بغداديات .. كريّم ... و ... صديّم

بهلول الكظماوي / أمستردام

bhlool2@hotmail.com

إلحاقا ببغداديتي للأسبوع المنصرم، والتي كانت بعنوان ( استمبر احمر ) والتي وعدت القرّاء الكرام بمتابعة الحلقة الثانية منها.

ولكن قبل البدء بحلقتي هذه احب أن اعيد ما أكدّت عليه في الحلقة السابقة على أني لم أقصد ألاسائة وألاستهانة والتنكيل بأحد، سواءً كان حزباً وكياناً سياسيّاً وفرداً...الخ، بقدر ما اريد أن اشير إلى حالة الكبت السياسي والاجتماعي والحرمان من الحقوق المدنية والحريات، إذا قدّر لهذا الكبت أن يجد له مجالاً ومتّسعاً لهذا ألتغيير وقدّر أن يعبّر وينفـّس عّما بداخله فسيكون عبارة عن غليان مرجل وطوفان كاسح وسيل جارف ليس عندنا نحن أبناء الشرق فقط، بل حتّى في الدول الغربية التي تعتبر متقدّمة مدنياً وتكنولوجياً وبها مؤسسات مجتمع مدني وديمقراطي ليست وليدة اليوم، بل أتت نتيجة ممارسات لحقبات زمنية متلاحقة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من رقيّ وتقدم.

وضربت مثلاً لتخبّطات وفوضى وسلبيات الثورة الفرنسية والثورة البلشفية...الخ من الثورات التغييرية، ثم استمرت هذه الفوضى لما بعد الأحداث التغييرية الاّ دلالة للاندفاع غير الموزون نتيجة ألانفلات من الكبت السابق إلى الانطلاقة نحو التحرّر الغير مقيّد والغير مقنّن.

واحبّ أن أضيف أليوم على تأكيدي هذا الذي كتبته في الحلقة الماضية إلى حالة الالتباس والضبابية التي تصاحب ألانفلات من الكبت السابق إلى الحريّة المنفلتة والاندفاع غير الموزون التي صاحبت الثورة الفرنسية ثم الثورة البلشفية مثالاً على جرى في العراق أثناء سقوط الصنم وما بعد هذا السقوط.

الثورة الفرنسية.

هنا لا اريد أن اطيل الشرح واستفيض البحث في مجرياتها ( لأنّ الموضوع الذي أكتب فيه هو العراق ولا شاغل لي غير العراق )، غير أني احبّ أن اشير الى حالة الفوضى والتخبّط التي حصلت أثناء سقوط صنم بغداد وما بعده ما هي الاّ حالة إنسانية عامّة ولا تنحصر ببلد وشعب معيّن دون آخر، بقدر ما هي حالة طبيعية تصاحب غالبية حالات التغيير من الكبت إلى الانطلاقة المنفلتة والغير موزونة.

فلا يخفى على أحد ما كان عليه المجتمع الفرنسي ابان حكم الاستبداد، من تفشي حالة الاستبداد الكنسي إلى حالة انقسام المجتمع إلى طبقة نبلاء برجوازية أقلية مستحكمة في الاغلبية الساحقة المسحوقة من الشعب الفرنسي.

روّاد الثورة وقادتها مونتسكيو، فولتير، روبسبير، دانتون، جان جاك روسو...الخ الذين كانوا يلهبون حماس الجماهير الثائرة ويخططون للإطاحة بحكم الاستبداد كانت نتيجتهم التي آلوا إليها أن سحقتهم الفوضى، وحتى مخترع جهاز المقصلة البشعة قطع رأسه بنفس المقصلة التي اخترعها لقطع رؤوس رموز العهد المباد.

أمّا الثورة البلشفية :

فلا يخفى على أحد حجم الاعدامات التي نفذها استالين بعشرات اللالوف من أعضاء الحزب الشيوعي السوفيتي حتى طالت قيادات عليا فيه ومن أقرب المقرّبين منه، حتى ان اليهود الذين كانوا متنفّـذين في العهد القيصري البائد ركبوا موجة التغيير الذي قاده لينين بعد أن قدّر للجيوش المحاربة لروسيا القيصرية على الحدود من إفلاته ( لينين ) من سجنه في بطرس برغ ليستثمر تحرره وليحدث انعطافة في التأريخ لم تكن تتوقعها الجيوش المعادية التي افلتته، وليبتلى القادة الجدد باليهود الذين ركبوا موجة التغيير في الجديد، حتى لم تنفع مع القادة الجدد إنشاء جمهورية ( بيروبيجان ) السوفيتية لليهود، فاليهود يريدوا كل شيء مّما اضطرّ القيادة السوفيتية الجديدة في محاولة للتخلّص منهم ( اليهود ) بالاعتراف بدويلة إسرائيل مباشرة لمجرّد إعلانها سنة 1948.

وأخيراً احب أن اشير إلى ما جرى عندنا هنا في هولنده قبل أربعة سنين، عندما رشح ( بيم فورتاون) نفسه للانتخابات في هولنده وكان شخصاً مثلياً يدعوا الى الشذوذ والتحلّل وغير مرغوباً به إضافة لبرنامجه الغير مقبول من غالبية الشعب الهولندي، ولكن ما أن قتل هذا الشخص بطلق ناري الاّ وتعاطف الشعب مع حزبه الذي كان يرفضه بالأمس، وفعلاً فاز حزبه رغم أن صاحبه قد قبر إلى غير رجعة، ولكن فشل الحزب بعد شهور قليلة من استلام زمام الأمور فاستلم معارضوه الحكم من بعده، بعد أن هدأت العاطفة الجياشة.

 

البغدادية :

( ما بين كريّم وصديّم )

 

نعود بالذاكرة للأحداث التي صاحبت ثورة وانقلاب ( سمه ما شئت ) 14 تموز 1958 على الملكية والإتيان بالجمهوريّة لأوّل مرّة إلى العراق بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، حيث كانت المرحلة انتقالية تفتقر إلى رئاسة الجمهورية، فاستعيض عنها بمجلس سيادة مؤلّـف بمحاصصة ( أشبه بالطائفيّة ) وان كانت غير معلنة.

* فكان يرأس مجلس السيادة هذا ممثلاً غير معلن للسنّة العرب هو الفريق الركن محمد نجيب الربيعي.

* ويمثل الشيعة العرب الشيخ محمد مهدي كبّـة.

* أمـّا ممثل الأكراد فكان خالد النقشبندي.

و هؤلاء الثلاثة هم بمجموعهم ( مجلس السيادة ) يمثلون رئآسة الجمهورية التي كان دستورها مؤقّتاً آنذاك لحين اجراء انتخابات دستورية.

لنرجع إلى بغداديتنا هذا اليوم ولنرى ما سمّي بالمدّ الشيوعي والذي اعتقده أنا ليس بمدّاً شيوعيّاً بقدر ما هو انفلات للمكبوتين تمظهر بمظهر ما اطلق عليه بـ ( المدّ الشيوعي ).

حدث مصادفة أن دخل أحد ألمعدان إلى بغداد، وكان عادة المعيدي ( وهم أهلنا الذين نتشرّف بهم مثل ما نتشرف بباقي اخوتنا سواء كانوا اكراداً وبدواً...الخ ) كان من عادتهم إذا أرادوا السفر إلى بغداد يجتمع عندهم الأهل والأقارب والأصدقاء لتوديعهم وكأنهم يبتغون السفر إلى خارج العراق، وكذلك الحال حينما يعودون من بغداد الى قراهم نرى ناسهم يأتون لأستقبالهم, وكثيراً ما نجد أن الكثيرين منهم ولدوا وعاشوا ثمّ ماتوا وهم لم يغادروا قراهم مدى وطيلة حياتهم.

 الخلاصة : دخل أخونا المعيدي وصادف أن كانت بغداد تحتفل يوم ذاك بيوم العمال العالمي، ومظاهر الفرح والزينة منتشرة في العاصمة العراقية، رأى الحيطان متّشحة بالقماش الأحمر وهو شعار الشيوعيين، صدحت في آذانه شعارات الشيوعيين، رنى ببصره ليرى حمامات السلام، رفع بصره إلى السماء فشاهد ( نعيج الماي ) طيور الماء فضنها حمامات السلام، رفع نظره إلى السماء من الجهة الثانية أثناء عبوره لجسر الشهداء والشمس في الأصيل ليرى السماء حمراء تضيف إليها شعلة النار المنبعثة من احتراق غاز مصفى الدورة حمرة داكنة إلى حمرتها فظنّ أن الشيوعية قد وصلت حتّى إلى السماء فعندها هتف قائلاً :

( حتى الله شيوعي يا كريّم ).و العياذ بالله.

و بعد ذلك الحدث تمضي الأيّام والشهور والسنين وتذهب حكومة ونظام وتأتي حكومة اخرى ونظام آخر...وأخيراً يستـتب الوضع بالقهر والقوّة الغاشمة إلى حزب البعث المحتكر من قبل صدام ويتمظهر العراق كلّه بمظهر حزب البعث، فكلّ شيئ محتكر لحزب البعث، التعيين، التوضيف، الدراسات العليا، بل منذ الدراسة الابتدائية....الخ.

كلّ شيء لصدام، تدخل العاصمة فترحّب بك لافتة كتب عليها : مرحباً بك بعاصمة صدام، ملعب كرة القدم اسمه ملعب صدام، المستشفى الرئيسي يحمل اسم مستشفى صدام، المطار مطار صدام، مدينة الثورة مدينة صدام، المؤسّسات كلها بعثية.

و يصدف أن يدخل أخونا المعيدي مرّة ثانية إلى بغداد ولكن هذه المرّة في عهد صدام وحزبه البعثي وكان الوقت مبكّراً صباحاً ليشاهد بغداد وقد توشحت هذه المرة بشعارات البعث فرمى ببصره وهو مارّاً على جسر الشهداء ليحدق بالسماء فوق مصفى الدورة المطفأة شعلته نهاراً فلم يجد تلك الحمرة في السماء فقد تغيّر كل شيء، حتّى السماء لم تعد حمراء، فحينها نطق أخونا قائلاً :

( حتى الله بعيثي يا صديّم ).

و ألان عزيزي القارئ الكريم :

 شتّان ما بين كريّم وصديّم، فكلاهما قد رحل، فالأوّل رحل من الدنيا ولم يترك غير ذكره وحسناته التي فاقت أخطائه، أمّا الثاني فقد رحل رغم أنّه لا يزال يتنفّس ويعيش بكنف أسياده ألانكلو أمريكان ألا أنّه كمن مات موتاً سريريّاً، لكن ألتأريخ يسجّل وذاكرة المعيدي تسجّل وتتبدّل ألقناعات، وألحياة تجارب يورّثها ألآباء للأبناء وألأيّام يداولها الله بين الناس.

و المثل المصري يقول : محدّش يتعلّم الاّ من كيسو، أي للتعليم ثمنه المدفوع، وكثيراً ما يكون الثمن المدفوع غالياً وليس رخيصاً !

أرجوا من الله أن يكون الثمن الذي دفعناه في البصرة يوم أمس كافياً لقاء الموقف الوطني الشهم الذي صرّح به رئيس الوزراء العراقي الاستاذ نوري المالكي حول ضرورة فتح تحقيق لمجزرتي حديثة والاسحاقي ونحن معه نؤيده ونؤآزره في الذود عن حرمات أهلنا ومواطنينا، راجياً من الله أن ينوّر بصيرتنا ونتعلّم أن ليس كلّ ما يرد في وسائل الإعلام المعادية لشعبنا العراقي هو عين الحقيقة والصواب، وان رسائل التهديد التي يروّج لها في الحرب الإعلامية هي جزء اساسي من الحرب القتالية، وخصوصاً عندما تستقر الأوضاع وتحين ساعة الاستحقاقات للتحرّر والاستقلال ولجلاء القوات الأجنبية المحتلة.

ودمتم لأخيكم

 نداء فوق العادة !

 من حكايات جداتنا ايام زمان ونحن اطفال، ان كان يتخذ شكلاً من اشكال الانتخابات في الازمنة الغابرة عن طريق اطلاق طير اسمه ( طير السعد ) وبعد تحليقه في الفضاء يحط على رأس واحد من الجماهير ليسعده بالحكم، فيصبح من حينها وساعتها حاكماً وملكاً للبلاد.

وأنا اقترح على الذين لم يتوافقوا لحد ألآن على وزير للداخلية ان يتخذوا من هذه الطريقة المثلى لهم وزيراً لداخلية العراق.

على أن تتوفّر فيمن يجري الاختبار عليهم مهما كان عددهم الشروط التالية : *الصدق والاخلاص للوطن وليس لشيئ آخر.

*المساوات وعدم التفريق بين أبناء القوميات والمذاهب والاديان من المواطنين.

 *ألكفاءة والقدرة على القياد.

*الحزم والشدة في تطبيق القوانين وعدم الرحمة مع المجرمين كائن من كانوا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com