الحروب الاهلية .. والحلول السحرية

ياسر سعد / كندا

Yassersaed1@yahoo.ca

من العراق الى فلسطين تترد ومن زمن التحذيرات او بالاحرى التحريضات على حروب اهلية توفر على الاحتلال الكثير وتحمل لمشاكله وازماته حلولا سحرية تشغل البلاد والعباد عنه في موجات قتتل وإقتتال, ان كانت لها بدايات معروفة فإن نهايتها غامضة ومسالكها معبقة براوئح الدماء والاشلاء والالآم والمآسي المفجعة. يتحمل المجتمع الدولي عموما والولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص مسؤولية اساسية عما يحدث في العراق من سفك للدماء وانتشار ثقافة الذبح السادية واساليب التعذيب الوحشية. فبالاضافة الى المسؤليات المادية والمعنوية لقوات الاحتلال حسب القانون الدولي, فقد تم عزف دولي مبرمج وبقيادة امريكية على اوتار الطائفية في العراق في مرحلة ما قبل الاحتلال الامريكي للعراق وبسنوات وتم تقسيم البلاد لثلاثة مناطق تحت مسميات الحظر الجوي والمناطق الآمنة وتذكر العالم بعد سنوات طويلة من الاهمال واللامبالاة مأساة حلبجة واكراد العراق المضطهدين.

امريكا غزت العراق تحت حجج وذرائع ثبت بطلانها واقتراف اصحابها الاكاذيب الفاقعة ولم يتبقى للادارة الامريكية من ذريعة تبر احتلالها الدموي سوى نشر الديمقراطية في العراق. الديمقراطية الامريكية حملت للعراق فيروسات الطائفية والتقسيمات الاثنية والدينية وميكروبات الفساد الاقتصادي ونشرت طاعون النهب وتفتيت الدولة وانعدام هيبتها والذي سمح واتاح للمليشيات والعصابات الاجرامية ان تكون لها اليد الطولى على قطاعات عريضة من الشعب العراقي المسحوق.

الديمقراطية في فلسطين والتي حققت انتخابات نزيهة ونظيفة -ولا مجال لمقارنتها بالمسرحيات الانتخابية الهزلية السوداء والتي جرت في العراق الامريكي- حملت للشعب الفلسطيني حصارا وتجويعا وعزلا. الشعب الفلسطيني يعاقب وبكل قسوة لإنه مارس الحق الذي تزعم امريكا انها جاءت للعراق لترده الى اصحابه من المواطنين البائسين. مقارنة سريعة لما يجري في العراق وفلسطين تؤدي الى إلحاق مزاعم الديمقراطية الامريكية بما سبقها من اكاذيب اسلحة الدمار الشامل وغيرها, وتظهر ان تلك الديمقراطية المزعومة ما هي ألا وسيلة للهيمنة على المنطقة العربية وربما تفتيتها وتشظيتها.

ما يؤلم في المشاهد الدموية والمآسأوية اليومية على الساحة السياسية العربية هو في الغياب شبه الكامل للمبادرات الاسلامية والعربية الرسمية كانت او الحزبية او الشعبية او حتى من رموز اسلامية لوقف نزيف الدم الهادر في العراق او التخفيف عن معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر والمجوع على مرآى من العالم ومسمعه, مع استثناءات محدودة للغاية. العجيب اننا نسمع صرخات تحذير من بعض المسؤولين العرب عن خطورة الحريق العراقي وعن امكانية امتداده للدول المجاورة, وبعد ان نستبشر خيرا من هذه اليقظة المطلوبة نفاجىء بصمت القبور يخيم من جديد على المشهد العربي والذي يتسابق في اطلاق مهرجانات الغناء والرقص والفرح والتسوق ويتنافس في تأسيس قنوات فضائية تعنى بالرقص وفنونه والعري ومجونه.

لقد اصبحت اخبار القتل والتدمير اليومية في العراق حدثا اعتياديا واصبح اعداد القتلى من العراقيين ارقاما لا يُهتم بها ولا يعتد لها في عالمنا العربي المنشغل باسعار الاسهم والبورصات هبوطا وصعودا. انه من المعيب والمخجل ان لا نسمع بمبادرات جادة وصادقة لإيقاف نزيف الدم العراقي وتجريم القتلة وتحريم دماء الابرياء مهما كانت انتماءاتهم ومذاهبهم. وإذا كان الرعب الامريكي قد شل اطراف السواد الاعظم من السياسيين والرسميين العرب فإين هم علماء الامة ودعاتها؟ وإذا كان ثمة من يدعو لحوار امريكي-ايراني حول العراق, فلماذا لا يكون هناك حوار شيعي- سني وعلى مستوى الامة حول ما يجري من مآس ومصائب قد تجرنا الى اعاصير وزلازل سياسية ومذهبية تأكل الاخضر واليابس وتفتت بقايا الدويلات الموجودة وتعيدنا الى عصر داحس والغبراء والعصور الحجرية في التفكير والتخلف والتبلد. ولتبقى منطقتنا العربية والاسلامية اسيرة التخلف العلمي والتقني تتخبط في متاهي الحروب المذهبية والاثنية مستهلكة ما ينتجه الكبار من السلاح ولينتهي المطاف بنا لتسول المساعدات الانسانية وبأعراض المسلمين تعرض في اسواق النخاسة والرقيق الابيض كما تنقل لنا الانباء عن بيع الصغيرات في العراق والمتاجرة بهن.

ان المبادرة وبذل الجهود المخلصة لإطفاء الحريق العراقي واغاثة الشعب الفلسطيني ليست من الواجبات الاخلاقية والانسانية فحسب, بل يجب ان تكون منطلقة ايضا من مصالح ذاتية تحتسب في ان الوقاية خير من العلاج. إن الجوع والقهر الممزوج بالظلم الاسود مع التعايش مع رائحة الدم والبارود هي وصفة اكثر من مثالية لتخريج اجيال من المتطرفين والمحملين بثقافة الكراهية والحقد الدفين على جلاديهم او من يظنون انهم شاركوهم ولو بصمت, جرائهم وتجاوزاتهم. اننا جميعا نتحمل اوزار ما يجري في العراق وفلسطين كل حسب امكانيته وقدراته لوقف هذه المآسي الدامية والمعاناة البشرية المؤلمة والمتواصلة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com