كابول: احتجاجات عابرة ام بدايات ثورة عارمة؟

 

ياسر سعد

شهدت العاصمة الافغانية كابول تظاهرات عنيفة مناوئة للوجود الامريكي في البلاد، عقب مقتل سبعة افغان في حادث سير نجم عن اصطدام رتل عسكري امريكي يضم عدة آليات عسكرية بسيارات مدنية في وسط كابول خلال وقت الذروة مما ادى الى اصطدامها بحوالي 12 سيارة مدنية  مما ادى الى مقتل سبعة افغان واصابة 16 آخرين على الأقل. واشتبك المتظاهرون المحتجون على الوجود الامريكي مع قوات الامن الافغانية لاكثر من ساعتين في وسط كابول. وعقب ذلك توجه المتظاهرون الى الحي الدبلوماسي حيث حاولوا اقتحام سفارات ومبان حكومية توجد هناك وهم ينددون بالرئيس حميد كرزاي والولايات المتحدة، وسمع أصوات إطلاق نيران غزيرة في أحياء عديدة في المدينة بما فيها قرب السفارة الأمريكية التي تم نقل طاقمها الى مكان آمن.

من جانبها، قالت وكالة الأسوشيتد برس إن قوات أمريكية وقوات أمن أفغانية أطلقت النار على محتجين من جراء حادث الاصطدام، مما أدى لمصرع أربعة أشخاص، نقلا عن مصادر شرطية وشهود عيان. وقذف المتظاهرون القوات الأمريكية بالحجارة، وهتفوا " تسقط أمريكا". وتم احراق عدد من سيارات الشرطة الافغانية، والعديد من المباني خلال الاحتجاجات العاصفة. كما تم انقاذ فريق تابع للاتحاد الاوروبي يضم 16 شخصا بواسطة جنود البحرية البريطانية.

الرئيس الافغاني حامد كرزاي سارع بدوره للظهور على شاشة التلفزيون الحكومي ليدعو الى الهدوء، ويتهم "محرضين" ولصوصا باشعال الاحتجاجات. وتعهد كرزاي باجراء تحقيق في حادث السير الذي اطلق شرارة الاحتجاجات.

تأتي هذه الاحتجاجات العارمة وفي العاصمة الافغانية تحديدا للتتزامن مع تصعيد في العمليات العسكرية للمقاومة الافغانية لتظهر ان العداء للوجود الامريكي في افغانستان امر منتشر في اوساط شعبية واسعة, الامر الذي يظهر بان المعارضين للوجود الاجنبي والمقاومين له يتمتعون بأجواء تأييد شعبية كبيرة توفر لهم غطاء واسعا من الدعم اللوجستي والقدرة على الاختفاء, مما يصعب من مهمة القوات الامريكية وحلفائها هناك.

الجدير بالملاحظة ان كابول شهدت اكثر من مرة احتجاجات كبيرة ضد الممارسات الامريكية المختلفة. فبعد تسرب أخبار تدنيس القرآن في جوانتناموا على يد الجنود الأمريكيين، اندلعت مظاهرات صاخبة في أفغانستان وصلت إلى كابول وإلى جامعتها، حيث تحرك مئات الطلاب ليحرقوا الأعلام الأمريكية ويرددوا الشعارات المناهضة للأمريكيين. كما ان قضية المتنصر عبد الرحمن والذي تدخل بوش شخصيا مع قطاعات واسعة من العالم الغربي في قضيته رافضين وبشكل قاطع محاكمته او ادانته اظهرت للافغاني العادي -والذي يتمتع بشكل عام بعاطفة دينية عميقة- ان حكومته لا تملك من امرها شئيا وان بلاده تفتقر لمقومات السيادة والاستقلال وان التدخلات الغربية تستطيع ان تتجاوز مؤسسات افغانستان التنفيذية والقضائية والتشريعية.

الرئيس الافغاني نال نصيبه من هتافات الشجب والتنديد من المظاهرات العفوية والتي اندلعت بعد الحادث المروري المميت ولن تنجح محاولاته على الاغلب في التعهد بإجراء تحقيق بالحادث بتهدئة المشاعر الشعبية الغاضبة والحانقة عليه. ففي العام الماضي وعشية زيارته لواشنطن طالب كرزاي الولايات المتحدة علنا باتخاذ إجراءات بعد ظهور تفاصيل حول تعرض سجناء أفغان لإساءات على يد قوات أمريكية داخل أفغانستان قائلا إنه أصيب بالصدمة وإنه سيثير القضية مع الرئيس الأمريكي جورج بوش مطالبا بمعاقبة الجنود المسئولين عن مقتل سجينين افغانيين وعن انتهاكات بحق آخرين نشرتها صحيفة نيويورك تايمز حينها. وبكل الاحوال فإن تلك المواقف لم تتبلور لنتائج على ارض الواقع.

تصرفات الجنود الامريكيين الرعناء ان كان في العراق او في افغانستان من قبيل التعامل باذلال وازدراء مع من يشتبه بهم ولو على اسس واهية الى انتهاك الحرمات والمحرمات والقصف العشوائي الاعمى والذي قضى على اعداد غفيرة في البلدين من الاطفال والنساء والشيوخ مع تقارير التعذيب في ابوغريب وباغرام وغيرهم, كل ذلك واكثر جعل الاجواء في كلا البلدين مهيئة تماما لإحتضان ودعم المقاومة المناهضة للوجود الامريكي واخذ كل تصرف امريكي مهما كان ضمن السياق العام من الاحباط والشعور العام بالغضب. فالحادث الذي فجر الاحتجاجات الصاخبة كان مروريا –وان لم يكن من السهل الجزم بظروفه- الا ان الافغانيين العاديين اعتبروه على الارجح استهتارا من العسكري الامريكي الذي اقترف الحادث بحياة وقيمة المواطن الافغاني العادي.

تظاهرات كابول العارمة ترسل اشارات قوية بأن صيف افغانستان سيكون شديدا وملتهبا على القوات الامريكية وحلفائها الموجوده هناك, فمثل هذه الاحداث والحوادث تدفع باعداد غفيرة من الشباب الافغاني والذي يعاني الامرين من الصعوبات الاقتصادية الخانقة والاحوال المعيشية القاسية والذي لم يعد يثق بالوعود الامريكية والغربية بالازدهار والاستقرار الى صفوف العناصر المقاومة للوجود الاجنبي في بلاده.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com