صديقي السني .... أبو عمر

جواد السعيد

J12alsaaid@hotmail.com

تعارفنا ونحن في سن دون العشرين يوم درسنا العلوم البحرية سوية في البصرة، رقيقا يتعاطى الشعر الشعبي يردد ابياتا لمظفر النواب، جنوبي يحن لشط العرب ويعشق بساتين الحناء في السيبة والواصلية والفاو ثلاث سنوات معا, أحببته جدا نختلف تارة ونتفق أخرى, وعملنا معا  وأبحرنا سوية وتقاسمنا المعاناة ، أبو عمر كان عنيدا لا يلويه دوار البحر يجابه العاصفة بثغر باسم يدور على الجميع ممن اصيبوا بدوار البحر لاتفارق النكتة لسانه ، كل شئ عنده سهل،أيام الحرب العراقية الأيرانية كان نجلس لنشتم  صدام سرا نطلق عليه أسماء مستعارة ونشتمه بها علنا أمام طاقم السفينة,تراودني حالة الغضب يحولها أبو عمر الى مزاح يتحملني كثيرا ينشرح ويعلوا صوته ضاحكا حتى أعود للهدوء ثانية.

ذات مرة عمل في إدارة الشركة ونسب في القلم السري كانوا يعتقدون إنه بعثي جيد وحريص على أسرارهم يثقون به لا لشئ هو يقول فقط لأنني سني, أزوره في المكتب يقول لي(( تعال شوف أولاد إصبيحه شمسوين شوف هذا يخت إصديم كم تكلفته)) اطلعت على كثير من أسرار الشركة وقتها علمت منه العناصر التي تكتب تقارير للمخابرات على الطواقم البحرية، يحذرني منهم لا تتحدث بالقرب منهم لا تأمنهم !!! وهكذا

في انتفاضة شعبان الخالدة عام 1991 ولما اجتاح علي كيمياوي البصرة وقتل المئات من الشباب وأعدمهم على جدار كلية الآداب في ساحة سعد كنت قد ضاقت علي الارض خرجت متخفيا بعد أن بت تلك الليلة أترقب اعتقالي من قبل الجيش وكانت البندقية محشوة وقد وطدت نفسي على أن أقتل من يدخل علي الدار ولم أستسلم بسهولة لهؤلاء الأوغاد.

تذكرت أبو عمر في الزبير سأحاول الوصول إليه وندرس الأمر سوية، وأنا في الباص وقد علا الوجوم وجوه الركاب كان الذي بجانبي يحمل أمتعته تجرأت وسألته عن جهة قدومه قال من السليمانية  فكيف الأمور هناك؟ قال : اذا استمر الكرد على هذا المنوال سوف تسقط بغداد خلال أيام..!! وعادت لي النشوة وارتفعت معنوياتي وبدأت أفكرفي القتال ثانية ولكن مع من وهذه قوات البعث سيطرت على كل شئ في البصرة..!!

وصلت الزبير وقت صلاة الظهر طرقت الباب أجابتني زوجته من وراء الستار من؟ قلت فلان أسال عن أبو عمر قالت: هو يصلي الآن بعد برهة عادت تنادني تفضل خويه من الباب الآخر فالإستقبال هناك. دخلت وما أن استقر بي المجلس دخل أبو عمر وكالعادة عندما رآني ضجرا متعبا قابلني بابتسامته المعهودة وتحول الأمر الى مزاح وقال: (( كنت انتظرك تجي  وأنت على بالي أدري هذي الهوسة ماتفوتك خوية)).

قال: هذا بيتك وهذه سيارتك سوف أذهب وأحضرعائلتك هنا وهذا البيت نتقاسمه معا والذي يصير عليك يصير علي قلت سأنتظرقليلا ثم أغادر لا أريد أن تتحمل مسؤوليتي قال: أنت معي ولن تفارقني أبدا, سأذهب غدا للدائرة أعرف الأخبار وسوف نرى الامور، بقيت عنده ثلاثة أيام وكانت أيام شهر رمضان بعدها غادرت بيته مع شدة ممانعته.

عدت بعد خمسة عشر عاما للبصرة اتصلت به جائني لنلتقي في سوق المغايز تعانقنا حتى البكاء ذهبنا الى كازينو البدر جلسنا تناولنا الغداء معا، أبو عمركما هو لم يتغيرعلى رغم طول المأساة في العراق فلازال متفائلا مرحا لا تهمه الدنيا مهما تقلبت بأهلها، ومن لطائفه يقول أسميت اولادي عمر وزين العابدين وزينب ودائما أحاول أعمل فتنة طائفية بينهم ولم أفلح!!!!!

هذا صديقي السني الذي أسدى لي كل هذا الجميل ورافقني في أيام الشباب والعمل وشاطرني بيته وقاسمني همومي وأخلص لي كل الأخلاص,فكيف لي أن أقتله؟؟؟ خبروني بالله عليكم ، وهل يستطيع هو قتلي ؟ لا أعتقد إنا كلانا قادران على ذلك ولن نفعل اطلاقا فأنا أحبه وأحميه مهما مرت به من خطوب.

أعتقد أن الآف الحالات تشبه هذه الحالة والتي تمثل قمة الأخاء الشيعي السني في العراق وليس هناك عاقل في كلا الجانبين أن يقبل هذا الوضع الشاذ الذي يسود الوسط العراقي، ولانملك من القول إلا أن نلعن البعث والبعثين والصدامين والزرقاوين وأتباعهم الأنجاس ومن يشجعهم ويدعمهم ويقويهم بمال أو كلمة.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com