الخضراء والفساد والامريكان

محمد حسن الموسوي

almossawy@hotmail.com

ليس المراد بالخضراء هنا خضراء الدمن التي نهى الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن الاقتران بها يوم قال( اياكم وخضراء الدمن) قالوا وماهي يارسول الله قال: (الحسناء في منبت سوء)اي الفتاة الجميلة التي نشأت في بيئة فاسدة كأن يكون ابواها من انصار (عقيدة) تبادل الزوجات او مايطلق عليه بـ(wife swept) او يكون ابواها من الملاحدة الذين يفتخرون ان ابنتهم كانت تحت شاب جامايكي مفتول العضلات قبل ان يأسر قلبها اشقر ازرق العينين ليفعلها معها في مخدعهما وعلى مرأى ومسمع منهما تحت عنوان الحرية الشخصية. لا ليس المقصود بالخضراء ذلك , بل المراد منها (المنطقة الخضراء) حيث تقبع النخبة الحاكمة المصونة وراء الاسوار. ورب وجه شبه بين الاثنيين اي بين خضراء الدمن ومرتع السادة الوزراء في المنطقة الخضراء وهو ان كليهما حسن الشكل سيء المضمون.

  أما الفساد فالمراد منه المالي والاداري الذي ُيعاني منه النظام السياسي العراقي وليس المراد منه الفساد الاخلاقي المتمثل بالعبث والفسوق والفجور وان كان ذاك من هذا اذ لولا فساد الاخلاق والضمائر لما نتج الفساد الحكومي الذي يدفع ضريبته المواطن المسكين مزيدا من الفقر والجوع والآهات والحسرات. وحتى لا نجانب الصواب ,نقول ان الفساد الحالي هو امتداد لفساد النظام البائد. وزاد عليه انه ولد ظاهرة (الحوازم) والتي تشير الى فساد الرؤوس الكبيرة من الوزراء والسفراء والمدراء وزعماء الاحزاب وسرقتهم لملايين بل ولمليارات الدولارات من قوت الشعب المنهك, بعد ان كانت هذه الحالة مقترنه بأزلام النظام البائد وحاشيته فقط. _ للوقوف على هذه الظاهرة انظر مقالنا الموسوم بـ (بين الحواسم والحوازم) ومقالنا الاخر (بين النكًري والحوازمي)_.

 اما الامريكان فالمعني بهم شقهم السياسي والمتمثل بالسفارة الامريكية في المنطقة الخضراء, والشق العسكري حيث قواتهم العسكرية التي تملاء الشوارع والمدن العراقية وفقا للقرار الدولي 1546 الصادر عن الشرعية الدولية الممثلة بمجلس الامن , وكذلك المعني بهم الملف الامني المعقد ومن يمسك به. وعلى العموم فان الخضراء والفساد والامريكان هي عناوين لثلاثة ملفات ساخنة يتحتم على حكومة السيد المالكي التعاطي معها بكل واقعية وحزم. وسنتناول هنا ما يعنيه كل عنوان من هذه الملفات الخطيرة.

 المنطقة الخضراء وجدت بعيد تحرير العراق لتحتضن القوى السياسية ( المناضلة) القادمة من الخارج والقوى ( المجاهدة) المنبثقة من الداخل. اصبحت هذه المنطفة بما تحتوية من قصور رئاسية فارهة وبنايات حصينة ومؤسسات حكومية مهمة وسفارتي امريكا وبريطانيا ومقر الجمعية الوطنية اصبحت عنوانا لسلطة الدولة والحكومة . استقر في هذه المنطقة المناضلون السابقون الذين افنوا عمرهم بمقارعة الجبت والطاغوت وذاقوا غصص الموت والهجرة والغربة وفراق الاهل والوطن ومنهم من قضى نحبه في المنفى دون ان تكتحل عيناه برؤية الوطن ومنهم من منًّ الله عليه بالعودة الى العراق فنال الشهادة ومنهم من ينتظر. ولكن تواجد مع هذه الطبقة المناضلة من السياسيين طبقة من الوصوليين الانتهازيين والذين لم نر لهم رسما او نسمع لهم اسما ايام الجهاد والنضال لكنهم ظهروا فجأة على مسرح الاحداث كواحدة من افرازات العهد الجديد.

  كيف وصل هؤلاء ومن اين أتوا ومن جاء بهم ؟ لا احد يعلم بالضبط. او يعلم ولكن ليس بالضبط. غير انهم اصبحوا الاكثر ظهورا على شاشات التلفزه وتجدهم في كل مكان فيه تواجد للاعلام وما من وليمة الا وهم فيها. هؤلاء اخطر شئ على العملية الديمقراطية . ولعل السيرة الذاتية التي نشرت لاعضاء الحكومة العتيدة تكشف عن بعض من هؤلاء. اذ لم يكن لهم من تاريخ مشرف في النضال او المعارضة من قريب او بعيد سوى انهم ينتمون الى هذا الفريق او ذاك. ومقارنة سريعة بين التاريخ السياسي  لنائبي رئيس الوزارء الاستاذ المالكي تكشف لك الهوة الكبيرة بين الاثنيين. فبينما قضى احدهم شطرا كبيرا من حياته اما سجينا او معذبا او مهددا بخطر التصفية الجسدية او ملاحقا في المنافي او مناضلا في الغربة _ومثله بذلك كمثل رئيس الوزراء الحالي_ نجد ان الثاني قضى حياته في ادارة حقول الدواجن والبقر وفي تطوير محاصيل درنات (البطاطا) واكتشاف السماد الكيمياوي المناسب لها حيث انه (متخصص في تغذية وتسميد محصول البطاطا) كما جاء في سيرته الذاتية. الاول قضى  حياته مقاتلا بين حقول الالغام في جبال كردستان الشامخة بينما الثاني امضى دهره مشغولا في تسميد حقول البطاطا! هذا مثل لظاهرة السياسيين الطفيليين من اشباه المناضلين الذين افرزتهم العملية السياسية.

 نعود الى المنطقة الخضراء لنقول انها باتت تمثل بعد ثلاث سنوات عنوانا لعزلة الحكومة والمسؤولين وابتعادهم عن الشعب حتى اصبحت كجزيرة معزولة لايدري ساكنوها ما يجري خارج اسوارها. ومن هنا نعتقد ان ملف المنطقة الخضراء ينبغي ان يعالج بنفس السرعة التي يعالج فيها ملف الفساد الذي سنأتي عليه . اذ على الوزراء الخروج من قصورهم الفارهة والنزول الى الشارع والاحتكاك المباشر بالناس لمعرفة همومهم والوقوف على احتياجاتهم. كما ان ذلك دليل على قوة الحكومة ومنعتها .فتواجد المسؤوليين مع الناس يبعث فيهم الامن والطمأنينة كما انه يخرج الحكومة من حالة الدفاع التي هي فيها الان الى حالة الهجوم والهجوم خير وسيلة للدفاع اذ لا يعقل ان الارهابيين يصولون ويجولون في بغداد وضواحيها بينما وزراؤنا واركان حكومتنا قابعيين خلف قلاع  المنطقة الخضراء.

 اما الفساد فهو بقوة الارهاب وكلاهما يدعم بعضه بعضا .ولقد وصل الفساد في اجهزة الدولة والبيروقراطية  والمحاباة على حساب الكفاءة والقدرة حالة لايمكن السكوت معها. ان المفخخة التي تقتل بفعل الارهاب الجبان عشرة او اكثر من الابرياء العزل تقتل بقدر ما يقتله الفساد الحكومي. فسرقة المال العام والاحتيال والنصب يكون ضحيتها في العادة الالاف بل الملايين من الفقراء في العراق او أكثر. والمثل يقول(قطع الاعناق ولا قطع الارزاق). فقطع رقبة واحدة يكون ضحيتها فردا واحدا اما قطع الرزق فضحاياه مئات العوائل وسرقة المال العام هو قطع لأرزاق العالمين وعليه يتحتم على الحكومة الجديدة ان تتعامل مع هذا الملف بكل حزم وقوة من خلال تفعيل الهيئات الخاصة بذلك واعطائها الالية التنفيذية وحمايتها. فمن غير المعقول وحسب ماصرح به رئيس هيئة النزاهة القاضي راضي ان الذي يقف في طريق عمل هيئته هو بعض احزاب الحكومة واعضاؤها ذاتهم اذ يستغيث بهم من يمسك متلبسا بسرقة المال العام فتهرع الاحزاب من خلال الضغط على الهيئة لنجدته خوفا من الفضيحة لانه قريب رئيس هذا الحزب او نسيب زعيم تلك الحركة او ابن لبرلماني كبير متهم بتهريب النفط وهكذا دواليك. والادهى والانكى من ذلك هو ان سياسيا كبيرا نكنُ له كل الاحترام حول منطقة نفوذه الى ملجئٍ آمن لكل حوازمي مطلوب للعدالة وسوقٍ حرةٍ للمختلسين.

 وأخيرا ملف الامريكان. لا شك ولا ريب ان الامريكيين وبقية الاصدقاء في القوات المتعددة الجنسيات قدموا للعراقيين فضلا كبيرا بتحرير العراق من طغمة النظام البعثي البائد فراح ابناء المقابر الجماعية وضحايا نظام صدام_البعث يهتفون بسم من حررهم وانقذهم اعني الرئيس الامريكي جورج دبيليو بوش وعبروا عن ذلك بالشعر حينا ً وبالنثر حينا ً آخر  حتى شاعت بينهم  قصيدة شعبية  جادت بها قريحة عراقي اصيل مطلعها يقول:

  ( الف رحمه إعلى إبيك يابطل يابوش  خليت الرفاق اتنام وي الهوش)

  والرفاق هم البعثيون الذين اطلقوا سيقانهم للريح ساعة سقوط الصنم واختبؤا في الجحور اما ( الهوش) فتعني بالعراقي (البقر) اجلكم الله _ويخيل اليًّ ان (سيادة النائب) تخصص في زرائب البقر لهذا الغرض اي تحويرها وجعلها صالحة لأستقبال الرفاق البعثيين الهاربين من قبضة العدالة لاسيما وان هنالك علاقة عضوية بين (الهوش) والبعثيين اذ كلاهما بهيمة همها علفها وقيمتها ما يخرج منها _   لكن الحقيقة الاخرى انهم اي افراد القوات الصديقة المحررة بدؤا يفقدون تعاطف الشعب العراقي لهم وتحديدا للامريكيين بسبب كثرة اخطائهم وسوء فعالهم . صحيح انهم موجودون ضمن الشرعية الدولية الممثلة بالقرار 1546 لكن ذلك لايمنع من اعادة تنظيم العلاقة معهم. فالحكومات الثلاث السابقة لم تعالج هذا الملف بجدية ولم تجب لحد الان عن السؤال المحوري وهو ماهي طبيعة العلاقة مع الامريكيين؟ هل هي علاقة احتلال ووصاية ام تحرير؟ هل هي علاقة تبعية وذيلية ام ندية واحترام متبادل؟

 كثيرا ما نسمع من الامريكين انهم سينسحبون من المدن العراقية ونسمع من المسؤولين العراقيين انهم مع جدولة الانسحاب. لكن احدا لم يجرأ لحد الان على فتح هذا الملف وتسمية الاشياء بمسمياتها. ما هو المطلوب من الحكومة الجديدة فعله في هذا الخصوص؟ هذا السؤال الذي يترقرق على شفاه الكثير؟ الجواب المطلوب هو عقد (اتفاقية وضع للقوات) المتعددة في العراق مثلما حدث في كل من المانيا وايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية هذا اولا وتحديد نوع العلاقة مع السفارة الامريكية ثانيا. فهل السفير الامريكي وصي وولي على الحكومة ام انه ناصح وصديق؟ الاول يعني تبعية القرار الحكومي للسفير الامريكي اما  الثاني فيعني استقلال القرار العراقي وهذا هو المطلوب بالضبط من الحكومة العراقية لان الشعب العراقي يسأل دوما ما معنى ظهور السيد زلماي زاده منتصبا في كل اجتماع للكتل السياسية العراقية ؟ ومامعنى تواجده داخل الاجتماعات العراقية علنا ً؟

 اعتقد ان الاوان قد آن لحسم هذه القضية للابد وتذكير سعادة السفير ان العراقيين يشكرون له جهوده في تشكيل الحكومة لكنهم يكرهون تدخله في كل شاردة وواردة لان ذلك سيفسد العلاقة بين العراقيين والامريكيين التي يراد لها ان تدوم. اننا نطمح ان تتحول امريكا الى دولة ضامنة للعراق كما حدث مع المانيا واوربا الغربية يوم قررت امريكا من خلال خطة مارشال اعادة بناء اوربا وضمان أمنها من خطر المد الاحمر. نحن بحاجة ماسة اليوم الى امريكا ضامنة للعراق تعيد بناءه من خلال خطة مارشال ثانية وتضمن امنه واستقلاليته وثرواته من الطامعين بها من حوله وهم كثر. فنحن اذا بحاجة الى الدور الامريكي الراعي والضامن اي دور عناية ورعاية لا دور قيمومة ووصاية.

 هذه أهم الملفات التي على المالكي التعامل معها بجدية وهي ملفات عراقية وطنية بحتة ليس فيها بعد طائفي او عنصري فعلى ذلك نتوقع من الجميع التعاون معه لاسيما وهو المعروف بحزمه وبهمته العالية وبميله للافعال أكثر من الاقوال (Deeds not words) ان ينهي تقوقع الحكومة في الخضراء وينزل وحكومته الى المناطق المحرومة الجرداء وياحبذا لو انه يتخذ من احد الاحياء الفقيرة مقرا لحكومته حتى يرى بأُم عينيه احوال الفقراء ويتحسس آلامهم  كلما دخل الى مقر  حكومته و كلما خرج منه.  وباعتقادي ان خروج الحكومة من قمقمها في الخضراء كفيل بحل ملف الفساد وملف العلاقة بالامريكيين الذين سيرون بنزول الوزراء والحكومة الى الشارع العراقي اشارة الى نهاية تواجدهم في ذلك الشارع الحزين الذي يتوق للفرحة وللامآن  منذ سنين. فهل سيتحقق ذلك قريبا؟ نترك لهمة المالكي المعهودة الاجابة عليه.

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com