ما لايمكن تحقيقه

 خالد صبيح

khalidsabih@msn.com

أينما يضع السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي قدميه ساعيا لحل أزمة سياسية أو توترا امنيا ستسبقه أو تلحقه أيدي التخريب الأخطبوطية ساعية بدورها لتقويض أي دور أو قدرة للحكومة على لعب دور ما في معالجة مشاكل واحتقانات الوضع العراقي. هذا ما حدث بعيد عودته من مدينة البصرة، التي زارها لوضع حد للتوتر السياسي والأمني فيها، حيث تفجر الوضع في المدينة بعيد الزيارة بصورة ملحوظة وغير مسبوقة بانفجار سيارة مفخخة ليعقبها رد فعل مصطنع ضد مسجدين سنيين كتطييف قسري للمسار الأمني والسياسي  في المدينة. وقبل هذا كان السيد المالكي قد شهد بنفسه حالة الفوضى والتجاذب بل التنازع في مجلس محافظة المدينة الذي عكسه اللغط والفوضى  والمقاطعات التي سادت اجتماع المجلس مما اضطره لان يلعب دور قارئ المنبر الحسيني  لحثهم( بترديده الصلاة على محمد وال محمد ثلاث مرات) على السكوت والإصغاء إلى ما كان يريد قوله لهم. هذا الوضع وغيره من أوضاع متفجرة في كل أنحاء العراق  ولاسيما في العاصمة بغداد يؤكد على ضرورة أن يضطلع بالجهد الأمني أناس مختصون ومعنيون بالواجب الأمني لكي لا يضطر رئيس وزراء غارقا باهتمامات واستحقاقات إدارية وسياسية واسعة وعميقة إلى التصدي لملفات جزئية في منطقة هنا أو هناك. لهذا استوجب بالبداهة أن يُسَرع في حل أزمة تشكيل الوزارتين الأمنيتين المعطل انجازهما بسبب التصارع الدائر بين الأطراف السياسية على هذا الملف وعلى كل شان  وطني آخر.

  والسؤال هنا هو هل ستستطيع حكومة السيد المالكي إيجاد مخرج عملي ومناسب لحل هذه الإشكالية بنفس الطريقة والآلية التي حلت بها أزمة تسمية الحقائب الوزارية الأخرى؟

 لقد كانت مشكلة تسمية الحقائب الأمنية من بين اكبر المعضلات السياسية التي واجهت الأطراف السياسية العراقية بسبب من حساسية وأهمية هاتين الحقيبتين، ولانعدام الثقة بين جميع الأطراف تعرقلت كل المساعي لحل هذه ألازمة مما أدى إلى طرح فكرة بديلة هي أن يتسلم الحقيبتين أناس مستقلون بعدما عجزت آلية المحاصصة التي اعتمدتها الأطراف المتنازعة لحل كل الإشكالات السابقة عن حل هذه المسالة العالقة.

 وتسليم الحقائب الأمنية لأناس مستقلين  يمكنه أن يكون حلا مثاليا لهذه الإشكالية التي تعيشها الحكومة ويدفع ثمنها المواطن العادي يوميا دماء وخوف وقلق ومعاناة مؤلمة لنقص أو انعدام الخدمات إلا انه كحل يبدو غير ممكن التحقيق وذلك  لعلة رئيسية تكمن في طبيعة العقل  السياسي  للقوى  التي تدير العملية السياسية في العراق الآن ، والتي أثمرت التركيب المحاصصي الطائفي والعرقي الذي أسست له هذه القوى ومارسته باندفاع مريب. والواقع الذي أنتجته هذه العقلية هو بالتحديد الذي سيعيقها عن حل أي إشكال ستواجهه وليس إشكال تسمية حقائب حساسة كحقيبتي الدفاع والداخلية فقط.  فهذه الحكومة التي انبثقت كتعبير عن عقل المحاصصة الطائفي الذي أفرزته الآلية السياسية  تحمل بذور عجزها  ودمارها بداخلها ولهذا سيكون عجزها مزمنا  وملازما لمسارها ومعرقلا لسعيها في حل أي إشكال طالما بقيت المحاصصة  هي المبدأ المتحكم في نظرتها للواقع وفهمها له. وبهذا سوف تقع هذه الحكومة ومعها العملية السياسية والقوى السياسية المسيرة لها في مأزق كلما خرجت، إن استطاعت، من آخر.

  قد تستطيع الأطراف المتنازعة محاصصيا إيجاد مخرج لهذه المشكلة، ففي النهاية  مسالة تسمية وزراء هي إجراء إداري قانوني بقدر ماهو سياسي. لكن هذا لا يمنع من القول إن هذه الوزارة وبسبب  خلفية  تشكلها سوف لن تستطيع النجاح ولا حتى  البقاء إلا إذا استطاعت، هي والقوى السياسية المنضوية تحتها والتابعة لها،  أن تجترح معجزة الوحدة الوطنية، المعطلة، بصورة حقيقية. وهذا يتطلب منها  السعي بجدية وصدق لأبعاد شبح الفرقة الطائفية والعرقية بتبنيها لمشروع وطني يكون قاسما مشتركا يضع في برنامجه المبادئ الوطنية الأساسية كوحدة العراق و تأكيد هويته المتعددة  البعيدة عن مجاراة الأهواء القومية والطائفية لهذا الطرف أو ذاك، وكذلك تكريس رابطته العربية، الجغرافية الثقافية، وليست العنصرية، ووضع وتعميق مفهوم المواطنة كوحدة جوهرية لتركيب المجتمع، والعمل على خلق آليات ديمقراطية سليمة وليست شكلية، وإبعاد الدين عن الدولة وعن المجتمع.

  وهذه  كما  يبدو مهام مستحيلة وشروط تكاد تكون تعجيزية لا تستطيع هذه القوى بتركيبتها الحالية وظروفها الآنية أن تنجزها  بل ولا حتى باستطاعتها تخطي صراعاتها لتفتح الأفق على واقع جديد وحلول جديدة، وهذا العجز سوف لن يخلصها ( أو يعفيها) منه سوى نقلة نوعية في وعي الشعب العراقي تعينه على الأخذ بزمام المبادرة كما الشعوب المتحضرة.  وان حدث هذا فانه سوف يقوم  باجتراح سابقة استثنائية غير معهودة تاريخيا  هي انه سيحرر نفسه بنفسه بغير ما طليعة سياسية تقوده.   

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com