|
الكورد.. بين المفكر التونسي عفيف الأخضر والموسيقار محمد عبدالوهاب
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني قد يبقى أحدنا في الغرب عقودا دون أن يستفيد أو يفيد، وقد يموت دون أن يضيف شيئاً إلى ما حملته جعبة فكره ايام صباه وشبابه من تصورات راسخة رسوخ الجذور في باطن الأرض، أو يعرض ما لُقن من توجهات إلى شئ من التهذيب والتشذيب.. لا يتعلم فكرا ولا يفهم حضارة، بل لا يتعلم لغة، بل ليس من الغريب أن يُستدعى له المترجم حتى يتوفاه ملك الموت ويَسأله : من ربك ..! وهذه الظاهرة ليست شاذة، ويمكن تعميمها على نطاق واسع من دون كيف أو لماذا. ويمكن ملاحظة حالات أخرى أيضا، وهي أن أحدنا قد يصبح أشد تأخرا مما كان عليه فكره وهو في بلده، وأكثر تمسكا بتقاليده العتيقات، واكثر كراهية للإنسانية وأشد عنصرية وحنقا. وقد يتكون هناك وبحكم التربية لعقود أو بتأثير عواصف وصواعق الآباء والجدود وتأثيرهم اللامحدود، توجه سلبي مشترك بين قوم يختلفون عن بعضهم تدَينا أو تحزبا وقلوبهم شتى، إلا أن الغالبية منهم تحمل نفس الفكرة والتقييم تجاه مسألة ما، كما في الحالة التركية مثلا، حيث لا تكاد تجد فرقا بين تصور صائم قائم تجاه الكورد وبين علماني داع إلى فصل الدين عن الدولة بشكل دائم، أو بين فيلسوف وأمي، إلا من رحم ربي وشذ عن الجمع وسُمِّي بالغبي.. أحدهما يرفع والآخر يكبس، وبالتناوب.. ونرجو أن لا تكون تلك الفلسفة قائمة إلى يوم ( قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ؟!) . ولكن في الضفة الأخرى وإن كانوا اقلية، تجد من خلع عن فكره الأقنعة الفكرية التقليدية وإقتبس من نور الحياة الغربية ـ ما يفيده ـ شعاعا يسقطه على اطروحاته في تحليل المشكلات التي مازالت مجتمعاتنا تنأى بجانبها عنها، منها ما يخص قضايا الشعوب ـ كالقضية الكوردية الساخنة دائما وأبدا ـ .. هنا من الممكن أن نجعل مفكرا قضى جُل حياته في الغرب وهو الكاتب التونسي العفيف الأخضر، خير مثال على ذلك، والذي لم يجعله البعد الجغرافي عن كوردستان بعيدا عن إدراك وفهم وبالتالي طرح أفكار تخص مسألة الكورد، بما يمكن أن يصبح مساهمة في إثراء الفكر لحل أزمات عقدها سياسيو الشرق وسهلها وفكوا طلاسمها زملائهم في الغرب . وآخر ما قرأت لعفيف الأخضر كان مداخلة تحريرية، يبدو أنها قرئت في مؤتمر " اسبوع المدى الثقافي الرابع المنعقد في هه ولير عاصمة كوردستان " بعنوان " فيدرالية كوردستان كاقليم قائد ".. هناك يتبين للقارئ بأن عهد إهتمامه بالقضية الكوردية يعود إلى الستينيات حيث يقول " منذ الستينيات تعاطفت مع ملحمة الملا مصطفى البارزاني الذي قاد من كوردستان معركة الكوردية من أجل نيل حقوقها القومية والثقافية " ويضيف قائلا " وفي سنة 1969 كتبت في الإسبوعية البيروتية " الحرية " لسان القوميين العرب : اُمّتان مازالتا في الشرق الأوسط لم تنالا إستقلالهما، هما : الاُمتان الفلسطينية والكوردية " . ولم يتوقف الرجل عن متابعة القضية والسير معها، بل تواصل " وفي الثمانينيات والتسعينيات شاركتُ من باريس في أغلب المظاهرات التي قادها الكورد دفاعا عن حقوقهم القومية والثقافية المهضومة في العراق وإيران وتركيا.. هذه الأخيرة حافظت على تراث الخلافة العثمانية في إضطهاد الأقليات " و " عندما قرات في الأسبوعية " الوطن العربي " حديث الرئيس جلال الطالباني الذي وجه فيه نداءً إلى مثقفي العالم العربي لزيارة كوردستان للتعرف الميداني على تجربتها الرائدة، سارعت بضم صوتي إلى صوته وأمليت مقالا في إيلاف وفي عشرات المواقع الألكترونية وبعض الصحف العربية، قلت لولا أن المرض أقعدني لكنت أول المُلبين لنداء رئيس العراق الجديد، وطالبت المثقفين بتلبية النداء ". إن مثل هذه المواقف العربية العقلانية، جديرة أن تكون الموجه للذين يريدون أن يفهموا قضايا الشعوب على حقيقتها ويفكوا الحصارعن فكرهم بالتقرب من قاعدة ( ولا تمسكوهن ضرارا ) في العلاقات، ويرفضون كذلك الأجندة الجاهزة من قبل أصحاب المصالح الظرفية الآنية المنطلقة من تصورات وحدانية ضيقة الأفق وكثيرة الاضرار بأواصر الأمم في القرى والأمصار، كما رأيناها في العقود الماضية ونراها من طرف تركيا ـ على سبيل المثال ـ والتي كانت دائما وأبدا منطلقة من نظرية ( وقد أفلح اليوم من إستعلى ) المدمِّرة المُذِلة .. في وقت يريدون الدخول في حظيرة امم في اوروبا لا يدخل في بالها ومفاهيمها ما هو موجود ومعشش في دواخلهم وذهنيتهم الشوفينية المريضة، بل غادروها من زمان ولا يعترفون بها اصلا وقد يدينونها قطعاً إلى يوم ( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً ) . قد يكون من المتعذر التنبأ بمستقبل الأمور والمستجدات الحاصلة، ولكن قياسا بالماضي وبروز الحالة الكوردية في جنوب كوردستان وأعراضها وتأثيرها على العراق أولا ـ وإن كان على مضض ـ ومن ثم إنعاكسها على مسار الخط الفكري للعقلاء في جو الديمقراطية التي هي حديثة العهد ـ وبمرور الوقت ـ في المنطقة، قد يكون تحقق توقعات المفكر العفيف الأخضر التي أطلقها وبشر بها قبل عقد ونصف ممكنا و في متناول الأيدي والابصار قريبا، وذلك حين يقول " وعندما اصبح إقليم كوردستان ملاذاً آمنا ومستقلا عن حكم صدام منذ 1991 رأيت فيه طليعة لتحرير الاقلية الكوردية المضطهدة في تركيا وإيران وسوريا ونموذجا صالحا لكي تستلهمه كثير من اقليات الشرق الاوسط في نضالها لنيل حقوقها القومية والثقافية والمدنية والدينية " مع ملاحظة ـ كاتب هذه السطور ـ أن إضفاء صفة الأقلية قد لا يناسب الكورد على الأقل في حال كون نفوسهم حوالي 30 مليونا.. وكذلك قد يكون إعطاء صفة الدولة لكوردستان داخل المنظومة الفيدرالية أكثر ضماناً لتقوية الصلة بين شعوبها من إطلاق صفة الإقليم، تماما مثل فيدرالية الولايات المتحدة الأمريكية التي لو ترجم الأسم حرفيا من الإنجليزية لأصبح الدول المتحدة وليس الولايات المتحدة، كما يذكر الأستاذ الأخضر أيضا. من يدرس فكر المفكر عفيف الأخضر بشأن الكورد، لا يخالجه أي شك بأنه مطلع على قضية شعب كوردستان وعايشها حتى في جزئياتها واستقى منها العبر والدروس لعقود.. وقد يكمن أحد أسرار نجاح الكورد لنيل إستقلالهم وقطف ثمرة الحرية في المطاف الأخير واختصار " مدة العدة " في العلاقات، في إصرارهم على التمسك بهويتهم مهما تعرضوا إلى الإضطهاد او غلبتهم الغربة والتشريد والتهميش، وذلك من خلال حكاية طريفة يرويها الأستاذ الأخضر على لسان الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب : " كنت برفقة أحمد شوقي في دمشق، فلما إقتربنا من قبر صلاح الدين الأيوبي، قال لي : سأدخل لأقرأ عليه فاتحة الكتاب لانني كوردي مثله.. ويضيف عبدالوهاب : عندئذ عرفت أن أمير الشعراء كان من أصل كوردي، ولم يكن من أصل تركي كما كان يشاع " . ولعل حُسن الختام يقضي بان نستأنس بذكر بيتٍ على لسان امير الشعراء عن أصله وفصله، ولا اعلم فيما لو كان الأستاذ الأخضر مطلعا عليه من قبل، حيث يقول : سمعت بأذني من ابي وهو قائل من الكورد أصلي، جئت في العرب ناشئا مع إمتناني للمفكر كاكه عفيف الأخضر التونسي !
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |