|
في اربعينية الفقيد الراحل الاستاذ عواد سعدون السعدي وداعاً ايها الأستاذ الجليل .. وداعاً أيها المناضل ..
في الثاني عشر من نيسان 2006 فقدنا الأب الحنون والأستاذ الجليل والمربي الكبير والمناضل عواد سعدون السعدي عن عمر يناهز الثمانين بعد اصابته بالتهاب رئوي نقل على اثره الى المستشفى حيث وافاه الأجل بعد سبعة ايام .. لقد غصت قاعات المستشفى بالزائرين طيلة فترة بقاءه هناك .. كان الفقيد من الشخصيات التي تمتلك رصيداً اجتماعياً كبيراً وله علاقات واسعة شملت كل الابعاد العائلية والاجتماعية والصداقية والزمالية والرفاقية .. مشاركاً الجميع افراحهم واحزانهم .. وكان صديقاً للجميع يفيض عطفاً وحناناً وحباً. ولد الفقيد عام 1925 لكنه قد كبر عمره في سجل النفوس لأسباب تتعلق بالدراسة فحملت اوراقه الرسمية مواليد 1922 .. وفي مقتبل العمر وفي عام 1940 (عندما كان عمره 15 عاماً) توفي والده ، فبقيت والدته ترعاه .. وبعد ان انهى مرحلة الثانوية الفرع العلمي دخل معهد المعلمين - القسم العالي في بغداد – في الأعظمية واختص باللغة الانكليزية، (كان مرشحاً لبعثة حكومية الى لندن، لكنه لم يتمتع بها وفضل الالتحاق بمعهد المعلمين كي يسرع في مساعدة والدته لتخفيف العبء عليها). واثناء دراسته عمل في موانئ البصرة فتعرف على شخصيات عديدة مكنته من إجادة اللغة الانكليزية تحدثاً .. في عام 1944 اكمل دراسته وتعين معلماً في الجبايش التي بقي فيها مدة ثلاثة سنوات. توفيت والدته قبل ان يستلم راتبه الأول فحزن عليها حزناً شديداً رافقه حتى يوم وفاته. في عام 1947 تزوج من ابنت بنت عمته نسيمة حربي حبيب ونقل الى الكرمة ليعمل هناك معلماً، فبقى فيها سنتان ولد لهما بنتاً اسمياها هيام .. وفي عام 1949 نقل الى سوق الشيوخ ودرّس هناك في مدرسة السوق الأولى النموذجية، وبقي هناك ثلاثة سنوات رزق بولد اسماه سعدي. بعدها نقل الى الناصرية مركز المحافطة سنة 1952 حيث درّس اللغة الانكليزية في المدرسة المركزية الابتدائية للبنين .. وبسبب الوضع السياسي والهجوم الرجعي نقل الى بغداد بناءاً على طلبه وطلب الحزب الشيوعي منه عام 1961. وفي الفترة ما بين 1952 و1961 رزق بـ (سهام واكرام واحلام وسلام والهام). في الكرمة تعرف على الحزب الشيوعي العراقي وكان يحصل على منشورات الحزب فيقرأها الى زوجته ووالدتها ثم يخبئها عند والدة زوجته كي لا ينكشف امرهم. فبدأ صديقاً ثم مرشحاً ثم رفيقاً، مارس العمل الحزبي في الكرمة وسوق الشيوخ ومركز محافظة الناصرية الى ان قامت الثورة، فشارك في جميع الأنشطة الوطنية والحزبية لنصرة الثورة، وكذلك في مجال الشبيبة ونقابة المعلمين ولي شخصياً ذكريات كثيرة عن هذه الفترة "رغم صغر سني آنذاك"، يمكن أن أشير الى بعض مما اتذكره على السريع: لقد عمّ الفرح الجميع .. وانطلقوا يعبرون عن فرحتهم في كل اتجاه عندما قامت الثورة ، ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة .. كان الوالد في ذلك الوقت معلماً للغة الانكليزية في المدرسة المركزية للبنين في الناصرية .. وبدأت الاحتفالات تعم كل ارجاء المدينة وفي كافة المناسبات الوطنية .. لقد شاهدت حماساً منقطع النظير يبديه للقيام بأي عمل مهما كان، وقد أخذ على عاتقه كتابة اللافتات .. كان يلصق الجرائد على جدران الغرفة ويعلق عليها القماش الأبيض أو الأحمر ويستعمل الطباشير لرسم الخط وبعد أن يكتمل الخط يبدأ باستعمال الفرشاة والبويا، وكانت الألوان المستعملة عادة الابيض والاسود والأحمر .. فتنزل في اليوم التالي لتزيّن التظاهرات التي كانت تعبر عن جو من الفرح .. كما شهدت احداثاً رافقت المد الرجعي ولم تمض سنة واحدة بعد على الثورة حيث بدأت مظاهر المضايقات على الشيوعيين .. لم ينل رجال الأمن أي نصيب من السوء بعد ثورة الرابع عشر من تموز بل بقي معظمهم يحتل نفس المكان .. وبقي معظمهم يحمل العداء لكل ما هو تقدمي .. وعندما بدأت معالم الانتكاسة استفحل هؤلاء وبدأت مسيرتهم في القصاص من الشيوعيين .. لكن الشيوعيون هم رجال يتحلون باخلاق عالية وقيم مثلى يتفاخرون بها ويفتخر بها اقرانهم .. وكان تأثيرهم كبيراً على الفئة المثقفة، وحتى على متصرف المدينة (المحافظ) ومدير الشرطة وقائد الحامية العسكرية في الناصرية والقضاة والحكام والمدرسين وغيرهم .. وهذا ما ساعدهم على الخلاص من المضايقات الكثيرة التي لقوها على يد العديد من رجال الأمن في الناصرية .. فكثيراً ما تعرض الوالد وغيره الى الاهانات امام الآخرين وتقديم الشكاوى المعاكسة للحقيقة ضدهم في اعمال محطط لها مسبقاً، لكن مدير الشرطة او متصرف المدينة ورجالاتها من المثقفين تصرفوا احياناً بحكمة وقاموا بحمايتهم، ونتيجة لكل تلك المضايقات أمره الحزب أن يترك الناصرية ويطلب النقل الى بغداد حيث كان له ذلك في العام الدراسي 1960-1961. لقد حملت حقداً على رجال الأمن بسبب حادثة العبث بمكتبة والدي في الناصرية .. كان والدي خارج المنزل حين جاؤوا للتفتيش .. لقد فتشوا كل شئ قلبوا البيت على عقب .. لا شئ ... لقد جن جنونهم كيف يعقل انهم لم يجدوا شئ يفيدهم ولديهم معلومات كاملة عن وجود أمر هام في البيت .. لا بد من العثور عليه .. لم يبق لهم إلاّ تفتيش المكتبة بدقة، ولكن ماذا تعني الدقة بالنسبة الى رجال متوحشون كهؤلاء !! لقد عبثوا بالكتب والمجلات الموجودة في المكتبة، قلبوها كما تقلب الحيوانات المفترسة فريستها، ورموها بلا رحمة ولا شفقة .. فماذا وجدوا ؟ لا شئ سوى خيبتهم .. ولكن أين هو ذلك الشئ الذي كانوا يبتغوه؟ إنه ملفوف على بطن جدتي التي ما انفكت تكيل لهم الصاع صاعين بالكلام الجارح .. لقد قص لي يوماً كيف ارسل والدتي الى البصرة لنقل البريد الحزبي .. كان الوضع خطيراً، فالسيارات تفتش في نقاط عديدة وكان القطار يفتش ايضاً .. والوشايات كثيرة والوجوه الشيوعية معروفة .. وكان على الحزب ان يوصل البريد الحزبي الى البصرة .. وكانت امور كثيرة تتعلق بهذا البريد .. ولابد من المجازفة .. فجرى الاتفاق بين والدي ووالدتي بنقل البريد .. فارسل والدي والدتي الى البصرة وهي تحمل البريد كسراً للحصار .. وعندما وصلت الى البصرة والمكان المطلوب وجدت أن صاحب الدار واحد من معارفنا فرحب بها واهتمت عائلته بها واكرموها وبالغوا في ضيافتها حتى عادت وهي محملة بالبريد الجوابي لهم. وقد عشت ايضاً احداثاً مأساوية يوم انتخابات نقابة المعلمين في الناصرية، وكنت في سن التاسعة من عمري .. حين دق على جرس الباب بوداعة في منتصف الليل .. كان الطارق يعتقد ان من كان داخل البيت قد افترش فراشه واوى الى النوم مستريحاً .. لكنه في الحقيقة كان الجميع ينتظر بخوف عودة الوالد الذي ذهب لمهمة كان الاعتقاد سائداً أنه لم يعد منها سالماً .. الكبار يعرفون ويتوقعون الخطر .. والصغار لا يعرفون سوى احساس أن هناك شئ ما غير سار قد يحصل ولكن هذا وذاك كان يترقب وينتظر ولا عين تغفو .. هرعت الجدة، وكانت هي الأقوى بين كل افراد العائلة واكثرهم صلابة وجلداً ولها حكايات كثيرة في البطولة والشهامة، ففتحت الباب لتجد امامها الوالد وقد احيط بعدد من رجال الشرطة .. أدخلوه الدار بعد التحية على جدتي واقفلوا الباب عليه .. سمعنا نحن الأطفال ، صوت أحد رجال الشرطة ينادي والدي "استاذ هل وصلت، هل انت بخير، اتأذن لنا بالانصراف" .. واذن لهم ، فذهبوا .. فماذا حصل في ذلك اليوم ؟؟ كان الوالد ممثلاً للقائمة المهنية في نقابة المعلمين، وكان يومها مسؤولاً عن صناديق الاقتراع .. وكان الجو مشحوناً، فالصراع السياسي على اوجه والهجمة الرجعية البعثية على الشيوعيين قد بدأت، واتخذت مظاهر عديدة، ولم تكن الناصرية بمعزل عن هذا الصراع بل كانت من المدن التي نالها الكثير .. ذهب المعلمون للادلاء باصواتهم، شيوعيون وبعثيون وقوميون ورجعيون .. وفض كل شئ وكل واحد ذهب لحال سبيله بما فيهم من هو مسؤول عن الصناديق برفقة الوالد .. ولحرص الوالد على سلامة نتائج الانتخابات أصر على البقاء واخذ الصناديق الى مقر النقابة بعد ان تم فرزها .. وكان يحتشد عدد كبير من البعثيين ورجال الأمن والقوميين والرجعيين، يتربصون به حال خروجه من موقع الانتخابات .. كان رجال الشرطة المتواجدين لحماية الموقع مسؤولين عن سلامة من فيه، ولا يسمحوا بالاعتداء المباشر، ونزولاً عند رغبة المتظاهرين في الخارج ضغطوا على الوالد للخروج إلاّ أنه رفض وطلب الاتصال بمدير الشرطة وكان له ذلك .. لقد وضع الوالد مدير الشرطة امام مسؤوليته في حفظ حياته .. فطلب منه ان يرسل له سيارة تحمل معه صناديق الاقتراع الى مقر النقابة .. فارسل له مدير الشرطة سيارة وامر عدد من الشرطة لمرافقته الى مقر النقابة ومن ثم الى بيته ولا يتركوه إلاّ بعد أن يأمرهم هو شخصياً .. وهكذا نجى من الموت باعجوبة .. المهم أنه في العام الدراسي 1961 – 1962 انتقل الى بغداد ونزلنا في ايامنا الأولى ضيوفاً عند ابن عمتي وصديق ورفيق والدي الاستاذ دحام رومي .. (ومن المفارقات ان احدى شقيقاتي ضاعت في أزقة الشواكة وكانت بعمر ست سنوات، شاء القدر ان يعثر عليها شخص سلمها الى مقر الاذاعة والتلفزيون فاذيع الخبر وهرع والدي ودحام وجاره الطيب شخير عبد لجلبها) .. عين معلماً في مدرسة الشواكة ثم مدرسة الصراة في كرادة مريم لتدريس اللغة الانكليزية.. كما درّس الفن احياناً ودرّس الرياضيات في المدارس المسائية .. وكان يشترك بين الحين والحين بكورسات تطويرية في اللغة الانكليزية واتذكر انه كان مهتماً بكورس امتد لفترة طويلة يدرس فيه استعمالات "IF" .. استمر نشاط الوالد في الحزب وتصاعدت المعاناة مع تصاعد المد الرجعي وتذبذب مواقف الزعيم عبد الكريم الذي بدا ان جميع التقدميين وبسطاء الناس يحبه .. ولكن هذا أثر كثيراً على امعان القوى الرجعية في محاربة الشيوعيين واتذكر يوم هجم كل اعداء الشيوعية على المعلمين في الكرخ الذين ذهبوا للادلاء باصواتهم لصالح القائمة المهنية واوشكوا ان يبطشوا بهم لولا المسالك الوعرة التي سلكوها للوصول الى شاطئ الامان وكان بينهم والدي .. كما اذكر يوم اعتقاله عام 1963 في نفس اليوم الذي وزعت الرواتب على المعلمين فسلم راتبه الى احد زملائه الاستاذ المرحوم منعم مظلوم ليسلمه الى والدتي .. لم يمكث كثيراً في السجن حيث كان معتقلاً في الادارة المحلية وكان مدير السجن حميد الحمداني الذي كان ايضاً مشرفاً تربوياً يعرف والدي وحرصه وقابلياته التعليمية ويكن له حباً خاصاً، ساعده كما ساعد كل المعلمين الموقوفين هناك، فأمر باخلاء سبيلهم لقاء كفالة .. فقام بكفالته المحوم شخير عبيد ايضاً. كان والدي يحظى بحب واحترام طلابه واتذكر لقطات من ذلك على سبيل المثال أنني كنت يوماً ارافقه في الشارع المحاذي لوزارة الدفاع في بغداد وكنت حينها في الجامعة، واذا برجل يجتاز الطريق من الجهة الأخرى معرضاً نفسه لمخاطر الطريق حيث الشارع كان مزدحماً بالسيارات .. وسمعناه ينادي، أستاذ، استاذ .. بالطبع أنا لا أعرف الشخص .. لكننا توقفنا وكان واضحاً أن والدي لم يكن يعرفه .. وبعد أن القى التحية على الوالد، ادرك أن الاستاذ لم يتذكره .. فسأله ان كان يتذكره أم لا ، فكان جواب الوالد النفي .. فضحك وقال أنا أحد طلابك في مدرسة الصراة واسمي كذا، "لم اتذكر الاسم" وبدأ يقص عليه، في أي سنة ومَنْ مِنَ الطلاب كان معه والاساتذة زملاء أبي في المدرسة وبعض الحكايات عن المدرسة وعنه وبدأ الوالد يعيد معه الذكريات، وحين سأله عن عمله الآن فقال له أنه الآن يعمل معلماً .. كانت في يد هذا الرجل وردة حمراء قدمها لوالدي معبراً عن كثير من الحب والاحترام. واتذكر كيف ان احد تلامذته انقذني من قبضة الفاشيين حين بدأت الهجمة ضد الحزب الشيوعي العراقي منذ منتصف السبعينات وتصاعدت بعد أن شملت جميع المدن العراقية بتصفية منظمة لكوادر وقواعد الحزب .. وجاء دوري .. فهربت من البيت وقدمت إجازة من الدائرة .. وجاءني أمر من الحزب أن أسافر خارج العراق .. لكن في ذلك مجازفة، وعندما ناقشت الموضوع وجدت أن لا مجال للمجازفة .. أخذ والدي على عاتقه الذهاب الى السفارة الكويتية عسى انه يستطيع الحصول لي على الفيزة الكويتية، فكان الحظ حليفنا، فحالما دخل الى السفارة نهض شخص ليستقبله بحرارة وعندما سأله من يكون قال له أنه أحد تلامذته في مدرسة الصراة، وابدى له استعداده للمساعدة ولم يمض سوى بضع دقائق والفيزا الكويتية على جوازي. أماّ علاقته بنا نحن ابناءه فكانت متميزة جداً .. لقد كان يراقبنا ونحن ندرس .. كنت احب الرياضيات والفيزياء كثيراً، فكان يعطيني ثمن الكتب الخارجية التي كنت اشتريها تباعاً .. وكنت لا أنام إلاّ بعد ان أحل كل الاسئلة الواردة .. وفي اليوم التالي اسأل المعلم عن الاسئلة التي وجدت صعوبة في حلها .. كان يجالسني الى وقت متأخر من الليل، يراقبني ويسألني إن كنت الاقي صعوبة ويوجهني أحياناً، ويساعدني في المكانات التي يستطيع .. ولا ينام إلاّ بعد أن يتأكد أني أنجزت كل شئ وأذهب الى الفراش .. ليفيق هو ايضاً في اليوم التالي مبكراً كي يذهب الى المدرسة. هذه لقطات بسيطة من حياة مواطن كرس حياته لخدمة الشعب بدون اي مظهر من الأبهة كأي جندي مجهول من جنود هذا الوطن الذي يراد له ان ينزف دائماً .. اكتبها بدون تمحيص او تدقيق وعلى عجل نزولاً عند رغبة بعض من افراد عائلته .. عسى ان استطيع يوماً ان اكتب ما اتذكره ويتذكره غيري من صور كثيرة عن حياته .. ولعل حب الناس له كان واضحاً يوم جاؤوا لتقديم التعازي في مجلس العزاء او قبله او بعده. حيث امتلات القاعة بالناس منذ البداية وحتى النهاية .. فكان اصرارنا ان لا نجعل من هذا الجمع مجرد مجلس عزاء بل استقطعنا جزء منه ليكون حفل تأبين .. فقدمنا كلمة جاء فيها: (نحن اهل الفقيد الغالي الاستاذ عواد سعدون السعدي واقرباءه ، كباراً وشباباً وصغاراً، رجالاً ونساءاً، نتقدم بجزيل الشكر والتقدير والاحترام الى كل من شاركنا مجلس العزاء هذا ومجالس العزاء التي اقيمت في العراق وسوريا واستراليا، والى كل من شاركنا موكب التشييع، وكل من حضر معنا من خارج السويد وخارج ستوكهولم، وكل من قدم لنا كلمات التعازي عبر الهاتف أو عبر البريد الالكتروني من العراق ومن كل بلدان العالم .. نسأل الحي العظيم ان يمنح الجميع بالصحة والعافية وان يجنبهم كل مكروه .. اننا نقيم مجلس العزاء هذا لنتشارك معاً في احياء ذكراه الطيبة على نفوسنا ونفوس كل محبيه .. لقد عاش الاستاذ الجليل والاب الكبير حياته منذ نعومة اظفاره عصامياً معتمداً على ذاته في بناء شخصيته العلمية والثقافية والانسانية التي صقلتها التجارب الحياتية وانضجتها كل المنعطفات في حياته، وبلورة معانيها سيرته النضالية في صفوف الحركة الوطنية العراقية .. ) (لقد كان محباً للمعرفة ملتهماً اياها من مصادرها المتنوعة، تلك التي قدرته ان يلتحق بالدراسة ويواصلها ليتخرج معلماً من دار المعلمين الفرع العالي) (من عرف الاستاذ عواد سعدون لتوقف على ابرز سمة في تكوينه الفكري والثقافي، الا وهي وطنية الموقف وتقدمية الافكار .. كان يناضل ويحلم، ثم ربى اولاده، في ان يناضلوا ويحلموا بوطن حر وشعب سعيد .. فقدم صوراً رائعة من العطاء ولعل ابرزها تقديم ابنته الشهيدة اكرام قرباناً لحرية الوطن والشعب ..) (لقد رعى اولاده وزرع فيهم بذرة الخير والحب للجميع .. زرع فيهم روح الاجتهاد والعطاء .. زرع فيهم قوة المثل في الاخلاص والصدق والامانة .. لقد كان لهم ولغيرهم اباً وصديقاً مخلصاً .. غمرهم بحبه وحنانه وساعدهم في شق طريقهم الى الحياة .. ثم غمر هذا العطف والحب اللامتناهي كل المحيطين به زوجات اولاده وازواج بناته واولادهم جميعاً .. كل من عاشره اغترف من هذا الحب الذي يفيض دائماً.) (تمتلئ القلوب بالحزن، وقد تعجز الكلمات للتعبير عن حبنا وحزننا جميعاً .. لكن تنطق الافواه احياناً بكلمات معبرة فكتبت حفيدته الصبية على ورقة تقول (Du lever kvar i alla våra hjärta) (ستبقى حياً في قوبنا)، وكتب محباً يقول "رحلت عنا بعد ان توقف قلبك الكبير الطيب عن الخفقان .. لكنك بقيت مرسوماً فوق ثنايا قلوبنا وداخل ضمائرنا". ثم قدمت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد كلمة جاء فيها: (نلتقي اليوم لنعزي انفسنا واياكم بفقدان الوجه الاجتماعي والشخصية الوطنية المعروفة، المربي "عواد السعدي" .. لقد كان الفقيد من المبكرين في وعيه الوطني ومن الاوائل في انتماءه ونشاطه في صفوف حزبنا الشيوعي العراقي في مدينته الناصرية، وعرف بدوره البارز في عمل نقابة المعلمين بعد ثورة الرابع من تموز المجيدة. وقد عرضه نشاطه هذا الى المطاردة والاعتقال من قبل الانظمة الرجعية والدكتاتورية التي ابتلى بها شعبنا المناضل. ولكن ذلك لم يثن الفقيد عن الاستمرار ولم يمنعه من تربية ابناءه قبل غيرهم على الروح الوطنية والاممية وعلى الاخلاص والتضحية من اجل المبادئ السامية التي اعتنقها. وقد سارت العائلة الكبيرة على خطاه وساهمت في طليعة المناضلين من ابناء شعبنا ، ولم تتراجع في الظروف الصعبة وكافحت الهجمةالفاشية الشرسة لنظام صدام البائد، وكان ان قدمت ابنت الفقيد الشهيدة اكرام حياتها فداءاً للشعب وللافكار الوطنية التي رباها عليها حزبها، ثم بعد ذلك صمود بطولي دام عدة سنوات في سجون اعتى الانظمة وتحت ابشع اساليب التعذيب.) (وفي مثل هذا اليوم العصيب نشعر بالخسارة الكبيرة، وباشد الحاجة الى الفكر العلمي النير والروح الوطنية العالية لفقيدنا بدلاً من الافكار الطائفية والانعزالية السائدة. ونؤكد اعتزازنا بالدور الوطني الذي تؤديه عائلة الفقيد وعموم الصابئة المندائية في ترفعها عن الافكار الطائفية المتعصبة والانغلاق .. ونضالها من اجل عراق ديمقراطي فيدرالي موحد يعتمد المساواة بين جميع المواكنين في الحقوق والواجبات. وفي رفض تكريس الولاء الطائفي بديلاً عن الهوية الوطنية.) كما بعثت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا برقية تعزية جاء فيها: (لقد كان الرفيق مناضلاً جسوراً بقي لصيقاً بحزبه وشعبه طوال حياته، كما كان مربياً فاضلاً لعائلة من المناضلين الاشداء الملتصقين بشعبهم وحزبهم، وهم خير خلف لخير سلف. نشاطركم حزنكم بهذا المصاب الجلل، ونتقدم لكم باسم رفاق منظمتنا واصدقائها بأحر التعازي، متمنين لكم الصبر والسلوان وللفقيد الذكر الطيب ..). وبعثت رابطة المرأة العراقية / السويد ببرقية تعزية جاء فيها: (... اذ نتقدم لكم وباسم رابطة المرأة العراقية في ستوكهولم باحر التعازي على هذا المصاب الجلل، فاننا نشيد بهذه الشخصية الوطنية وموقفها ودورها النضالي وتضحياتها في سبيل الشعب والوطن ... الصبر والسلوان لزوجته الشخصية الرابطية المناضلة نسيمة حربي، ولابناءه وبناته واحفاده ولأقارب الفقيد ورفاقه واصدقاءه واحبته .. ونحن على الدرب سائرون ..) كما بعثت الجمعية المندائية في هولندا برسالة معنونة "رحيل رجل" جاء فيها: (برحيلك فقدنا أحد أعمدة العائلة المندائية الكبيرة والعراقية والوطنية.. المعلم ... أسس الدار ووزع الأدوار وللطيبة والخير فتح بابه ... ينبوع من الحب والحنان .. فيض من المودة .. ضمير النهرين .. صورة ذي قار ونخلة الجنوب بكل جمالها ... صفات الرجولة التي لا تعد ولا تحصى .. علماً ، صبرأً ، جرأة ، ايماناً ، اخلاصاً ، وله في كل مكان موقف ورأي.) ( انقول وداعاً ونغلق الصفحة الأخيرة من كتاب المعلم الكبير "عواد" .. أجل .. رحل الرجل .. انقضى فسيولوجياً ولكن كل شئ منه فينا وحولنا .. انها ارادة الحي الأزلي .. لقد اختاره الى جواره ..الى عالم انواره ..). وبعثت الهيئة الادارية للمنتدى العراقي في بريطانيا ببرقية تعزية .. وكان للشاعر قيس السهيلي قصيدة بعنوان "قصيدة برسالتين"، الرسالة الأولى بعنوان : "رسالة من أم سعدي الى الفقيد الغالي" كتبها في ستوكهولم يوم 12 نيسان 2006 يا ماي النبع .. يا عطر الورود يا عزي ودلالي وهيبتي او وجدي يا صاري السفينه .. وزين الجدود يتباهى الولد .. لو كال جدي يا شتلة ورد .. تكبر بلا حدود تفيّ عله الخلك .. وتعَطّر بخدي يا بو الشهيده .. يل بيدك اقيود كبر بيك الصبر .. او صاح عَدّي يا بو سرمد و بسام و سعود يا نسمة وطن .. تحمل تحدي يا بو "الهام" او سلومي او رؤود وين الوعد .. ظليت انه الوحدي خلي الدمع .. يجري بكرم صيهود وخلي اليلوم .. عله الحزن ضدي أبقى عله العهد .. واتحمل عهود او لا أفك الحزن .. وأنساك ابو سعدي والرسالة الثانية بعنوان "من البنات والبنين إلى الوالد الفقيد" كتبها في ستوكهولم يوم 14 نيسان 2006 هزني الشوك والملكه .. وإلك جيت بدلالي الحجي .. ومشتاك أنه هواي جثيره وجوه .. شفت بعتبة البيت سالت دمعتي .. او رفن تراهُ إجلاي كلت يا ربي سترك .. الفرج يا ريت وتفرح اكلوب كلها .. اتناطرك جاي خانتني الظنون .. وإلك مَلكيت هل خالي مجانك .. ضاع ممشاي شكولن لليخابر .. لوسأل عنك .. شنو ردي وشكولن للزغير .. الما فطن ..لو كال أريد اليوم جدي راح أبونه .. الطيب .. الصافي .. الحنون حسره خلاها بينه .. وصلت الحد الجنون ما تعبانه بيوم مره .. والصعب عنده يهون محضر العرسك.. يسامر ..فرحه أجمل ما تكون لكن المقسوم وسفه .. خيّب الكل الظنون وانتَ حدر الكاع .. نايم .. تبقى اتْمَََنَ وتُمُون تبقى اتْمَنََ وتمّون
الدكتور سعدي عواد السعدي
How low will we go? Check out Yahoo! Messenger’s low PC-to-Phone call rates.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |