|
تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات سيقود إلى مشكلة واحدة كبيرة بقلم: أنتوني كوردزمان* (عن صحيفة نيويورك تايمز في 9/5/2006) ترجمة: رافع الصفار يعتقد بعض المثقفين والسياسيين بأن أمريكا تدفع باتجاه تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات قائمة على أسس اثنية-دينية، زاعمين بأن من شأن ذلك إيقاف العنف المسلح كما سيسمح للقوات الأمريكية بالانسحاب المبكر. لكنهم مخطئون في ذلك، فتجزئة العراق لن يخدم مصالح العراق ولا مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وسيفاقم من سوء أحوال العراقيين. المشكلة الأولى هي عدم وجود تقسيم اثني واضح بين الطوائف في العراق. وجميع الإحصاءات السابقة لم تظهر بشكل دقيق كيف وأين يعيش العرب السنة والعرب الشيعة والأكراد وبقية أطياف الشعب العراقي. لقد أظهرت الانتخابات التي مارسها العراقيون بعد سقوط صدام حسين وبصورة جلية بأن جميع المحافظات والمدن العراقية تضم أقليات ذات قيمة اعتبارية عالية. وهكذا فإن أية محاولة لتقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية سيتطلب إعادة إسكان أعداد كبيرة من العوائل العراقية، والذي من شأنه أن يدفع إلى العنف وإلى تدهور المستوى المعيشي للعوائل التي ترغم على النزوح إلى مناطق سكن جديدة، كما سيخلف إرثا من الخوف والحقد، ويكون سببا في تأخير إعادة بناء العراق سياسيا واقتصاديا. إضافة لذلك فإن العراق بلد حضري، وأن ما يقرب من 40% من سكانه يتمركزون في مناطق المدينتين الرئيسيتين بغداد والموصل اللتين تتميزان بالتلون الاثني والطائفي. ولقد شاهدنا في ايرلندا الشمالية والبلقان مدى الصعوبة التي يمكن مواجهتها في عملية شطر المدن. وفي حالة العراق ذي الحكومة المركزية، المنهار اقتصاديا والمتدهور جدا في مجال الخدمات، لا يمكن الفصل بين العنف والوضع الاقتصادي. وتقرير مصير كركوك المدينة النفطية سيدفع دون شك إلى المواجهة مع الأكراد. أما البصرة، ميناء العراق الوحيد، الواقعة تقريبا تحت سيطرة ميليشيا الأحزاب الإسلامية الشيعية ستفقد دون شك ما تبقى من شخصيتها الدنيوية في حال تم التقسيم. وأخيرا فإن تجزئة البلد تعني أيضا تقسيم الجيش وتقوية المليشيا والذي سيدفع نحو عنف أكبر بلا ريب. وبالطبع فإن التقسيم سيدفع باتجاه معارك أخرى من أجل السيطرة على النفط. فأكثر من 90% من عائدات الحكومة تأتي من تصدير النفط. العرب السنة في المنطقة الغربية حيث لا توجد حقول نفط مطورة، لن تكون لديهم عائدات نفطية. والأكراد يريدون حقول نفط الشمال لكنهم لا يمتلكون المسوغ القانوني لامتلاكها، ولا تتوفر عندهم الطرائق أو الأساليب الواقعية لتصديره، فالدول المجاورة لهم (إيران، تركيا، وسوريا) والتي تعاني من اضطرابات وحركات تمرد بين الأكراد لديها لن ترغب في مساعدة أكراد العراق في تحقيق استقلالها الذاتي. كما أن تقسيم العراق سيكون له آثاره السلبية أيضا على استقرار المنطقة والحرب على الإرهاب. الحركات الإسلامية السنية المتطرفة وارتباطاتها بتنظيم القاعدة تسيطر تماما على حركة التمرد السنية في العراق، والتقسيم من شأنه أن يزيد من قوة وسطوة هذه الحركات. وحرمان السنة العراقيين من دخل النفط سيدفع بالحكومات السنية العربية مثل مصر والسعودية الى مساعدتهم لتجنب سيطرة الحركات الإسلامية المتطرفة على هذا الجزء من العراق. إيران بطبيعة الحال ستقف إلى جانب شيعة العراق. الأكراد لن يكون لديهم أصدقاء، وستسعى كل من تركيا وايران وسوريا إلى زعزعة الاستقرار في الشمال وإثارة النزاع بين الفصيلين الكرديين الرئيسيين. كل هذا في النهاية سينعكس على باقي منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي ويؤدي إلى ظهور صراعات محلية وتوتر ديني سيدفع باتجاه التطرف والمغالاة. لقد ارتكبت واشنطن أخطاء كبيرة وخطيرة في العراق، والتي قد تكون سببا في نشوب حرب أهلية. إن تقسيم العراق سيجري بالأمور من سيء إلى أسوأ، وسيحمل رسالة واحدة الى العالم، ألا وهي هزيمة أمريكا وتخليها عن التزامها تجاه الشعب العراقي. لقد خربت الولايات المتحدة الأمريكية العراق، لذا فهي مسئولة مسؤولية كاملة عن 28 مليون عراقي. إن إستراتيجية الخروج المبكر من العراق الذي يعج بالمخاطر ودون العمل على ملء الفراغ السياسي الذي ستخلفه وراءها هي بالتأكيد إستراتيجية فاشلة. ________________________________________ * أنتوني كوردزمان عضو أقدم في مركز الدراسات العالمية والإستراتيجية ومؤلف كتاب: (The Iraq War: Strategy, Tactics and Military Lessons)
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |