|
النظام الأردني... على مفترق طرق د. عصام المصري منذ نشأت اللغة والشعوب، وبدء تشكل الأمم على هذا العالم، بدأ الإنسان يمارس أحد حقوقه الفكرية في تدوين تاريخه، ورسم معالم حضارته وإنجازاته بدءاً من الإنجازات البسيطة جداً كما فعل الإنسان الأول حين دون محاولاته صيد الحيوان، وصولاً إلى الشعوب المتحضرة التي دونت على المسماريات علوم الطب والفلك، في محاولة لتدوين تاريخها للأجيال القادمة، والشعب الأردني باعتباره هو الأخر شعب حضاري كباقي شعوب المنطقة، يتمنى الكثير من أبناء هذا الشعب الأردني اليوم أن يكتبوا يوماً تاريخ مجتمعهم وثقافته ورموزه أسوة بباقي شعوب العالم، لكنهم يصطدمون كالعادة بنظامهم (الغير أردني) الذي احتكر هذا الحق لنفسه منفرداً، وكتب بالمقابل تاريخه بعيداً كل البعد عن الحقيقة والواقع، حيث حوّل التاريخ الأردني والحضارة الأردنية لمجرد تدوين للإنجاز الهاشمي حول الاستقلال الذي منحته بريطانيا (منّة) على الشعب الأردني، وكذلك التغني بالبطولات الزائفة لأمراء آل هاشم على أرض الأردن، فهل يمكن أن يُنتج يوماًً مسلسلا درامياً عن التاريخ الأردني منذ عام 1916 وحتى هذه اللحظة؟! أو أن يُنتج عمل توثيقي أو درامي عن أحد الرموز الفكرية أو الثقافية الأردنية الذين تركوا أثراً في الأدب والثقافة والسياسة العربية ككل من أمثال عرار أو غالب هلسة أو تيسر سبول أو سليمان النابلسي أو عبد الله الريماوي أو نايف حواتمة... سيرضى الأردنيون بأقل من ذلك لو أن النظام الأردني يتبنى عملا عن ملكه المؤسس عبد الله بن الحسين ولكن دون أي مس أو تغيير لمجريات التاريخ!. بهذه الرغبات يبدأ صديق (شرق أردني) حديثه ليتابع ولكن في السياسة هذه المرة وليس في التاريخ، بأن النظام الأردني قد بنى استراتيجية حكمه على النحو التالي: إسرائيل بلد صديق وجار حميم أيام الحرب وأيام السلام (في السر والعلن)، بينما العلاقة مع سوريا هي على النقيض تماما فسوريا بلد عدو وجار لدود أيام الحرب الباردة وأيام النظام العالمي الجديد، بينما تختلف العلاقة مع العراق والسعودية ومصر حسب الحاجة ومقتضيات مصالح النظام التي تتقولب وتتغير حسب الاملاءات الأمريكية. يتساءل كائن من كان عن علاقة الأردن مع فلسطين والفلسطينيين، فيجيب رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين في مذكراته عن هذا السؤال بأن غلطة إسرائيل كانت في احتلال الضفة حيث كان من الأوجه والأفضل تركها في يد أمينة – قاصداً الملك حسين. فالتاريخ يشير إلى الإلحاق القسري للضفة الغربية إلى شرقي الأردن عام 1950 على يد الملك عبد الله الأول، وكان نتيجة هذا الإلحاق هو نقل المال والعقل والطاقات البشرية الفلسطينية من الضفة إلى عمان، ومن ثم تقديم الضفة على طبق من ذهب بعد أقل من عشرين عاماً إلى الصهاينة. لقد فصل الحكم الهاشمي بمؤامرته هذه فلسطين عن الفلسطينيين جراء إلحاقهم بنظام همه الأول والأخير إرضاء إسرائيل وأمريكا، بل والمتاجرة بفلسطين لقاء الدولارات التي أودعها الملك حسين في بنوك سويسرا ثمنا لبيع جده فلسطين عام 1948، ومن ثم ما تبقى منها عام 1967، وأيضا ثمن قتله آلاف الفلسطينيين في أيلول الأسود إكراما لعيون إسرائيل ووأدا لآخر رصاصة تطلق عليها من الأردن. إن ما يتوجس النظام الأردني منه هذه الأيام هو تحول أدواته وشروطه في البقاء والاستمرار، فللمرة الأولى منذ بضعة عقود لا يكون استهداف الأردن – ومن خلفه أمريكا- لسوريا هو فقط لاستضعافها فالأمور وصلت إلى كسر العظم، إلا أن الخطير في الوضع يتخلص في أن انهيار النظام السوري سينتج فوضى تطال المنطقة بأسرها تكون بداياتها في عمان. من جهة أخرى فان الوضع في العراق يزيد من احتمالية انعكاسه على الأردن، وهو وضع في سبيله إلى مزيد من التعقيد، وهو ما يحاول النظام الأردني مواجهته بفرض مزيد من القيود الأمنية، الأمر الذي يشكل صمام أمان وتهديدا للنظام في آن معا، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي بسبب غلاء أسعار النفط، وهو ما سيراكم مزيد من الاحتقان في الشارع لا يمكن تحديد ساعة الانفجار. وما لا يمكن تفسيره هو سياسة التحدي التي ينتهجها النظام الأردني، حيث أعلن قبل أيام اعتقاله لعنصر من تنظيم القاعدة على الأراضي العراقية، وهي رسالة استفزازية لكل الأطراف في العراق بأن للأردن نفوذ لا يستهان عليه، ولا يمكن التنبؤ بأي رد فعل مستقبلية على هذه السياسة. أما الحال مع الفلسطينيين فلا تبدو بأحسن حالا بعد أن أنقلب التيار الإسلامي في الأردن – وهو ما خلقه النظام لاحتواء الوجود الفلسطيني عنده ضد المد القومي واليساري تارة وضد المد الفتحاوي تارة أخرى- بعد تغير قواعد اللعبة عند حركة حماس، وستشهد الأيام المقبلة تحولات وانقلابات سريعة على الساحة الداخلية الأردنية سيكون لها جل التأثير في رسم مستقبل النظام الأردني. على مفترق طرق... الحكم الهاشمي في عمان: هل سيكون "فرق العملة" الباقية من حروب المنطقة المقبلة، أو " فرق العملة" الضائعة بعد تسديد حسابات أكبر.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |