|
البرنامج النووي الأيراني في طريقه إلى سيبيريا!
ساهر عريبي / خبير في الهندسة النووية تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيون من جهة وبين إيران من جهة أخرى على خلفية برنامجها النووي. ففيما تصر الولايات المتحدة على إن البرنامج النووي الأيراني ذو أهداف عسكرية وهو خطر على الأمن والسلم العالميين , ماأنفكت إيران تعلن أن برنامجها النووي سلمي وهو متطابق مع معايير معاهدة الحد من الأسلحة النووية وطبقا لضوابط الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلا أن حالة العداء والشك بالنوايا التي طبعت العلاقات الأيرانية الأمريكية خلال العقود الثلاث الماضية , قد دفعت بهذا الملف إلى ساحة المواجهة بين الطرفين. ولم تفلح جهود الوساطة الروسية والصينية ومن قبلها الأوروبية في نزع فتيل هذه الأزمة المتفجرة التي يمتلك فيها كلا طرفي النزاع أوراقا هامة لا يخلو إستخدامها من أثار سلبية على كليهما. فإيران تلعب بالورقة العراقية التي تستطيع من خلالها إحراج الولايات المتحدة الأمريكية وعرقلة مشروعها السياسي في العراق وبالتالي إظهار الأدارة الأمريكية بمظهر العاجز والفاشل في عيون الناخبين الأمريكيين وفي أنظار المجتمع الدولي. ورغم النجاح النسبي للعملية السياسية فأن الوضع العراقي الهش يجعل هذه الورقة رابحة في أيدي الأيرانيين تستطيع تحريكها متى ما تشاء. واما الورقة الأخرى الضاغطة فهي ورقة النفط التي ترعب إقتصاديات العالم الغربي , فإيران قادرة على عرقلة تدفق الأمدادات النفطية إلى العالم في حال حصول مواحهة مسلحة بين الطرفين وذلك من خلال سيطرتها على مضيق هرمز, وهذه الورقة من أشد الأوراق تأثيرا في هذا النزاع وقد ظهر مفعولها باكرا من خلال إرتفاع أسعار النفط بسبب الحساسية المفرطة للأسواق الأقتصادية العالمية, فضلا عن خلقها لحالة من الهلع في دول المنطقة.واما الورقة الهامة الأخرى فهي ورقة حلفاء إيران في المنطقة من منظمات وأحزاب ودول قادرة على خلخلة الوضع والأضرار بالسياسة الأمريكية في المنطقة. وأما الولايات المتحدة الأمريكية فهي الأخرى لديها عدد من الأوراق الرابحة التي تستخدمها في هذا النزاع. فهي تحظى بدعم من حلفاءها الغربيين وهي قادرة على فرض عقوبات على إيران لا سيما وأن إيران قد صنفت كدولة داعمة للأرهاب وبالتالي فأمكانية أصدار قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات إقتصادية أو إستخدام القوة العسكرية هو أمر محتمل. ومن ناحية أخرى فأن الدعم الأمريكي لجماعات المعارضة الأيرانية وكذلك التسويق للمشروع الأمريكي في أيران سيؤدي إلى إثارة قلق الأيرانيين. واما الورقة العراقية فهي رابحة أيضا فأي نجاح للعملية السياسي سيلقي بظلاله على الواقع الأيراني المتعدد الألوان والأعراق كما وأن التواجد الأمريكي وعلى مرمى عصا من الحدود الأيرانية قد أصبح مثار قلق الأيرانيين. واما التفوق العسكري الأمريكي فهو العامل الهام في هذا الوقت , فأمريكا قد احكمت سيطرتها على العالم تقريبا إذ لايكاد يخلو طرف من أطراف المعورة من الحظور العسكري الأمريكي.ولذا فأن أمركيا تستخدم اليوم أسلوب الحرب النفسية في هذا المعركة وذلك لثني الأيرانيين عن الأستمرار في برنامجهم النووي وحسم المعركة قبل وقوعها. ورغم كل هذا التصعيد الظاهري في لهجة الطرفين والتي تبدو فيه الأمور في طريقها إلى المواجهة إلا ان الواقع ان فرص حصول مواجهة عسكرية قد تضاءلت وأن الأزمة في طريقها إلى الحل. فكلا الطرفين غير مستعد لمواجهة اليوم. فالجانب الأمريكي الذي يعاني من أثار قرار شن الحرب في العراق رغم مرور ثلاث سنوات على ذلك , يبدو في وضع صعب لايمكنه من شن حرب جديدة في هذه الظروف. ولذا فإن الدعوة إلى عقد مباحثات مع الجانب الأيراني قد لاقت ترحيبا من الجانب الأمريكي الذي يريد حلا سلميا للأزمة. وحتى الجانب الأسرائيلي فهو الأخر أرسل إشارات إلى الولايات المتحدة تفيد بإستعداده للتعايش مع الواقع الجديد حتى ولو أفرز إيران نووية فهو قادر على ردعها. خاصة إذا علمنا بأن إيران بحاجة إلى ست سنوات على الأقل كي تنجح في إنتاج أول قنبلة نووية إيرانية في حين أن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل ترسانة نووية اليوم . وأما ايران فهي كذلك لاتريد المواجهة وتسعى لتجنبها, فهي غير مستعدة لوقف حالة النمو والتطور الأقتصادي والصناعي الذي تمر به وهي كذلك غير راغبة في التضحية بكل المكتسبات التي حققتها في السنين الأخيرة من أجل هذا البرنامج. إلا أنها وفي نفس الوقت لا تريد التنازل عن حقها في الأستخدام السلمي للطاقة النووية طبقا لمعاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية.وكذلك فهي لاتريد الظهور بمظهر الضعيف الذي يرضخ للأدارة الأمريكية الأمر الذي يحدث حالة من الأحباط داخل المجتمع الأيراني. فأيران قد حققت أهدافها وأولها الحصول على التقنية النووية وذلك بإعلانها النجاح في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5و3% . ولم يتبقى سوى إكمال دورة التخصيب سواء في إيران أو خارجها. ولذا فأن إيران تجد نفسها اليوم في وضع نفسي جيد لتقبل المبادرة الروسية لتخصيب اليورانيوم في روسيا. فالمهم هو بقاء وإستمرارية البرنامج النووي الأيراني ولو منفيا في غابات سيبيريا!!.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |