|
يحكى انّه كان هناك حمالاً يشتغل في خانات ( التتن ) بيع التبغ، و يدعى هذا الحمال دخيّل، وكان رزق دخيل الحمال هذا من شغله بالحمالة ( قوت لا يموت ) كما يقول المثل الشعبي العراقي، فهو كالسمكة التي اذا اخرجت من الماء فانها تموت، اذ لا يكاد يتعطّل يوماً واحداً عن العمل ليرتاح إلا و يجوع، ولهذا كان إذا علم بوليمة في بيت من البيوت كان يسارع إليها فرحاً لأنها ستسد جزءً من رمقه. ومن طبيعة المستضعفين الذين هم على شاكلة دخيّل أن يتكتّلوا جماعات و محاور و يخبر أحدهم الآخر عن مكان و زمان ( العزيمة ) الوليمة و عن صاحبها وعن ماذا يوزّعون فيها من أكل و شراب و حلويات. و في أحد الأيام و بينما ( مجلس الحفـّاي ) الطفيليين منعقد، إذ ورد أحدهم ليصف لهم عزيمة حدثت قبل يوم في أحد البيوت و كيف انهم قدّموا على مائدتها أجود و احسن ما لذ و طاب من الطعام، واستشهد بـ دخيّل الذي شاهده وقت الوليمة خارجاً من المحلّة البغدادية التي حدثت فيها تلك الوليمة. فأجابه دخيّل بأنه صحيح كان قد ذهب إلى ذلك المكان الا انه لم يدخله لأن أصحاب الدار ( المعازيب ) اشاروا عليه باشارة بسيطة انسحب على أثرها و لم يدخل للعزيمة و لذلك فهو لا يعلم شيئاً عن ماذا كانوا قد طبخوا و ماذا قدموا من طعام و ضيافة. و حقيقة الإشارة التي قال عنها دخيّل بانها بسيطة هو أن صاحب الدار عندما أدخل المدعوّين وجد ان الطعام لا يكفي لكثرتهم، فاستعمل حيلة معروفة عند الطبّاخين بأن أضاف ملحاً كثيراً الى الطعام و زاد بالسمن على الرز ليجعل المدعوين يصابوا بالتخمة و يشبعوا بسرعة و بذلك يكتفوا بالقليل من الطعام. و لكن كل هذه المحاولات لم تنجح حيث إن الكثير من الذين قدموا إلى وليمته هم من غير المدعوّين اساساً، ولذلك اضطرّ لغلق أبواب داره، ومع ذلك بقى قسم كبير من المستضعفين و الطفيليين أمثال دخيّل واقفين بالانتظار عسى و لعلّ أن يفضل من الطعام شيئاً يدعوهم إليه فيما بعد. و عند ذاك نفذ صبر صاحب الدار و اضطرّ للصعود الى السطح ليرميهم بـ ( سطل ) دلو من ( مي الفوح ) فضلة ماء الرز الحار الناتجة من التصفية ليفرّقهم و يبعدهم عن داره. ولمّا كان دخيّل أحد المتجمهرين فسقط فيمن سقط عليهم ماء الفوح الحار، ولكون دخيل معتاد على هذه الحالات، لذلك اعتبرها إشارة بسيطة فانسحب على إثرها لألاّ تكون الرزالة التالية أشد وطأة من هذه ألاشارة البسيطة. و ألآن عزيزي القارئ الكريم : تطوّر الكثير من الطفيلييين القدامى، من طور تقبّل الرزالة والاهانة لأجل مصالحهم الخاصّة الى تطوير أنفسهم و التكيّف مع ظروف الذل و الامتهان حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه من بناء امبراطورياتهم المالية المستحصلة من الاتجار الغير مشروع بالحقوق الشرعية التي وضعها الله امانة في ايديهم كعاملين على ايصالها لهم فابتلعوها ليستكبروا و يتعالوا بها على عباد الله المتعفـّفين. واذا كان المسكين دخيـّل الحمّال قد فهم اشارة صاحب الدار و انسحب على اثرها صوناً لكرامته فان الطفيليين الجدد كنا قد عهدناهم لا يبالون بالاهانة و الرزالة مهما كبرت. أنا شخصياً من ضمن ما شاهدته بنفسي : أن شاهدت شرطياً من الأمن السوري، فرع الخارج المسمّى فرع ( 279 ) وهو يوبّخ أحد المعارضين لنظام صدام آنذاك و يقول له بالحرف الواحد : ( اسكت يا عرص ) و كلمة عرص باللهجة السورية تعني ( قواد ) أجل الله القارئين و السامعين، وهذا المعارض لم يكن ليتحمّل هذه الكلمة لولا إن مصلحته الشخصية تقتضي تحمل تلك الإهانة، أؤكد إنها مصلحة شخصية و ليست مصلحة العراقيين الذين كانوا يعانون سوء الحالة الأمنية والمعاشية، في حين كان هذا المعارض نافخاً نفسه كالطاووس إمام الناس الذين إن احترموه فانهم يحترمونه لأجل عمامته التي كان يعتمرها لألاّ تهان حتى العمائم الشريفة النظيفة التي تسعى جاهدة لخدمة المواطنين العراقيين و تخفف عن كاهلهم في الاغتراب القسري وهم كثر والحمد لله. أمّا ما كان ينقله العراقيون الذين كانوا ممتحنين في إيران من خفايا لهي اشد و اعظم ايلاماً منها في سوريا من سوء معاملة وتضييق للعيش في حال كان هؤلاء الطفيليون القدامى الجدد كانوا بأرغد عيش و اطيب اقامة في المناطق الراقية في شمال طهران و لكنهم لا يملكون القرار الوطني العراقي الذي يقدروا أن يدافعوا به عن أبناء الشعب المغترب، لانهم فيما بينهم و بين الحكومات المآوية لهم كانوا يتقبّلوا الإهانة من تلك الحكومات حفاظاً على هامش الامتيازات الفردية الخاصة التي كانوا يحصلون عليها منهم. عزيزي القارئ الكريم : الطفيليون الجدد الذين اشرت اليهم و الذين وردت الاشارة الى سوء اعمالهم من الذين كانوا يعيشون في سوريا او ايران،انما اوردتهم على سبيل المثال لا الحصر، و لم اقصد في ما ذكرت زماناً محدداً او مكاناً محدداً، وحتى لم اقصد طائفة او مذهب أو شريحة منظمة بعينها، بل هو نهج طفيلي يعتاش على الأزمات و ينتهز الظروف القاهرة، بل و حتى تنتهز هم الظروف الطارئة فيجيّرهم المؤآون لهم لأغراضهم و مآربهم الدنيئة. ومثل ما هم كانوا متواجدون في أيام التيه العراقي قبل سقوط نظام صدام كذلك هم من تواجدوا من الاسلامويين و العروبيين و البعثيين ( سواءً كانوا من العراقيين أو من غيرهم ) في أيامنا هذه في دول مهجرهم التي تصدرهم الى العراق لقتل الشعب العراقي و تدمير البنية التحتية للبلد العراقي المحطم حسداً و خوفاً من نهوض هذا البلد فيصبح انموذجاً ليحتذا به مما يهدد ذلك عروش الدول الراعية لهذا الإرهاب الطفيلي،اضافة الى خدمة غير معلنه لاطالة امد الاحتلال الاجنبي البغض لعراق المقدسات. عزيزي القارئ الكريم : أنا على يقين انك تتفق معي تماماً بأن من تهون عليه كرامته، غير قادر ان يصون كرامة شعبه، و بالتالي فهو غير جدير بأن يتسنّم أية مسؤولية أو يؤتمن على اية مصلحة من مصالح ألناس. من يهن يسهل الهوان عليه..... ما لجرح بميت ايلام. ودمتم لأخيكم
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |