|
هكذا يموت التافهون
نزار حيدر
أجرت رئيسة تحرير موقع (سعوديات نت) الالكتروني، السيدة نوال اليوسف، حوارا مع نـزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، وسألته عن معنى مقتل زعيم الارهابيين في العراق اليوم، وما اذا كان ذلك سيضع حدا للعنف الذي يجتاح بلاد الرافدين العزيزة؟. كما سألته عن رأيه بوزراء الملف الامني في حكومة السيد نوري المالكي، والذين منحهم مجلس النواب أمس الثقة الدستورية؟ والأولويات التي ينتظر العراقيون من الحكومة انجازها على وجه السرعة؟.
السؤال الاول:
ما هو تعليقكم على مقتل زعيم الارهابيين في العراق، وفي هذا الوقت بالذات؟. الجواب:
بادئ ذي بدء، أود، أولا، أن أهنئ كل ضحايا الارهاب في العراق وعموم العراقيين، بمقتل زعيم الارهابيين وكبير القتلة المجرمين، سائلا العلي القدير أن يأتي عليهم الواحد تلو الآخر، حتى آخرهم، لينعم العراق وشعبه بالأمن والحرية والسلام والتعايش السلمي. أبارك للعراقيين صمودهم الذين نزعوا به سلاح هذا الارهابي العتيد، فلولاه لما يئس الذين من خلفه، الذين صنعوه وسوقوه اعلاميا، ليقضوا به وطرهم حتى حين. الحمد لله، فلقد تخلى عنه، أخيرا، من كان يقف خلف هذا الارهابي وتركه يلقى مصيره الأسود. تركته الأنظمة العربية الطائفية الشمولية التي تخشى تجربة الديمقراطية في العراق، فسكتت على جرائمه دهرا، فيما دعمته بعضها بأسباب الديمومة والاستمرار. وتركته عدد من الأسر الحاكمة في المنطقة، ممن تخشى على عروشها، الهزة التي ستطيح بها اذا ما استقر العراق، أو هكذا تتصور. تركه علماء البلاط وفقهاء السلطان من التكفيريين الطائفيين، الذين يرون في دور الأغلبية العراقية نذير شؤم عليهم وعلى عروشهم الدينية الطائفية المتهاوية. تركه الاعلام الطائفي العنصري الحاقد، الذي ظل ينفخ فيه حتى انفجر على صخرة الصمود العراقي. هكذا، اذن، يموت التافهون، ممن باع آخرته بدنيا غيره، ظنا منه بأن من يستعمله أداة لتنفيذ أجنداته الخاصة سيعطف عليه بفتات، واذا به يجازيه القتل والى الجحيم. أتمنى أن لا يكرر من ظل يقف وراء هذا الارهابي ، خاصة عدد من أجهزة المخابرات الاقليمية والدولية، وعلى وجه التحديد، المخابرات الاردنية، نفس التجربة مرة أخرى، فيعمد الى تجنيد أدوات أخرى لذات الأغراض والأهداف. أتمنى أن يكونوا جميعا قد استوعبوا الدرس الذي سجله صمود العراقيين وتحديهم وثباتهم وصبرهم وعظهم على النواجذ، من أجل الهدف الأسمى المتمثل ببناء العراق الجديد، وصيانة وحدته، أرضا وشعبا. أتمنى أن يكونوا قد تعلموا درسا مفاده بأن التهديد والقتل لا ينفع سياسة لاركاع العراقيين واذلالهم، ولو كانت هذه السياسة تنجح معهم لنجح الطاغية الذليل صدام حسين الذي سامهم العذاب على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لينتهي به المطاف في بالوعة مهجورة في الصحراء. نعرف جميعا، بأن الارهابي القتيل كان يحمل في عقله المريض تفاصيل أخطر مشروع طائفي لتدمير العراق، خططت له وحاولت تنفيذه، أكثر من جهة محلية واقليمية ودولية، من خلال اثارة النعرات الطائفية بين العراقيين، ولقد حاول تفجير الشارع العراقي بحرب طائفية ما كانت لتبقي ولا تذر، لولا صبر العراقيين وتحملهم، ولولا الحكمة الواسعة التي تتصف بها قياداته الدينية على وجه التحديد، ولذلك فان مقتله مؤشر على فشل مشروعه الذي نأمل أن يقبر بجانبه من دون رجعة، باذن الله تعالى.
السؤال الثاني:
يرى البعض، أن مقتل هذا الارهابي هو انتصار للحكومة العراقية، وقوة دفع حقيقية للعملية السياسية الجارية في العراق. ماذا ترون انتم؟. الجواب:
بالتأكيد، فهو انتصار ليس للحكومة العراقية فقط، وانما لكل العراقيين الذين تحولوا خلال السنين الثلاثة الماضية الى مشروع قتل وتدمير وذبح وتفخيخ لهذا المجرم الارهابي. برأيي، فان مقتله سيعطي العملية السياسية زخما جديدا يدفعها الى الأمام، كما أنه سيمنح العراقيين ثقة اضافية بالمشروع السياسي الجديد الذي تبنوه منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن، والقائم على أساس المشاركة الحقيقية بين مختلف مكونات الشعب العراقي من دون تمييز. ولذلك فرح العراقيون بمقتله، فيما حزن عليه من يشبهه في الهدف والوسيلة، من التكفيريين والطائفيين وأيتام النظام الشمولي البائد. السؤال الثالث:
بعد مقتل زعيم الارهابيين، هل تعتقد بأن تنظيمات الارهابيين في العراق ستنهار بالكامل؟ وهل ترى أن ذلك سينهي موجة العنف التي تجتاح بلاد الرافدين العزيزة؟. الجواب:
يستحسن أن لا نسترسل في التفاؤل المفرط، بمقتل زعيم الارهابيين في العراق، فالحرب على الارهاب حرب طويلة الأمد، لأنها حرب بين قوى النور وقوى الظلام، انها حرب مصير، فاما أن يكون الشعب العراقي أو أن يسود الارهاب والقتل والتدمير، فتعود عقارب الزمن العراقي الى الوراء.
ان
المجرم القتيل لم يكن سوى أداة بيد من صنعه
لتدمير العراق والعملية السياسية الجديدة، من
بين عدد كبير من الأدوات، وأن من صنعه
واستخدمه طوال الفترة الزمنية الماضية، لتنفيذ
سياساته وأجنداته الخاصة، لقادر على أن يصنع
أمثاله اذا ارتأت مصالحه ذلك، واذا كانت أجهزة
المخابرات الدولية والاقليمية التي ارتأت
التخلص من هذه الأداة الآن ولأسباب خاصة، فهذا
لا يعني بالضرورة أنها قررت تصفية كل أدواتها
والى الأبد، فقد تكون سياستها في المرحلة
القادمة تجديد الأدوات بعد أن كادت اللعبة أن
تنكشف على الملأ، الا أن المأمول من بقية
الأدوات والدمى، أن تعتبر بمصير زميلها القتيل
علها تعود الى رشدها فلا تتورط بدماء الابرياء
من أجل حفنة من المال الحرام مغلف بفتوى
طائفية حاقدة، ومعبأ بشعارات دينية كاذبة
ومنافقة وغير حقيقية كالجهاد والمقاومة وما
الى ذلك من الخزعبلات والاكاذيب المفضوحة. فالعراق لا يشهد عمليات ترقيع للواقع السياسي المر الذي عاشه العراقيون طوال نيف وثمانين عاما، بل انه انقلاب جذري على موروث سياسي تأسس على الخطأ واستمر كل تلك الفترة الزمنية، حتى اذا نزا النظام البائد على السلطة في تموز عام 1968 قضى على كل ما من شأنه أن يساهم في بناء الانسان والأوطان. وهذه هي حال الانقلابات الجذرية في القيم والمفاهيم والأسس، عندما تمس واقعا ما، فهي تظل تشهد صراعا دمويا بين قوى الخير والشر، قوى النور والظلام، لحين أن يدب اليأس في الباطل، فترتعد فرائصه وتتحطم مفاصله، فيعلن هزيمته، فينتصر الخير على الشر، والحق على الباطل. واذا قرأنا تاريخ الأمم والشعوب، فسوف لن نجد في حالة العراق بدعا من هذا التاريخ. لنأخذ مثلا على ذلك حركة الاسلام أيام التأسيس الأولى على يد رسول الله (ص) ألم يستمر الصراع بين الخير والشر قرابة نيف وعشرين عاما قبل أن ينتصر الاسلام وتتهاوى أركان الشر المتمثلة بعتاد قريش وجبابرتها؟ فلو لم يكن الاسلام يستهدف استحداث انقلاب جذري في مفاهيم وقيم المجتمع آنذاك، لما دام الصراع المرير بين الخير والشر كل تلك الفترة الزمنية، بل للجأ الطرفان الى التفاوض على الغنائم ولتنازل كل طرف عن بعض امتيازاته لصالح الاخر، ولسار كل طرف الى منتصف الطريق للالتقاء بالآخر ولأتفق الجانبان على تقاسم الحصص والغنائم ولانتهى الصراع بينهما في أسرع وقت، كما هو حال تجار السياسة ولصوص الأوطان الذين يتنازلون عن حقوق الناس للآخرين، بمجرد أن يمس الصراع مصالحهم الشخصية. ما يجري في العراق اليوم هو صراع من هذا القبيل، ولا يمكن أن تكون نتيجته الا أن ينتصر العراقيون في هذه الحرب الشعواء التي يشنها عليهم الارهابيون من التكفيريين وأيتام النظام البائد والطائفيين الذين لا يقدرون، حتى الآن على الأقل، على استيعاب ما يجري في العراق منذ سقوط الصنم، ممن يريدون أن يعودوا بالعراق الى سابق عهده، تحكمه الأقلية على أساس التمييز الطائفي والاثني، فتعود تستفرد بالسلطة، من دون أن يشاركها أحد من العراقيين فيها. السؤال الرابع:
يرى بعض المحللين السياسيين، أن مصرع زعيم الارهابيين يعد فرصة كبيرة لتحقيق المصالحة الوطنية في العراق، كما أنها فرصة للدول التي لم تقف الى جانب الشعب العراقي في محنته وهو يواجه تحدي الارهاب ويسعى لبناء بلده من جديد لتعيد النظر في مواقفها. ما هو تعليقكم انتم على ذلك؟. الجواب:
يأمل العراقيون أن يقتنص الجميع الفرصة لاعادة النظر في سياساته السابقة، ولكن، بين الأمل والحقيقة مسافة لا يردمها الا التفكير الواقعي المبتني على أساس الاعتراف بارادة العراقيين التي اختارت العملية السياسية الجديدة، القائمة على أساس المساواة والتداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف والارهاب. ان على الهيئات السنية في العراق، التي لا زالت تتخذ موقفا سلبيا من العملية السياسية الجارية في البلاد، ساعية الى توظيف أجندات مجموعات العنف والارهاب، أن تعتبر بالنهاية المذلة لهذا المجرم لتعيد بالتالي النظر في سياساتها المشبوهة وغير الوطنية المتورطة في الارهاب، لتقرر الالتحاق بالعملية السياسية الى جانب بقية الفرقاء بمن فيهم السنة الآخرين الذين استنتجوا في نهاية المطاف بأن الارهاب ليس هو الحل وأن العنف لا يخدم البلاد، كما أن العنف والارهاب لا يحققان مصلحة لأحد، ولا يمكن أن يكونا الوسيلة المناسبة لانتزاع حقوق أية فئة أو مجموعة، فاتخذوا قرارهم الشجاع والقاضي بفك ارتباطهم بجماعات القتل والذبح والتفخيخ ليلتحقوا بالعملية السياسية كشركاء حقيقيين، أو هكذا نأمل منهم ونتوسم فيهم. انهم بحاجة الى اعادة قراءة للمشهد العراقي، تتحلى بالشجاعة والموضوعية والواقعية، حتى لا تأخذهم العزة بالاثم، فيصروا على مواقفهم غير الصحيحة، اذ ليس المشكلة في أن يخطأ المرء، لأن كل ابن آدم خطاء، انما المشكلة، كل المشكلة، تكمن في أن يصر المخطئ على ارتكاب الخطأ، وهو يرى أن الواقع يتغير، ولذلك فان خير الخطائين التوابون. عليهم أن يعترفوا بهذا الواقع ويتنازلوا لارادة العراقيين التي سجلت رأيها في صناديق الاقتراع بالدم وبالتضحيات الجسيمة، بكل عزيمة واصرار وثقة. عليهم أن يعترفوا بخطاهم، ولو كان ذلك مع أنفسهم، ليقدروا على البدء بالتفكير الجديد والسليم. كذلك فان على الأنظمة والمؤسسات العربية السياسية منها والاعلامية، أن تتعظ بمصير هذا الارهابي المجرم، لتعيد، كذلك، موقفها من كل ما يجري في العراق، فلا تظل تدعم مجموعات العنف والارهاب بالفتوى الطائفية الحاقدة والمال الحرام والدعاية السوداء المظللة، والدعم اللوجستي. عليهم أن يقرروا، فورا، الوقوف الى جانب العراقيين في محنتهم فيغيروا من مواقفهم السياسية ولهجتهم الاعلامية التي لا زالت تحاول تضليل الرأي العام العربي، والا ماذا نسمي تباكي احدى فضائيات العنف الطائفي الحاقد، على بنود اتفاقيات جنيف لأنها انتهكت جراء نشر صور المجرم بعد مقتله، على حد زعمها، في الوقت الذي رأيناها ونراها يوميا وهي تحتفي بالافلام التي تصور المجرم القتيل أو أحد أعوانه، وهم يذبحون ضحاياهم ويقطعون رؤوس الناس؟. ألا يعني ذلك أنهم، وكما يبدو لي، لا يفكرون بشكل جدي في تغيير مواقفهم بالاستفادة من هذه الفرصة الذهبية؟. ان عليهم أن يستغلوا الفرصة، بالفعل، لتغيير كل سياساتهم ازاء العراق، والقائمة على الحقد والكراهية والخوف والريبة مما يجري فيه من اعادة بناء النظام السياسي واستبداله بالديمقراطية والانفتاح والمشاركة الحقيقية، بعد عقود طويلة من حكم الأنظمة الاستبدادية الشمولية، ليكونوا عونا لهم. السؤال الخامس:
ما هو تقييمكم لوزراء الملف الأمني في الحكومة الجديدة والذين نالوا أمس ثقة مجلس النواب العراقي؟. الجواب:
لقد قلت في مقال سابق، أنه، ومن أجل أن لا أظلم الحكومة العراقية الجديدة واستعجل الحكم عليها، فسأمنحها مدة ستة أشهر لنتأكد جميعا ما اذا كانت جديرة بالاحترام والتقدير من خلال انجازاتها الوطنية الاستثنائية، أم لا؟. للأسف الشديد، فلقد تحول موضوع تسمية الوزير أو الوزراء، مجرد تسميتهم، الى انجاز، أو هكذا يخيل للناس، وهذا خطأ كبير، فتسمية الوزير ليس هو الهدف وانما هو الوسيلة من أجل تحقيق هدف أسمى يتجلى في الانجاز. ما فائدة تسمية الوزير، أي وزير، اذا لم يثبت حرصه على العراق وشعبه الأبي وأمانته على المال العام، واذا لم يثبت كفاءته وقدرته على انجاز الفعل الذي ينتظره العراقيون الذين منحوه الثقة من خلال نوابه في مجلس النواب، الذين حازوا على ثقة العراقيين من خلال صندوق الاقتراع؟. العراقيون ينتظرون الأفعال والانجازات، وهم، وبصراحة أقول، غير مكترثين بالأقوال كثيرا، فلقد اتخموا شعارات براقة ووعود معسولة وكلام جميل، وبقي أن يلمسوا الانجاز الذي يداوي جراحهم النازفة منذ عقود طويلة. انهم ينتظرون أن يباشر الوزير بالعمل لينجز الذي عليه من الحق، خاصة وزارات الملف الأمني، الذي يعد حجر الزاوية في توكيد أو انهيار مصداقية الحكومة الجديدة. وفي كل الأحول، فان العراقيين يتضرعون الى العلي القدير لأن يسدد خطا الحكومة، لتنجح في مهامها التاريخية الموكولة اليها، ويبقى على الحكومة أن تثبت قدرتها وكفاءتها من خلال ابداء اهتمام أكبر بآلام المواطن العراقي وآماله وتطلعاته. السؤال السادس:
ماذا تقول للشعب العراقي ولحكومته الجديدة بعد مصرع زعيم الارهابيين اليوم؟. الجواب:
أقول لهم، انها البداية لمشوار طويل من الحرب على الارهاب، وعليهم جميعا أن يستعدوا لمواجهة كل الاحتمالات، فقد يحاول الارهابيون الرد على مقتل زعيمهم، بتصعيد جرائمهم، وهذا ما يتطلب من الشعب والحكومة الاصطفاف خلف بعض لمواجهة كل الاحتمالات السيئة، فاليقضة مطلوبة، والوعي السياسي والأمني لازم ضروري من ضرورات تحقيق الانتصار على الارهابيين في هذه الحرب المقدسة، من أجل عراق جديد خال من العنف والارهاب بكل أشكاله. ومن دلائل الوعي والحذر، أن يضع الجميع الخلافات الثانوية جانبا، من أجل أن ينشغلوا بالواجبات فقط، أما النوافل والمستحبات، فعلى الجميع تأجيل النظر فيها والحديث عنها، فاذا ما أضرت النوافل بالواجبات، يلزم التأجيل الى الوقت المعلوم والمناسب. السؤال السابع:
وما هي توقعاتكم لمشروع الوحدة الوطنية الذي من المتوقع أن ينطلق في العراق، اثر اعلان السيد المالكي للمصالحة الوطنية مؤخرا؟. الجواب:
في الحقيقة أنا لا أفهم ما هو المقصود بالمصالحة الوطنية، وبين من؟ ومع من؟. فمن جانب، يصف الجميع الحكومة العراقية الجديدة، بأنها حكومة وحدة وطنية، على اعتبار أن كل العراقيين ممثلين فيها أو تحت قبة البرلمان، ومن جانب آخر يتحدث البعض، وخاصة جامعة الدول العربية، عن مشروع تطلق عليه تسمية المصالحة الوطنية. طيب، اذا كان كل العراقيين مشتركون في الحكومة، وهذا باعتراف العراقيين أنفسهم، وكل دول التحالف الدولي، بل وباعتراف حتى من يدعو الى المشروع الآنف الذكر، فماذا تعني المصالحة الوطنية اذن؟. الا اللهم أن يكون المقصود من التسمية هو المصالحة بين الضحايا والجلادين الذين رفضوا المشاركة في العملية السياسية واختاروا السلاح كوسيلة للتأثير في الشارع العراقي، ليس لأن أحدا من العراقيين رفض مشاركتهم، أو أن قوة معينة أبعدتهم عن المشاركة، وانما لأنهم يرفضون العملية السياسية من أساسها، فهم لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يعتقدون بصندوق الاقتراع، فهم لا زالوا مسكونين بنظرية التفرد والاستفراد والاستعلاء والنظرة الفوقية للآخرين، وعدم الاعتراف بالآخر، بغض النظر عن المنطلقات، ما اذا كانت طائفية أو عنصرية أو أي شئ آخر. أقول اذا كان المقصود بالتسمية، هو مصالحة الضحايا مع أمثال هؤلاء، فان المشروع مرفوض جملة وتفصيلا، لأنه يعتمد الظلم في أساس منطلقاته، وهذا ما لا يمكن القبول به من قبل كل العراقيين، والا لما جازفوا وتحدوا كل الصعوبات من أجل أن يصلوا الى صندوق الاقتراع ليقفوا أمامه ليدلوا برأيهم وصوتهم في الانتخابات العامة التي أفرزت مؤسسات الدولة العراقية الجديدة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان الباب لا زال مفتوحا ولم يوصد بوجه أي عراقي يريد المشاركة في العملية السياسية، شريطة أن يلقي السلاح ويعترف بها وبأدواتها ونتائجها، ومن ثم يقرر أن يشارك فيها من دون شروط مسبقة. السؤال الثامن:
يرى بعض المراقبين ان احتواء المسلحين الذين يرفعون السلاح بوجه العملية السياسية من قبل الحكومة العراقية الجديدة، سيعجل في وضع حد للعنف والارهاب في العراق. ماذا ترى أنت؟. الجواب:
لقد بذلت كل الأطراف العراقية، السياسية منها والحزبية والدينية، جهودا مضنية من أجل اقناع المجموعات المسلحة من غير المتورطة بدم العراقيين، لالقاء سلاحها والمشاركة في العملية السياسية. ولا زال هناك من يبذل الجهود الكبيرة من أجل تحقيق ذلك، ولكن يبدو لي أن من أراد أن يقتنع بالعملية السياسية ويلقي سلاحه، قد اقتنع بذلك وأقدم عليه، أما الباقون فاعتقد بأنهم لا يريدون أن يقتنعوا بذلك ولذلك يرفضون التفكير بصوت عال من أجل أن يصلوا الى النتيجة الايجابية التي وصل اليها من قبل، الكثير ممن حمل السلاح ثم ندم عليه. برأيي فان مما لا شك فيه، أن أي حوار مع أي مسلح لم يتورط بالدم العراقي، انما هو أمر محمود بل مطلوب، خاصة في هذا الوقت، وعلى وجه الخصوص، اليوم وبعد مقتل زعيم الارهابيين، لأن ذلك سيصيب الكثير من المسلحين بالاحباط واليأس، ما سيدفعهم الى اعادة النظر والتفكير بطريقة واسلوب عملهم، ولذلك ينبغي أن يفتح العراقيون، الحكومة على وجه التحديد، أمامهم ولهم نوافذ أمل جديد يدفعهم ويشجعهم على الاسراع في اتخاذ القرار الصحيح بنبذ السلاح والايمان بالعملية السياسية للالتحاق بها، كل على طريقته. الذي أتمناه هو، لو أن أي مسلح وجد أمامه نافذة جديدة تفتحها الحكومة أمامه، عليه أن لا يقرأها خطأ، فيتصور بأنها دليل ضعف أو عجز مثلا، بل عليه أن يفهمها على أنها دليل جديد على حرص العراقيين على انتشاله من ورطته لاحتضانه وضمه الى صدر العراق الكبير والحنون على أبنائه كالأم الحنون على ابنها الرضيع. أما اذا قرأ أحدهم الأمر بطريقة خطأ، فسيحرم نفسه فرصة جديدة، وهو بذلك سيظلم نفسه وبلده وشعبه، وهو سيندم في نهاية المطاف ويلعن الساعة التي أغواه فيها الشيطان الرجيم الذي يزين لأوليائه زخرف القول غرورا، كما يحسن لهم الخطأ ليسيروا اليه ويقعوا فيه، وبعد ذلك، تراه يتبرأ منهم، براءة الذئب من دم يوسف. السؤال التاسع:
ما هو رأيكم في نشر ثقافة التسامح في العراق؟ خاصة مع القوى التي لا تريد أن تشارك في العملية السياسية الجديدة، ولا زال يعلن ولاءه للطاغية الذليل صدام حسين؟. الجواب:
وهل هناك غير التسامح علاجا لمشاكل العراق؟. ان ثقافة التسامح هي الحل الأنجع للأزمة التي يمر بها العراق، فالعنف والتحدي وسياسات الانتقام والثأر والانشداد الى الماضي من دون التطلع الى المستقبل والفرض والاكراه، ان كل ذلك لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا، ولذلك فان علينا جميعا، كعراقيين، أن نعمل على اشاعة روح التسامح القائمة على الاعتراف بالآخر والتنازل أحيانا، اذا اقتضت المصلحة العليا، عن بعض حقوقي للآخرين من أجل تهدئة المخاوف وتطمين النفوس المسكونه بالرعب من الحاضر الجديد، والى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة في كتاب الله العزيز والتي تقول{ان الله يأمر بالعدل والاحسان} فالعدل، كما هو معروف، يعني أن يأخذ كل ذي حق حقه، أما المعروف، فهو أن يتنازل صاحب الحق عن بعض حقوقه، وبطيب خاطر، الى الآخر من أجل تحقيق مصلحة عليا أكبر من هذا الحق أو ذاك، وهذا ما نحتاجه اليوم في العراق الجديد. ليس هناك أية مشكلة في أن يجهر المواطن بموالاته لأي كان، وان كان للطاغية الذليل، اذ أن من حق كل مواطن أن يعتقد بما يشاء، شريطة أن لا يلجأ الى السلاح لفرض ما يعتقد به هو شخصيا على الآخرين، فذلك هو الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه والتورط فيه أبدا. لقد قرأت قبل أيام، عبارة يتخذها أحد المواقع الالكترونية العراقية شعارا له، تقول العبارة{نحترم الآخر ولو اعتقد بحجر، لكن، أن يرمينا به، فسنرد الحجر من حيث أتى}. ما أحلى وأجمل وأروع هذه العبارة بمفهومها الانساني، وكم أتمنى أن يتخذها العراقيون شعارا لهم ينقشونه بماء الذهب ويعلقونه في بيوتهم ومكاتبهم وأماكن عملهم، لتتحول الى واقع فعلي يتعايش معهم، فليؤمن العراقي بما يراه صحيحا، اذ ليس لأي أحد سلطة على قلوب وعقول ووعي الناس، شريطة أن يحترم آراء الاخرين وخياراتهم وما يؤمنون ويعتقدون به، أما أن تؤمن أنت بما تراه صحيحا وتمنعني من أن أعتقد بما أراه أنا صحيحا، فذلك هو الظلم بعينه، والذي ينبغي أن لا نتورط فيه. كذلك، فان من حقك أن تؤمن وتعتقد بما تراه صحيحا من آراء وأفكار ومبادئ، بل وحتى أشخاص، أما أن تلجأ الى العنف والارهاب والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة لترغمني على الاعتقاد والايمان بما تعتقد وتؤمن به، فهذا ما سأقاومه لا زال في عرق ينبض بالحياة، فاذا كان من حقك أن تؤمن بما تشاء، فبالتاكيد ليس من حقك أن ترغم الآخرين على الايمان بما تؤمن به، أبدا. ليؤمن ويعتقد كل عراقي بما يشاء، وليكن الحوار وقوة المنطق والدليل والاعتراف بالآخر، هو سلاحنا الفعال والأمضى في الاقناع وتغيير وجهات النظر. بدوره، فان ذلك بحاجة الى أن يتعلم العراقيون فن الاصغاء، فكما يحب الانسان أن يصغ اليه الآخرون عندما يتكلم، عليه كذلك أن يتذكر بأن الآخرين، كذلك، يحبون أن يصغي اليهم عندما يتحدثون، فاذا تعلمنا جميعا فن الاصغاء بنفس الدرجة التي نعرف فيها فن الحديث، فسنكون قد قطعنا أشواطا مهمة على طريق الحوار والاعتراف بالآخر والجدال بالتي هي أحسن. وأخيرا: شكرا جزيلا للأخت الكريمة السيدة نوال اليوسف، وشكرا لموقع (سعوديات نت) الالكتروني لاتاحته لي هذه الفرصة الثمينة لأتحدث بها الى رواد الموقع والى كل من سيقرأ الحوار. متمنيا التوفيق والسداد للجميع.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |