هل حققت زيادة اسعار المحروقات اهدافها؟

د. حيدر ابو رغيف

hhab05@yahoo.de

توقع  المواطنون في زيادة اسعار المحروقات ان يتم القضاء على ازمة النقص الشديد في الامداد وان تكون هناك انسيابية في محطات تعبئة الوقود وذلك بادعاء المسؤولين ان الزيادة سوف تقضي على التهريب وعلى السوق السوداء وكذلك ادعوا  ان برنامج شبكة الحماية الاجتماعية سيدعم الكثير من الاسر الفقيرة ٫والحقيقة ان قرار رفع اسعار المنتوجات النفطية قد يكون صائبا اذا توفرت عدة عوامل من اهمها  توفر الكميات الكافية من الوقود لتغطية الحاجة المحلية   وكذلك ان يتحمل  معدل الدخل السنوي للمواطن هذه الزيادة  في الاسعار.
وفي تقييم موضوعي  وبعد مرور عدة اشهر عليها فان الزيادة في اسعار الوقود واستخدام عوائد هذه الزيادة في دعم الطبقة الفقيرة لن ينجح  في بلد مضطرب مثل العراق بل على العكس فان الحد الادنى للدخل اللازم للعيش سوف يرتفع وبالتالي سوف تزداد اعداد الفقراء وان النسبة طردية بين معدل الحد الادنى  للدخل اللازم لتلبية الحاجات الاساسية للمواطن  واسعار المحروقات وذلك لان ارتفاع سعر الوقود  يؤدي الى رفع اسعار كل السلع  هذا اولا٫ ثم ان القول ان رفع اسعار المحروقات سوف يقضي على التهريب مشكوك فيه وذلك لان اغلب النفط المهرب يكون مسروق ولم تتم دفع قيمته  والتهريب في هذه الحالة لا يتأثر بزيادة الاسعار واليوم وبعد ٦ اشهر من الزيادة يعلن محافظ البصرة عن استمرار  عمليات التهريب وبكميات كبيرة  هذا ثانيا والامر الاخير فان زيادة الاسعار لم تقضي على السوق السوداء بل اصبحت اسعار الوقود خيالية في السوق السوداء .
اذاً كان يجب على الدولة ان تحرص على رفع مستوى الدخل للمواطن العراقي بزيادة الانتاج حيث ذكر بعض الخبراء الاقتصاديين ان زيادة الانتاج ١٠٠ الف برميل يوميا كان يمكن ان  يغني عن زيادة اسعار المحروقات ٫ولكن بما ان زيادة الاسعار حصلت فان على الدولة عدة امور يجب ان تقوم بها  لامتصاص التأثير العميق على المواطنين وخاصة الفقراء وهي اولا الحرص على رفع معدل الدخل السنوي  للمواطن العراقي ليستطيع تحمل رفع الدعم عنه ٫ ثانيا التركيز على زيادة انتاج النفط الخام وتصديره والاستفادة من اسعار النفط العالمية المرتفعة الى اقصى حد ممكن٫ وثالثا عدم زيادة اسعار المحروقات مرة اخرى في هذه المرحلة على الاقل ٫ ورابعا زيادة قدرة العراق على تكرير المشتقات النفطية لتوفير الاموال المهدورة في استيرادها من الخارج ٫وخامسا التعامل مع شروط صندوق النقد الدولي يجب أن لا يكون على حساب مصلحة الشعب العراقي .
 وانا في هذا السياق اريد ان اعطي مثلا واحدا  يمكن للدولة فيه ان تزيد الانتاج وتدعم الدخل السنوي للمواطن وكذلك توجه ظربة قاتلة للارهاب في نفس الوقت  حيث ان تقارير صحفية عديدة ذكرت ان العراق يخسر ما يقارب المليار دولار شهريا من عمليات التخريب وتعطيل خط نفط الشمال فلو اعتبرنا جدلا ان  هذا الرقم مبالغ فيه وان الرقم الحقيقي هو العشر  اي١٠٠ مليون دولار شهريا فهذا المبلغ يكفي لتشكيل فيلق مؤقت يسمى فيلق حماية خطوط النفط الاستراتيجية يتكون من عشرين الف جندي كلهم من ثلاث محافظات هي الانبار وصلاح الدين وكركوك في هذه الحالة سيمتص جزء كبير من البطالة في تلك المحافظات التي تعتبر ساخنة ويكون رواتب المنتسبين بين ٣٠٠ الى ٦٠٠ دولارا  اي يكون معدل الراتب هو ٤٠٠ دولارا  ومجموع رواتب الفيلق كله  هي ٨٠ مليون دولار وهو اقل من مبلغ الخسائر النفطية  في اقل تقديراته ٫وان يتعهد كل منتسب بان حماية انبوب النفط هي واجبه الاول والاخير وان راتبه الشهري ياتي من النفط المتدفق واي قطع في الامدادات يعني قطع  رزقه ٫وفي هذه الحالة تكون الدولة قد ضربت الارهاب في الصميم في تلك المحافظات  ٫ وهذا الفيلق بحجمه الكبير له القدرة على حماية خطوط النفط الى مسافة ٤٠٠كلم ٫وطبعا سوف يتحجج المعارضون لهذه الفكرة باستحالة تنفيذها لسببين اولهم (هو ان تشكيل هذه القوة يحتاج الى وقت طويل) ولكن لنتذكر ان حماية خطوط نقل النفط كانت تتكفل بها مليشيات الجيش الشعبي في زمن النظام السابق والتي لا يتدرب اعضائها سوى ١٥ يوما في معسكرات التدريب ثم ان كل الشباب تقريبا خدموا  في الجيش ولهم خبرة نتيجة لحروب صدام الكثيرة وتأهيلهم لا يحتاج الى وقت طويل ٫وثانيا (ان إعداد هذه القوة يكلف مبالغ طائلة من ميزانية العراق المنهكة اصلا )ولكن لو استطاع هذا الفيلق حماية انبوب نفط الشمال  وإعادت مستوى التصدير  الى ما قبل الاحتلال اي نصف مليون  برميل يوميا من الحقول الشمالية فانه سوف يدر في ميزانية الدولة  ٢٥مليون دولارا يوميا  اذا افترضنا ان السعر هو ٥٠دولارا للبرميل هذا عدا قدرته على حماية إمدادات النفط من والى بغداد فيدعم زيادة الطاقة الكهربائية المنتجة واستمرار عمل مصفى الدورة .
وطبعا هذا مثال واحد من عدة امثلة يمكن ان تنجزها الدولة  ويتضح فيه  ان تحقيق مثل هذه الخطوات الجريئة تحتاج الى حكومة قوية تمتلك ارادة سياسية جبارة لتستطيع مواجهة التحديات الخطيرة وبناء اقتصاد مابعد الحرب وذلك بمشاريع ذات جدوى اقتصادية وسياسية واجتماعية .  ثم ان إعداد الخطة الخمسية او كما يصفها البعض بالاستالينية  للنهوض بالواقع الخدمي في العراق يحتاج قبل الاموال للارادة وللنية الصادقة وان الشعب سوف يكون الظهير والداعم للحكومة وهو مستعد ان يتحمل  كل المصاعب اذا شعر بان الدولة جادة في انشاء البنية التحتية والقاعدة الاقتصادية المتينة لدولة نفطية بحجم العراق ٫ولكن هذا لايتم بالضغط  على الشعب من خلال رفع الدعم عنه وخاصة في هذه المرحلة الصعبة جدا  وهو منهك اصلا  من سياسات العهد السابق ٫بل يتم كما ذكرنا انفا بتطوير الصناعة النفطية كمرحلة اولى ويأتي بعدها تطوير القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com