|
أطفالنا بين رحى ثقافتين فاتن الجابري أتصلت بي أحدى صديقاتي والتي تعيش منذ سنوات في احدى البلدان الأوربية وعلامات الاستياء بادية عليها من خلال أرتجافات صوتها المخنوق بالعبرات التي تحولت الى شهقات وبكاء مر ، حاولت تهدئتها لإلتقاط بعض الكلمات ليتسنى لي فهم الموضوع ، قالت تصوري جائتني اليوم أبنتي وهي في السادس الأبتدائي تطلب نقودا وعندما سألتها بماذا تحتاجيها ، أجابتني أنها تريد كوندوم ( واقيا جنسيا ) لانها تحتاجه في درس العلوم في المدرسة ، والمعلم أوصاهم أن يتعلموا شرائه بأنفسهم من الصيدلية ، هدئتها بأنه أمر عادي ويحدث في المدارس هنا لوقاية الفتيات من حمل مبكر ، وقلت لها قبل أسابيع أهتزت ألمانيا بأسرها لقصة فتاة صغيرة حملت في الحادية عشرة وأنجبت في الثانية عشرة وأعتبرت أصغر أم في المانيا لذا صارت المدارس تعطي الدروس في التوعية الجنسية وخطورة الحمل المبكر وقنوات التلفزيون تبث برامجا تكشف فيها عن أزدياد حالات الحمل بين الفتيات الصغيرات وكذلك عدد الاطفال غير المرغوب فيهم ، أننا نعيش في مجتمعات مختلفة كليا عن ثقافتنا التي تربينا عليه ، عاداتنا تقليدنا قيمنا تتقاطع تماما مع الكثير من المفاهيم هنا ، المشكلة بخطورتها وثقلها تقع على اطفالنا الذين شاءت الظروف أن يعشوا ثقافتين تتناقضان أحيانا شكلا ومضمونا وحتما تلتقيان في نقاط أخرى جوهرها التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات . أن الاختلاف بين ثقافة البيت وثقافة الشارع والمدرسة يضع الاطفال والمراهقين بين رحى كفتين لا بل كماشتين تنعكس على الطفل على شكل ضغوط نفسية تقوده في أحيان كثيرة الى الأنعزال والتقوقع على ذاته وعدم الاختلاط بأقرانه فتنمو لديه المشاكل النفسية التي تستدعي في معظم الاحوال التعاون بين الاهل والمدرسة لمساعدة الطفل على تجاوزها والخروج منها بنفسية منفتحة متصالحة مع تناقضين مفروضين ، قبل أن تتأزم الامورالى دهاليز العيادات النفسية الطويلة التي يتعذر الخروج من نفقها هنا بالذات لسنين عديدة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |