|
حكومة المالكي والتحول في مسار الواقع السياسي خالد صبيح وأخيرا أعلنت تشكيلة حكومة السيد نوري المالكي بعدما غدا الوضع العام لايحتمل أي تأخير حيث لم يحدث في تاريخ أي دولة أن تأخر فيها تشكيل حكومة هذه المدة الطويلة(قرابة خمسة اشهر). لكن رغم المدة الطويلة هذه وما شهدته من حالات شد وجذب؛ بل وبسببه، بدا واضحا أن هناك استعجالا في طرح التشكيلة الحكومية، لان عوامل الضغط والحث على الإسراع كثيرة، مما انعكس سلبا على ما أعلن من إنها تأخرت من اجله، وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف، حيث اعترض نتيجة لذلك بعض من أفراد جبهة التوافق الوطني السنية وكل جبهة الحوار الوطني ( صالح المطلك) زائدا حزب الفضيلة الإسلامي عضو الائتلاف العراقي الشيعي الموحد ـ على توزيع المقاعد الوزارية، الأمر الذي عكس أولا حجم الاختلافات الذي يدل على ما يشبه الاستحالة في إمكانية جمع الفرقاء في إطار عمل حكومي مشترك وثانيا السعي المحموم لكل طرف لان يستحوذ( سواء كان مستحقا لذلك أم لا) قدر ما يستطيع على أي جزء حيوي في الحكومة. ـ ودلالات( التنازع على السلطة ) في هذا الأمر باتت معروفة ولاتحتاج للشرح. إن المطلعين على إشكالات الوضع العراقي، يدركون أن أمام حكومة السيد المالكي مهام جسيمة وخطيرة ( أعلنها في برنامج حكومته) تتطلب مستوى عال من التضامن والانسجام والجماعية في العمل الحكومي. وفي المقابل تتوفر لهذه الحكومة موضوعيا بعض العناصر الايجابية التي تؤهلها للتصدي لمهامها بقدر مناسب من الجدية والقدرة على الإنجاز. فأمامها، كما يفترضه وضعها القانوني، فسحة جيدة من الزمن (أربع سنوات) تعينها على بلورة مواقفها وتذليل الصعاب التي تواجهها ومراكمة مستوى من الخبرة العملية في إدارة شؤون البلد. وكذلك أنها حضيت بمستوى من التأييد وقدر من الإجماع أوسع مما حصلت عليه سابقاتها. بعد سعي السيد المالكي لان يضم إلى تشكيلته طيف واسع من القوى السياسية على أساس المشاركة الوطنية كما أسمتها الأوساط الرسمية أو المحاصصة كما هي في واقعها، وقد حقق السيد المالكي في ذلك بعض النجاح رغم امتعاض البعض واعتراض البعض الآخر. لكن السؤال هو هل تستطيع حكومة السيد المالكي بكل ما لديها وما سيتوفر لها في المستقبل من عناصر قوة على أنجاز مهامها ؟ أو على اقل تقدير أن تستطيع وضع العراق على عتبة طريق فك العقد وحلحلة الأزمات؟ الشك هو الإجابة الفورية على هذا التساؤل!. ولهذا الشك دواع عديدة. منها أن ليس في العراق حياة سياسية سليمة توفر الأساس الضروري لبناء منظومة عمل حكومي مثمرة، وان العملية السياسية فيه لا تسير بمستوى من السلاسة والمعقولية تتيح للخطط والبرامج أن تجد طريقها للتنفيذ. ومنها كذلك أن ما يعانيه العراق من مشاكل هو ذو طابع إشكالي، متداخل ومتشابك، وبقدر كبير من التعقيد، مما يستوجب طرح صيغ حل شامل مترابط وتكاملي. وفي الواقع تأخذ العناصر المذكورة في تفسير الوضع العام موقعي السبب والنتيجة معا. فبالقدر الذي يكون فيه تعقيد الوضع سببا لمشاكل التركيب السياسي يكون هو ذاته، في جدلية تبادل الأدوار والعلاقات، نتيجة وانعكاس لهذا التركيب المشوه. لان واقعا سياسيا يركب، بطريقة مصنوعة، وبقدر واسع من الحذق، على أسس طائفية وعرقية وقومية؛ بالتأكيد انه سوف يؤدي إلى تشوه في الطروحات السياسية والاجتماعية ويترك أثارا على أشكال ومضامين الحراك والوعي الاجتماعيين. فبينما لم ينقسم المجتمع العراقي وفق الصورة الطائفية العرقية التي تسعى القوى السياسية المتحكمة في العملية السياسية على تكريسها، ولايريد ذلك أيضا، تأتي الممارسة السياسية والخطاب السياسي للأحزاب والنخب السياسية هذه لتصنع واقع الانقسام وفق أجندة بعيدة عن متطلبات الواقع العراقي، ومن ثم تكرسه كمقولات ومؤسسات وطرق تمثيل في شكل مكشوف من السطو على وعي المواطنين ومصادرة لرؤيتهم. هذا يفضي بنا إلى الاستنتاج أن المشكلة في العراق هي ذات طابع تركيبي بنبوي. يتعلق ببنية العقل السياسي العراقي وبنية خطابه المتفارقة منذ تكوينها ألبدئي مع واقع المجتمع وتطلعاته. الأمر الذي أدى بها، ومن خلال التراكم والتسلط وتحريف الوعي، إلى جر المجتمع إلى مستوى انحطاطها هي. وتأسيسا على هذا يمكن القول إن أي حكومة مهما تتوافر لها من قدرات مادية طالما هي نتاج لهذا التركيب البنيوي المشوه ستكون عاجزة( حتى مع إخلاص أعضائها) عن إنجاز تحول في المسار السياسي المنحرف الذي وجد العراق نفسه، كدولة وكمجتمع، فيه. وعليه سيتواصل العجز وستعيد الأزمة إنتاج نفسها وستتراكم عتمة الواقع رغم النور الذي يحاول المتفائلون بالحكومة الجديدة نشره حولنا. والمشكلة في الجوهر لاتحل بإرادة قوى سياسية أو رغبة فرد ما، فعالم الوقائع لاتبنيه الرغبات الطيبة أو النوايا الحسنة، والعقدة تكمن في الواقع المرير الذي أفرزته بنى العقل السياسي العراقي المنتج لازمته وأزمة المجتمع. وما ينتظر الحكومة ليس الفشل فقط وإنما الانهيار، وسنشهد رحيلا مبكرا لهذه الحكومة كما لأي حكومة ستخلفها، هذا إن لم يدخل البلد في فراغ سياسي أو دستوري طويل يؤدي إلى تقويض شامل للحياة السياسية برمتها. إن استقرار أي حكومة في أي بلد يقوم أساسا على مستوى من التقارب والتشارك الوطني، بمعنى أن القوى السياسية التي تتصارع على المصالح والتصورات يجمعها قاسم مشترك ضروري هو وحدة الوطن واتساق المنظور السياسي عنه لدى الجميع، وهو ما تفتقده القوى السياسية العراقية المنقسمة طائفيا الآن، لان جزء أساسي من تجلي الأزمة الوطنية وتكوينها يكمن في مفهوم الوطن والمواطنة لدى الأحزاب السياسية التي تقود العملية السياسية، التي أحالت الوطن بسبب من ضيق الأفق والنظرة الاحادية إلى تجمعات بشرية صغيرة تجمعها وتوحدها الطائفة والعرق وليس الوطن كحالة للترابط والتكامل الجماعيين. وهذا اتاح الفرصة لبروز اطروحات طائفية انفصالية مفتعلة ومتعصبة. وما وسع في الميدان لهذه التصورات الاختزالية المشوهة للوطن هو الغياب الاختياري لقوى سياسية تؤهلها أسسها العلمية والوطنية لان تشكل بديلا وطنيا يقاوم ويفند هذه الرؤية التقسيمية. فجميع القوى العلمانية، إن جاز هذا التوصيف، بدلا من أن تواجه هذا القسر الطائفي للمشهد السياسي وتقاومه بطرح البدائل انخرطت هي نفسها في العملية السياسية وفق شروط الانقساميين أنفسهم مانحة إياهم الشرعية وموفرة لهم المناخ المناسب ليمارسوا تحركهم المؤذي في المجتمع. وتبدو حظوظ هذه الحكومة في النجاح، وفق معطيات واقع الانقسام الطائفي، شبه منعدمة مالم تحدث انزياحات في الوعي الشعبي تنهي حالة الهيمنة الطائفية في الواقع وفي الخطاب السياسي معا. ولكن وسط هذه الصورة السوداوية للواقع المحيط بنا ليس أمامنا سوى أن نبني آمالا عريضة في أن ينقذ العراق من هذا الواقع الصعب وزير العلوم والتكنلوجيا الجديد بقيادته لنهضة علمية تكنولوجية يحرر بها العقل والإنسان!.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |