الزرقاوي: نهاية الأسطورة

نضال نعيسة

sami3x2000@yahoo.com

يخطئ المجرمون، والقتلة، كثيراً، حين يعتقدون بأنهم بمنأى عن يد العدالة. وبأنهم، بجرائمهم ناجون، وأن تلك الدماء، والأرواح البريئة، التي زهقوها، لا تستنهض، ولا تستصرخ أذرع الحق، وروح العدالة، وتدخل السماء كي تقتص من قاتليها. فما أسهل ارتكاب الجريمة على مرضى العقول، والمنحرفين، ولكن، وبنفس الوقت، ما أصعب أن يفلت هؤلاء من العقاب، وينجوا بأفعالهم السوداء. ومن يعتقد بأنه قادر على العيش، والاستمرار على، والمتاجرة بآلام وعذابات الناس، فهو دجال خطير، وواهم أشرّ كبير. لقد زينت نفوس القتلة الآثمة الشريرة، الجريمة، وغذّاها فكر ضال، منحرف، ولا علاقة له بأية شريعة وسماء. ومهما طال الزمن، وتفنن المجرمون في أساليب التمويه، والاختباء، فلا بد هم، يوماً، في يد العدالة، واقعون. أسطورة الزرقاوي "السوبرمان" المدعوم من السماء، والذي كان يقتل بدم بارد، تلك الأسطورة التي فبركتها الخيالات المريضة، وحيكت حولها الكثير من القصص، والروايات، و"الكرامات"، تنتهي، وكما كان متوقعاً لها، وبشكل منطقيً.
فأي عقل مريض هذا الذي كان يتصور، أن هذا الشخص، وهو يتباهى ويتمادى بالقتل والإجرام، ممكن أن يكون زعيماً، وقائداً، و"خليفة"، لأية دولة، أو أي كيان سياسي يوماً ما، ومهما كان هذا الكيان بدائياً ومتخلفاً، ومتحجراً. لكن الحقيقة المؤسفة، والمؤلمة، بآن، أن العقل القاصر السقيم ، وحده، يمكن أن يتقبل ويتعايش مع كل هذه الخزعبلات، والأوهام، والخرابيط. أسطورة كاذبة، زائفة، وبائسة، عوّل كثيرون عليها، واعتقدوا بأن هذا الأسلوب الدموي الشاذ البائس، والمنحرف، هو "الحل"، وهو الطريق لبناء دول، ومجتمعات عصرية، تنافس في المحافل الدولية، بشتى الاختصاصات، والمجالات. إنها بداية النهاية لتاريخ ونهج، وعقل صغير، جعل من قتل المواطنين الأبرياء، وسفك دمائهم وصايا سماوية، وواجباً شرعياً، وطقساً مقدساً يجب أن يحظى بالتصفيق والمباركة، والتهليل، وكل من لا يشارك في هذا السيرك الوحشي، والسلوك المريض فهو مرتد، كافر، أثيم. والطامة الكبرى، هو في انتشار هذه العقلية، في أوساط، وشرائح اجتماعية عريضة لا بأس بها وبمستوياتها الأكاديمية، وحتى تحصيلها العلمي. لا بل كنت تجد، فعلاً، وبسبب العجز الحضاري، والتخلف الإنساني، وعقدة النقص الكبير، ومن مبدأ التعويض، من يبرر، وتحت ذرائع شتّى ، كل تلك الأفعال المخجلة، التي يندى لها الجبين.
لم يساهم الزرقاوي، وسلوكه الضال، في التخفيف من معاناة العراقيين، الذين أدماهم الطغيان والاستبداد، والذين اعتقدوا بأن زوال الطاغية الكبير كان عامل انفراج، وفسحة أمل حياتية لهم. بل كان إسهامه الوحيد، هو في زيادة أعداد الضحايا، والمفقودين الأبرياء، وزيادة ضخ الدماء في شلال الدم العراقي الذي لم ينقطع من سنين طويلة. ولقد صفق كثير من الضالين، والمنحرفين لهذا النهج الدموي الذي اختطه هذا السفاح الرهيب، وبنوا عليه آمالاً كبيرة، وعقدوا المشاريع، وتمادوا في غيّهم، وخيالاتهم السقيمة، التي بدا أنها كانت محض سراب. لا شك أن مقاومة أي احتلال هو عمل مشروع، وأخلاقي، وبطولي يستحق الاحترام، والتقدير، ولكن حين يكون جل الضحايا من الأبرياء، والأطفال، والمدنيين، فلا يمكن عندها تسمية هذا بمقاومة، لاسيما حين يترافق مع تحشيد، وتجييش، وفرز طائفي وعنصري بغيض، حاول، مراراً، وتكراراً، زرع نار الفرقة، والصراع بين مكونات شعب عظيم عاش عبر تاريخ طويل بسلم، وتعايش أخوي، لم يعرف له مثيل، ولم يعرف تلك الروح الطائفية الغريبة الخطيرة، إلا حين تسلط عليه هؤلاء المجانين، الذين لا يرون في المواطن، سوى مشروع اصطفاف، وتصنيف ضيق، يغفل العامل، والبعد الوطني الأهم الذي يجب أن يكون في مقدمة الأولويات حين مقاربة أي فعل وطني.
ما فعله الزرقاوي، وشركاؤه، وكل المتورطين معه، مادياً، أو معنوياً، مرفوض بكل المقاييس العسكرية، والأخلاقية، والوطنية، وهو فعل ساقط بكل المعايير الإنسانية، حيث لم يؤت بأية نتيجة إيجابية تذكر، على الصعيد الوطني العام، اللّهم سوى في زيادة أعداد الثكلى، والأرامل، والأيتام، والمفقودين، والمفجوعين بالأحبة من الأطفال، والمواطنين العراقيين المساكين. ثم، وهذا هو السؤال المحوري، ما هو الفكر، وما هي الاستراتيجة الوطنية، والبرامج والخطط السياسية، والاقتصادية التي يمتلكها في عالم معقد بشكل مخيف، وما هي الآلية، والرؤية العصرية الشاملة التي يتحلى بها مثل هؤلاء القتلة، والتي من الممكن أن تكسبهم أية شرعية تمكنهم من إدارة الأمور في أي بلد من بلدان العالم؟ إن تاريخ التطرف، والتعصب، والشوفينية، والفاشية لم يجلب، في الحقيقة، والواقع سوى الحروب، والصراعات، والكوارث، والويلات، في كافة المجتمعات التي تسلّط عليها هذا النوع من الأفكار. ولن تعرف البشرية، بشكل عام الهدوء، والسكينة والاستقرار إلا بعد أن يُكنس فكر التعصب، والتزمت، والانغلاق، ويسود فكر المحبة، والأخوة، والتسامح. ويجرّم كل تفكير يحطّ من إنسانية الإنسان، ويدعو للكراهية، والحقد، وللتعصب والانغلاق.
لقد حان الوقت، تماماً، لتعرية كل هذه الضلالات، والانحرافات وكشفها، وتوعية الناس حولها، تجنباً للإساءة لأية عقيدة، ودين من الأديان. فهذه الأفعال، وبالمطلق، ليست من صلب، وتعاليم أي دين، ومهما حاول الأفّاكون الإيهام، واللعب بعقول البسطاء، والتحايل عليهم، وزجهم في معارك خاسرة سلفاً، وبأنها عمل شرعي، يثاب عليه المرء في دينه، ودنياه. كما أنه لم يعد من الممكن، والحال هذه، السكوت، أبداً على ذلك، ولا بد من وقفة جريئة، وصارمة من كافة الهيئات المختصة، والجماعات الفاعلة، والشخصيات المؤثرة، والمعنية بهذا الملف الخطير لفضح زيفه، وتبيان خطورته على المجتمعات والأوطان عموماً، واتخاذ كافة التدابير، والإجراءات العملية، والنظرية الفكرية للتصدي لهذا الانحراف السلوكي، والضلال الفكري، عبر تعبئة، وفعل وطني جماعي عام. فالأمور لم تعد تحتمل التأجيل، والمزاح.
إن الغوص في خلفيات ما حول تاريخ، وشخصية، وقصة هذا الصعود الصاروخي والمفاجئ لهذه الأسطورة الزرقاوية، قد يكون أمراً زائدا عن الحاجة في هذه العجالة. إلا أن الشيء الملح والمطلوب التأكيد عليه، في كل مرة، وفي كل حالة من هذه الحالات، أن هذه هي النهاية الحتمية، والمنطقية لكل القتلة والمجرمين عبر التاريخ، ولكل من تسول له نفسه الآثمة اللعب بمصائر وحياة الآخرين. وهذه الحقيقة، والواقعة الساطعة هي التي صدمت كل أولئك المعجبين، والمهللين لهذه الشخصية الغامضة، التي أثير حولها الكثير من اللغط، والإشاعات، والأقاويل. وأن المراهنة على سياسة القتل، والتنكيل، هي عملية عبثية، وخاسرة بكل المقاييس، والاعتبارات. موت الزرقاوي لا يعني زوال، وانتهاء الإرهاب تماماً. لكنه، بالتأكيد، خطوة، وإنجاز هام على هذا الدرب الشاق والعسير، ودرس معبر للكثيرين. وإن اجتثات شأفة الإرهاب كلياً يتطلب الكثير من المتابعة، والعمل، والنَفَس الطويل.
لا يمكننا، وحسب وصايا، وتعاليم السيد الزرقاوي، ورهطه الميامين، ومن والاهم إلى يوم الدين، أن نزعل، البتة، أو أن نحزن، ولو قليلاً، على هذه "الفاجعة" الإنسانية الكبرى، وهذه الخسارة البشرية الفادحة، التي من الممكن، ألا تعوض مطلقاً، لأنه ببساطة كان يتمنى هو، شخصياً، هذه النهاية "المفرحة" بكل المقاييس، حيث سيفرح، ولا شك، بلقاء الحور العين، والصبايا الحلوين، والولدان المرد المخلدين. نعم مبروك للزرقاوي هذا المصير. ولكن الفرحة الكبرى، والعيد الأكبر، والتهنئة القلبية الحارة، والصادقة، للشعب العراقي العظيم الذي تخلص من كابوس إجرامي خطير.

 

 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com