اختلافاتنا البهية

 خالد صبيح

khalidsabih@msn.com

الأكراد مختلفون!

تهوي هذه العبارة كالصفعة في وجه كل من يحاول أن يطرح استحقاقا وطنيا يلزم الأكراد به باعتبارهم شركاء، بمشيئتهم، في الوطن. ولان الأكراد مختلفون فسيكون بالضرورة كل شيء يمت بصلة لهم كرديا،من اقتصاد، وسياسة، وثقافة. وكل هذا حسب الخطاب الكردي السائد مختلف ومتباين مع كل ماهو عراقي، فحسب هذا الخطاب أن الكردي ليس عراقيا.

  لااحد يكابر ويتنكر لخصوصية الآخرين أي كانوا، افردا أو جماعات. لان الخصوصية هي التكوين المطلق للمجتمعات مثلما هي للأفراد وعليه لايوجد عاقل يفكر بإمكان إلغاء خصوصية الأكراد، ولكننا نعرف أن المرء إذا التزم بنظرة متطرفة في إعلاء خصوصيته وتكثيف حضورها فهو يسعى ببساطة لإلغاء ماله من مشترك مع الآخرين. والأكراد بتكثيفهم لهذه الخصوصية وتركيزهم عليها يؤكدون أنهم سائرون باتجاه الفرقة مع من يتشاركون هم بإرادتهم معهم في الوطن. وان مشيئة التشارك هذه مؤقتة وعابرة، وهي طور أول اضطراري لبناء الدولة ـ الحلم.

  ليس هناك عاقل يمانع في أن يسير الأكراد باتجاه تحقيق حلمهم الأزلي في تقرير مصيرهم وبناء كيانهم المستقل. ولن يقف بوجه هذا الحلم الا انسان جاحد مكابر أو ذو نفس مريضة. فليس هناك أجمل من أن يحقق الناس، كل الناس، أمانيهم وأحلامهم.

  وحلم الأكراد هو الاستقلال، لكن الاستقلال، حسب خطابهم وحساباتهم، غير ممكن الآن بسبب الظروف العامة المحيطة بهم. وعليه ينبغي القبول بالعيش المشترك مع شركائهم في الوطن. وهم يؤكدون دائما على أنهم لايسعون للانفصال عن العراق بل إلى الارتباط به ضمن سياق يحقق لهم حقوقهم وخصوصيتهم، وهذا لاينبغي أن يمنعهم، بالتأكيد، من مواصلة الحلم.

  ولاضير في هذاّ. فليواصل أبناء الوطن الواحد العيش المشترك لحين توفر ظروف أفضل لانفصالهم الضروري موضوعيا وقانونيا.

 لكن هل الواقع هو حقا بهذه الصورة التي يحاول الساسة والمثقفون الأكراد أن يصوروه بها؟

 

بالتأكيد لا، وهنا مكمن الداء.

فالأكراد يلوون الحقائق ويطرحون مايدعون انه حلم بعيد، حيث لايمكن لأحد أن يمنع الحلم، كهدف عملي واقعي ينفذ يوميا وبطريقة مكثفة. وما العيش المشترك الا أطروحة برزخية للوصول إلى هذا الهدف. فالعيش المشترك له شروطه في الأخذ والعطاء، وما يمارسه الأكراد الآن، تحت ذريعة الخصوصية، هو اخذ دون عطاء.

 

كيف؟

 كل الخطاب الثقافي والسياسي للأكراد يفصح عن هذه الرؤية. برامجهم السياسية خططهم الحكومية، نقاشاتهم الفكرية وتبارزهم الإعلامي محافلهم الخاصة والعامة. جهود ونشاط ساستهم بالمحافل الدولية وفي أروقة السياسة والحكم العراقيين، كلها مساع من اجل تكريس فكرة الاختلاف وفرض الوعي بخصوصية صلبة للكردي تميزه وتجعل من المنطقي أن يكون له علمه ومؤسساته الخاصة مثلما له لغته وجغرافيته. وتضاف لها العصمة الخاصة التي تبعد الكردي عن أية شبهة، وتجعل له أمام الآخرين خطوطا حمراء لايقربها (الأنجاس). فتصير بهذا ميليشياتهم جيش تحرير، وأرضهم ملكهم وحدهم يصرفون شؤونها ولا يحق لغيرهم أن يتدخل بأي شان لهم مهما صغر فيما هم يتشاركون في تقرير مصير العراق، كل العراق.

 باختصار هم لهم شانهم وفرادتهم الممنوعة عن الآخرين فلا يحق للعراق، مثلا، أن يبرز وجهه العربي برفضه أن يكون وزير خارجيته كردياـ هنا ستبرز إلى السطح عراقية الكردي ـ بينما في أرضهم كل شيء كردي حتى الهواء والماء.

 هذا الواقع يؤكد حقيقة لايمكن لأحد تجاوزها هي أن الأكراد مختلفون حقا ثقافيا وعرقيا وبمختلف أشكال التكوين ألهوياتي الأخرى مما يؤهلهم تماما، زائدا تشوقهم السياسي الكبير، للانفصال. وإن تحقيق هذا الهدف ـ الحلم في ظل الظروف العامة المحيطة بهم يقتضي توفير الأرضية المناسبة له وهي، حسب ممارساتهم وتصوراتهم، شرذمة العراق وتفكيكه ليكون للاستقلال والانفصال مبررا موضوعيا لايمكن لأي قوة أخرى في المنطقة ممن تقف عائقا في وجهه أن تؤاخذهم عليه وبالتالي تعمل على منعه. فعراق غير موحد وفق كيانه الحديث سيكون الأرضية المناسبة لتحقيق الأكراد لحلمهم، وهم لهذا لايتوانون عن العمل ، بغض النظر عن الشعارات المزوقة ودعاوى حسن النية المزيفة، على الحث نحو هذا التفكيك عمليا، ونشر القناعة به خطابيا بالطعن بشرعية الكيان العراقي وادعاء انه تكوين هجين، وهذا يفسر كثيرا اهتمامهم بتفقيع الهويات الأخرى واختزال الإنسان بها وحدها. والذي يؤكده جزئيا تحالفهم ودعمهم غير المحدود للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية (الحكيم) الميال إلى تقسيم الوطن وفق ذات الرؤية المضخمة للخصوصية. فالمجلس الأعلى يكرس هو الآخر خصوصية الشيعة وفرادتهم ويسعى لإيجاد إطار ديموغرافي شيعي صرف ( مناطق الجنوب بعد طرد السنة منها) للوصول إلى فدرالية طائفية انقسامية.

 ومع إن هذه الطروحات مبثوثة في حيثيات الخطاب السياسي والثقافي الكردي تصل أحيانا فيه حد الاجهار الصريح، الا أنها، وهو أمر متعب ومقلق حقا، غالبا ماتكون غامضة، مغلفة، تحس ولا تدرك. لكن الأكثر إتعابا هو تشبث كثير من المثقفين والساسة العراقيين ، أما مجاملة أو ارتشاءا، بالقبول بممارسة الأكراد وعدم كشفها وتحديد أبعادها الخطيرة على وحدة العراق الوطنية المهددة بشكل جدي من هذا المشروع ومن تلك الممارسات.

 الا ينبغي بمثقفي العراق ان ينشغلوا قليلا بجدية التساؤل حول جدوى التشبث بوحدة أراض ضمن سياق يخدم فئة تريد الانفصال وتمهد له وتعمل، خدمة لمشروعها وحلمها، على تخريب وحدة الوطن كله؟. الا ينبغي بالمثقفين والساسة العراقيين امتلاك الجرأة لقول الحقيقة عارية ومطالبة القوى السياسية العراقية والدولة على اتخاذ خطوة عملية لوقف هذا الخطر وفصل كردستان عن العراق ليتسنى للجزء العربي ( مع تلاوينه القومية الأخرى) بناء دولة ومجتمع منسجم موحد يسير باتجاه مشترك واحد؟.

 لايتوقع بطبيعة الحال أن تنشغل الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة في العراق الآن في بحث أسئلة الوطن، مع مالهذه الأسئلة من مخاضات مبهجة، لأنها طبقة لاهية ومنغمرة في سباق الحصص المضني. لكن هموم الوطن تدعوا مثقفيه ممن ليس لهم غير العراق وطنا أن يعملوا، بطليعية، ولو لمرة واحدة في حياتهم، على إبقاء وطنهم ثابتا في عالم الخرائط الزلق.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com