويلاً لحله ورافقته كلف مدمرة ساعد عليها الشلل السياسي والحكومي، جعلت هذا الشارع مترقباً ومرحباً بل وراضياً بأي حل سياسي." أليس هذا هو الهدف من وراء الإرهاب المنظم والمستمر من قبل أشباح لا أحد يستطيع أن يحدد لهم انتماء أو هوية واضحة؟ ألم يعد هدف السياسيين واضحا بالتنكر لأي علاقة معهم؟ لهذه الأسباب نستطيع القول أن السيناريو الذي بين أيديكم ليس بعيدا عن الواقع، لأنه لم يكن مستندا إلى نظرية المؤامرة، بل يستند إلى واقع الحال الذي تفصح عنه مجريات الأمور على الساحة السياسية، حيث مازال هناك من يفاوض موحيا للآخرين أنه يمثل الإرهابيين، وفي النتيجة، أي بعد الحصول على تنازلات، يتنصل عن علاقته بالإرهاب والجماعات المسلحة لتاتي جهة أخرى تزعم همسا أنها الممثل الشرعي للإرهاب لتحصل هي الأخرى على تنازلات. كل هذا لأن الشارع العراقي أصبح اليوم على استعداد للتنازل مقابل الخلاص من الحالة المزرية التي وصل لها، وليتها تنتهي عند أول أو ثاني تنازل.

هكذا نستطيع القول أن هناك من يحاول أن يحقق أهداف البعثيين النهائية بالعودة متفردين بالسلطة مرة أخرى بوسائل متجددة وخبيثة وأكثر دهاء وخسة.

من هم أعضاء المليشيات الإرهابيون ومن هم المقاومون؟

من الذي يستطيع الإجابة على هذا السؤال بشكل واضح وحاسم؟

ومن الذي يدعم المقاومة ومن الذي يدعم الأزارقة وغيرهم من الإرهابيين؟

وهل وضعت المقاومة المزعومة علامات فارقة تميزها عن الإرهابيين؟

ومن الذي سيضمن أن دمج الإرهابيين في العملية السياسية سوف يوقف الإرهاب؟

ومن الذي يستطيع الجزم أن الأزمات التي تسببها هذه المليشيات سوف تنتهي عند حد أو تنازل معين؟

ومن الذي يقبل بكل هذا الابتزاز الذي لا نهاية له؟

وأي قوة على الأرض تستطيع أن تعيد التاريخ مرة أخرى للخلف بعد أن تحرر الشعب من أنظمة الرق التي استمرت خمسمائة عام متواصلة؟

دعوني أكون صريحا أكثر، حين قبل الشعب ورحب بمشاركة الجميع في العملية السياسية، لم يكن هذا الأمر بداية لتنازل، بل هو إحقاق للحق، أما المحاولات المحمومة للحصول على تنازلات أكثر، فإنه يعتبر ابتزاز من خلال الإرهاب وتمزيقا للعراق ونارا تحرق الجميع، أولهم الأزارقة والبعثيين.

وأنا أكتب هذا المقال كان المدعو د. إبراهيم الشمري (ربما اسم مستعار أو شخصية وهمية) يتحدث من خلال فضائية الجزيرة ويدعى أنه المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسلامي وجيش المجاهدين، يقول بتصريحه أنهم يرفضون الدخول في العملية السياسية ويدعون إلى عدم إلقاء السلاح.

وهذا يعني أن الإرهاب والابتزاز والتنازل سوف يستمر مادام هناك أشباح تبقى تحمل السلاح، ومادام هناك شعب يقبل بأي حل للخروج من حالة التهديد المستمر من قبل الإرهابيين له، وهذا ما يؤكد الاستنتاجات التي وصلنا لها في هذا المقال بالذات.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com