|
البصرة و(مافيات) الإعلام الأسود علي آل شفاف عرف البصريون ـ مبكرا ـ مكامن الخطر في مدينتهم، وعرفوا كيفية التعامل معها. وقد نجحوا ـ إلى حد ما ـ في سياسة (إرهاب الإرهاب) وتخويفه وتحجيمه، ومحاصرة بؤره، وخلاياه اليقظة والنائمة. كان هذا أحد أهم العوامل التي ساعدت في حفظ الأمن والاستقرار فيها، ولو استخدمت هذه السياسة في جميع أنحاء العراق لما انهار الوضع الأمني فيه إلى الحد الذي هو عليه الآن. وكان هذا ـ أيضا ـ أحد العوامل التي أغاضت المجرمين والقتلة وبعض الخصوم السياسيين معا، وأثارت الحسد والحقد والضغينة لدى كل من لا يريد خيرا للعراق عموما وللبصرة خصوصا. نعمت البصرة ومنذ سقوط (صنم الهزيمة والانكسار) بالأمن والاستقرار، خلا بعض الفترات البسيطة التي تحدث فيها بعض الخروقات، أو تتحرك فيها بعض المصالح؛ لكنها بقيت تمثل إحدى المحافظات الأكثر أمنا واستقرارا. ولعل هذا هو أحد عوامل دوام تدفق نفط البصرة الذي هو مصدر العيش الوحيد في عراق اليوم. وهو أيضا أحد دلائل نجاح الجهات السياسية والعسكرية (من الشرطة والجيش والميليشيات المساندة)، المتواجدة في البصرة في السيطرة وحفظ الأمن والاستقرار فيها. وقد كان من المتوقع والمفترض المحافظة على الوضع العام، والتوازنات السياسية والعسكرية، على ما هي عليه، لحين بسط الدولة سيطرتها على خلايا الشر، وحاضنات الإرهاب، وبؤر المجاميع (المنفرة المكفرة )، في المحافظات المعروفة؛ ومنع عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشيعة فيها . . إلا أنه . . فجأة! ودون سابق عهد وسبب! انهالت (مافيات) الإعلام من كل حدب وصوب . . ينفث بعضهم سموم حقده، وينثر آخرون درنات جهلهم وغبائهم . . فاختلط (الحابل بالنابل)، وغدا الكل يصيح ويصرخ ويبكي ويرثي البصرة . . كل هذا، وأهل البصرة يتعجبون!! ما الذي حصل؟ عماذا يتكلم هؤلاء؟ وهل جاء أحدهم إلى البصرة، ليرى كيف يعيش أهلها بأمان وسلام؟ الذي حصل أن قوى الغدر والجريمة، المتربصة بالعراق وبالبصرة الشر، حصلت على فرصتها التي تنتظرها، عندما نشرت الأطراف السياسية المتنازعة في البصرة خلافاتها في ساحة الإعلام المستباحة من قبل أعداء العراق. فانتفضت غربان الخراب والدمار، لتستغل وتنتهز هذه الفرصة، فبدأت بالنعيق والنعيب والنحيب كما جرت عليه عادتها، تزييفا للحقائق وتغريرا بحمقى الصحافة والإعلام، وجهلة الرأي العام. فصوروا البصرة بين عشية وضحاها، (مدينة ساخنة) حلت فيها الفوضى، وهي على وشك الحرب الأهلية أو الطائفية، وبدأت بالخراب . . . الخ من هذه السخافات. بعد أن هالني ما سمعت وشاهدت وقرأت في وسائل الإعلام المختلفة، سارعت متصلا بالأصدقاء والمعارف وهم على مستويات ثقافية مختلفة. فكان الجواب أن البصرة بخير وتعيش في أمان، وأغلب ما يتناقله الإعلام مبالغة وتهويل ليس له من الواقع أصل، ومن الحقيقة فصل. كل ما في الأمر أن هناك بعض عمليات الاغتيال التي تحدث بين فترة وأخرى، وفي الغالب تطال أحد البعثيين السابقين؛ أو بعض عمليات الثأر، وهي لا تتعدى الحوادث الفردية، وليس هناك اختراقا أمنيا واضحا. كان هذا قبل أن تزداد وتتفاعل أصداء الحملة الشعواء، التي قامت بها وسائل الإعلام الخبيثة، والتي أفسدت جو البصرة العطر بريحها النتن. لكن ما اكسب حملتها هذه زخما كبيرا وأثرا واضحا، هو تزامنها مع حصول بعض عمليات الاغتيال المحدودة التي حاول الإعلام المشبوه صبغها بالصبغة الطائفية، للتغطية على جرائم الإبادة ضد الشيعة، في ديالى وبغداد وما حولها. ففتح بهذا (باب الفرج) لمتصيدي الزلات، ومتتبعي العثرات. وتحول ـ فجأة ـ الاهتمام والضوء والتركيز الإعلامي من جرائم الإرهاب، وعمليات الإبادة الطائفية تلك؛ إلى عمليات الاغتيال المتفرقة والمتباعدة، التي تحصل في البصرة بين حين وآخر، وإلى دور الميليشيات المسلحة فيها!! وهذا ـ بالضبط ـ ما كان يبغيه وينتظره، بل يتحرق إليه شوقا المجرمون المنفرون المكفرون ومن خلفهم ذيول الخيبة البعثية. فطالما حالت هذه الميليشيات ـ على علاتها ـ دونهم ودون ما يرومون، من إشاعة الخراب والدمار في البصرة. قامت (مافيات) الإعلام الخبيثة بتهويل الخلاف الذي حصل بين بعض الأطراف السياسية في البصرة، وربطه بعمليات الاغتيال تلك، وتصويره على أنه سبب في اختلال مزعوم في أمن المحافظة، المستقر في الواقع، برغم الخروقات البسيطة. وتحت هذه المطرقة الإعلامية انخدع الكثيرون، وتصوروا كارثة هي ـ في الواقع ـ وهم، صنعه (دهاقنة المافيات) هؤلاء. وقد وصلت شدة التزييف إلى الدرجة التي انخدع فيها الكثيرون من اعلاميينا ومثقفينا وسياسيينا فأصدر بعضهم بيانات القلق والاستنكار المتسرعة، جهلا عن نوايا أعداء العراق، وكسلا عن التحقيق والتدقيق في الأمر . . ثم وصل الأمر أخيرا إلى الحكومة تحت وطأة نعيق ونعيب بعض الواجهات الإجرامية التي دخلت الحكومة غفلة وجهالة وضعفا. وهكذا حقق أعداء العراق غايتين في وقت واحد: أولهما: التغطية والتستر على المجازر التي تحدث في بغداد وديالى والأنبار وشمال الحلة، حتى تحقيق الغاية منها، وهي إكمال التطهير الطائفي ضد الشيعة في هذه المناطق؛ وثانيهما: وتحويل الانتباه والتركيز إلى البصرة، لدعم وحماية القتلة والمجرمين من البعثية والمنفرة المكفرة، الذين عرف شباب البصرة كيفية التعامل معهم، فحيدهم ومنعهم من إيذاء أبناءها. جاء التفجير الإجرامي الأخير في سوق البصرة القديمة والذي أزهقت فيه العشرات من الأنفس البريئة والدماء الغالية، شكرا وتأييدا من قبل القتلة المجرمين لـ (مافيات) الإعلام الأسود، وحملتها الإعلامية الشرسة على البصرة وبالتالي العراق، ودليلا على التناغم والتخادم والتعاون بينهم، من أجل إبادة وقتل العراقيين، ووئد حلمهم الجميل في بناء عراق عزيز حر سعيد. الغريب والمؤلم هو أن هذا التغرير والتزييف جر وراءه (ببغاواتنا) الإعلامية ـ وخصوصا بعض التي ـ هي هنا ـ في الخارج، والتي لم تكلف نفسها عناء الاتصال بالبصرة والتحقق من أهلها، فدبجت المقالات السوداوية والبكائيات، في رثاء وهم زرعه في أفكارها دَجَلة الإعلام المعادي للعراق. فساهمت ـ بذلك ـ عن قصد أو دون قصد، في زعزعة الأمن والاستقرار في البصرة، ودعمت القتلة والمجرمين الذي فجروا سوق البصرة القديمة، وشاركتهم في سفك دماء أبنائنا.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |