|
الإرهاب الأكثر همجية هو إرهاب الأزارقة حمزة الجواهري بات أكيدا أن الغالبية العظمى، ما يقرب من تسعة أعشار الشعب العراقي، تعمل وفق مشروع واسع لإنهاء الاحتلال بطرق سلمية، لكن هناك أقلية تحاول إعاقة هذا الجهد، هذه الجهة هي التي يسموها اليوم المقاومة، ويحاول البعض أن يقسمها إلى قسمين، الأول سمي بالمقومة الشريفة أما الثاني يفهم ضمنا على أنه غير شريف، والمقصود منها مقاومة الأزارقة القاعديين، هذه المقاومة المزعومة بالتحديد هي التي نتحدث عنها في هذه المقالة. مما لا شك فيه أن المقاومة حق مشروع للشعوب المحتلة، ولكنها أبدا لم تكن يوما ما حقا مشروعا لفلول نظام دموي مهزوم من قبل شعبه قبل أن يهزمه العالم، لأن أعمالهم المسلحة في حقيقتها أعمال انتقامية ممن هزمهم، ولم تكن أيضا المقاومة مشروعة لفلول السلفيين التكفيريين الهاربين من بلدانهم خلافا لرغبة الشعب العراقي خصوصا بعد أن نعرف حقيقة نوايا هذه العصابات المنافقة. القاعدة قد أعلنت الحرب على الصليبيين أينما كانوا، ولم يكن موضوع تحرير بلاد المسلمين من أيدي الصليبيين إلا ذرا للرماد في العيون كما سنرى، لإنهم نقلوا حربهم إلى البلدان الصليبية في أمريكا وأوربا، فهل الهدف من هذه الحرب تحرير أرض فلسطين مثلا؟ أم تحرير تلك البلدان التي توالي الغرب؟ لنا بالزرقاوي وأسامة بن لادن والظواهري خير مثال، فهم جميعا ينحدرون من بلدان موالية للغرب، فلماذا يتركون بلدانهم ويذهبون بعيدا عنها لحرب الصليبيين؟ ولماذا دائما هدفهم الأسمى إقامة دويلات، أو ما يسمونه بالإمارات الإسلامية السلفية؟ وهل إقامة إمارات من هذا النوع في هذا العالم يمكن أن لها أن تعيش وتستمر في الحياة؟ وهل عاشت إمارتهم في أفغانستان؟ حتى وإن صدقوا بهذا الهدف، وهو تحرير الأوطان من أيدي الصليبيين! فهو لا يرقى إلى وصفه بالمراهقة السياسية، ولا حتى الطفولة السياسية، إنه النفاق وحسب. أضف إلى ذلك أنهم عندما دخلوا العراق لم يحاربوا الأمريكان فعلا، بل حاربوا جميع أطياف الشعب بحجة حربهم على الشيعة الروافض ومازالوا يفعلون ذلك، لأن الهدف هو إثارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، وبالتالي سيكون لهم أمل كبير بالحصول على جزء من العراق المقسم ليقيموا عليه إمارتهم التي يحلمون بها. هذا الهدف كان واضح المعالم منذ اليوم الأول، حيث حدده الزرقاوي في رسالته الأولى للقاعدة والتي عثر عليها مع الرسول أوائل عام 2004، التي يقول فيها ""العراق في الجملة فسيفساء سياسية وخلطة عرقية وتباينات مذهبية طائفية متناثرة لا تنقاد إلا لسلطة مركزية قوية وسلطان قاهر بدءاً من زياد بن أبيه وانتهاء بصدام....""، فهو إذا يهدف من حيث الأساس إلى الوصول للسلطة وحكم العراق أو جزءا منه ويقيم سلطة مركزية، طبعا هو رئيسها، قاسية كسلطة صدام وسلفه زياد بن أبيه، والمفارقة الغريبة هي أن مثليه الأعليين كلاهما نغل كالزرقاوي. لم يكن همه السنة العراقيين كما يدعي نفاقا، فهم في النهاية "أهل العراق" كما يصفهم في وثيقته، بل ما يهمه هدفه النهائي هو ملك العراق، أو على الأقل، جزءا منه، لأنه أدرك أنه سوف لن يستطيع حكم المناطق الشيعية ولا الكوردية، حيث أنه يجد بهم العقبة الأساسية التي تقف أمام تنفيذ مشرعه الخسيس، بهذا الصدد يقول ""(العقبة الكؤود والافعى المتربصة وعقرب المكر والخبث والعدو المترصد والسم الناقع"" (طبعا القصد هنا الشيعة تحديدا)، لذا نقول أنه قد وضع في حسابه منذ اليوم الأول هو إقامة إمارته، التي بشر بها أخيرا صراحة في المناطق السنية من العراق، بالرغم من تأكيده على أنهم لا يختلفون من حيث المضمون عن الشيعة العراقيين بقوله في الرسالة الشهيرة ""ونحن هنا نخوض معركة على مستويين ظاهر مكشوف مع عدو صائل وكفر بيّن (يقصد الشيعة) ومعركة صعبة ضروس مع عدو ماكر يتزيا بزي الصديق ويظهر الموافقة ويدعو الى التآلف ولكنه يضمر الشر ويفتل في الذروة والغارب (ويقصد هنا السنة)"". فهو إذا في معركة مع السنة أيضا، وليس الشيعة فقط. لكن دعونا نعرف المزيد عن حقيقة هذا المنافق من خلال ما ورد في رسالته تلك، بغض النظر عن الطريقة التي ينظر بها لعموم السنة الذين يحتقرهم حيث يسميهم ب "الدهماء"، نكتفي برأيه بمن هم الأقرب إليه وأصحاب الفضل عليه والذين يسميهم "الأخوان"، والمقصود هنا رجال الدين من أهل السنة، الذين وفروا له الملاذ الآمن، فهو يجد بهم منافقين وعلى درجة عالية من الانتهازية، حيث أنهم يتاجرون بأرواح المجاهدين، أي الانتحاريين من جماعته، يقول عنهم الزرقاوي ""وهم كما عهدتموهم يمتهنون التجارة بدم الشهداء ويبنون مجدهم الزائف على جماجم المخلصين قد أزالوا الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد.... وكذبوا!! كل سعيهم لبسط السيطرة السياسية والاستحواذ على مناصب التمثيل لأهل السنة في كعكة الحكومة المزمع إنشاؤها مع حرص في الباطن على السيطرة على المجاميع المجاهدة عبر الدعم المالي لغايتين: الأولى: لعمل دعائي إعلامي في الخارج يستدرون به المال والعطف تماماً كما صنعوا في أحداث سورية...، والثانية: لضبط الوضع وفكفكة هذه المجاميع عند انتهاء الحفل وتوزيع الهدايا والعطايا وهم الآن جادون في إنشاء هيئة شورى أهل السنة والجماعة ليكونوا الناطقين باسم أهل السنة والجماعة ودأبهم إمساك العصي من الوسط والتقلب بتقلب الأجواء السياسية فدينهم زئبقي ليست لهم أصول ثابتة ولا ينطلقون من قواعد شرعية ومستقرة والله المستعان"". وهل هناك وضوح أكثر من هذا؟ فهو لم يجد بهم معينا على هدفه لأنهم منافقين، وصوليين، مرتزقة، وسطيين ودينهم زئبقي، وأخيرا يستعين بالله عليهم لأنه لم يجد بهم معينا للوصول إلى هدفه الأسمى، وهو أن يكون زياد بن أبيه الجديد ليحكم "أهل العراق" بالحديد والنار كما كان صدام يفعل أو كما حكمت طالبان في أفغانستان. فهو إذا لم يكن محررا للعراق من الاحتلال الأمريكي، بل كان يعتقد أن سنة العراق سوف يعينوه على تنفيذ مشروعه، لذا كشر عن أنيابه، حين رفض أهل العراق أحكام شريعته التي طبقها في بعض المناطق التي سيطر عليها، وهكذا كشف عن وجهه الحقيقي من أنه لم يكن يأبه بأهل السنة لأن ما قاله واضح جدا ولا يحتاج إلى تأويل، وعدائه لهم في حقيقته لا يختلف عن عداءه للشيعة، فكل ما كان يحمله من شعارات لم تكن أكثر من نفاق في نفاق، لأنه طالما غازل منظمات أو شخصيات شيعية تحمل أجندات سياسية تتفق معه مرحليا، كان هدفه وبقي حتى ذهابه إلى صقر هو الوصول إلى السلطة وتطبيق تلك الأحكام البهيمية، ولم يترفع عن النفاق كما لاحظنا من خلال المقاطع التي أوردناها من رسالته الشهيرة، فقد كان منافقا من الطراز الأول. قتل الأزارقة كل من وقف بوجه تطبيقهم لأحكام الشريعة الطالبانية من أبناء السنة وبقي يقتل من رجالاتهم حتى يوم مقتله، كما أنه لم يتوانى عن قتل العراقيين من جميع الطوائف في حملات المباغتة للناس في الشوارع بالأسلحة النارية أو بتفجير السيارات المفخخة والعبوات الناسفة أو أحزمة الانتحاريين الناسفة، حيث أن هذه العمليات تعتبر اختراعا زرقاويا بامتياز. مقاومة الأزارقة اختصت بالاختطاف وطلب الفدية والذبح على أساس من الهوية واستهدفت مراكز العبادة الشيعية والسنية على حد سواء من اجل إذكاء الروح الطائفية، وتنفيذ الهجمات الانتحارية على مختلف أماكن التجمع السكاني كالأسواق والمدارس والعيادات الطبية ومراكز تجمعات العمال اليوميين والمآتم ومسيرات التشييع والأعراس، كما وتخصصت بالسيطرة على القرى والقصبات الصغيرة، حتى بلغ بها التوسع لكي تستبيح مدن كبيرة وتسيطر عليها مثل الفلوجة والرمادي، هذا فضلا عن سيطرتها على مناطق واسعة في المنطقة الغربية عند مدخل الفرات للعراق، كون تلك المنطقة حدودية وان نشاطهم العسكري مدعوم من قبل سوريا دعما ماديا ولوجستيا وحتى سياسيا، في تلك المناطق يمكن اعتبارهم السلطة الرئيسية المسيطرة حتى أنهم همشوا دور رؤساء العشائر هناك، وذلك بالرغم من إن تلك المناطق تشتهر بصلاتها العشائرية كونها كانت ومازالت المرجعية الأولى هناك. لكن وبعد إن انخرط العديد من رجال العشائر في تلك المناطق وخصوصا شيوخ العشائر في العملية السياسية، كان للزرقاوي رد فعله الطبيعي على هذا الخروج عن طاعة أمير المؤمنين الزعيم القاعدي المسيطر هناك، فقتل من رؤساء العشائر وأبنائها العشرات مما أثار عليهم نقمة أولي النعمة التي لم يقدروها حق قدرها، فدخلوا في مواجهات مع أصحاب الدار من "أهل العراق" كما يحلو للزرقاوي تسميتهم، انتهت بطرده وأعضاء قيادته من تلك المناطق ليلتجأ على مناطق أخرى لا تقل تفجرا عن الأنبار، ولكن العلاقات العشائرية اقل تماسكا من تلك التي تعرفها الأنبار، كان اختيار الزرقاوي لهذه المناطق هو إن ما يزيد على نصف المجتمع فيها من الشيعة الروافض الكفرة في شريعة الأزارقة والكورد الخونة كما يصفونهم أيضا، وما دام مشروع الزرقاوي يرتكز على إثارة الفتنة الطائفية فإن أعمال القتل بأبشع صورها قد انتشرت في هذه المناطق وفي محيط بغداد بعد انتقال مركز قيادة القاعدة إلى هذه المناطق. وهكذا وقع الزرقاوي في شر أعماله لأنه كان يعتقد أن الملاذات الآمنة التي كان يحظى بها في مناطق الأنبار سوف يحصل على مثيلاتها في مناطق محيط بغداد أو مناطق مرتفعات حمرين شمال منطقة ديالى، كما وأنه سيجد في بساتينها الكثيفة الوارفة ملاذات أكثر أمنا من تلك التي في الأنبار. حتى الإرهابيين من أمثال بن لادن أو الظواهري قد استنكروا تلك الأعمال، وحتى عبد الباري عطوان الداعية الكبير للإرهاب قد استنكر ضمنا حين وصف الزرقاوي بعد مقتله في الافتتاحية التي ينعاه بها وصفه ب "الإسلامي المتطرف". لكن بقيت فضائية الجزيرة الجهة الوحيدة مستمرة بالتفنن بإيجاد الوسائل والتعبيرات التي تبرر عملياتهم البشعة التي روعت العالم وليس العراق فقط. أما العرب، فإن الكثير منهم مازال يجد بالزرقاوي بطلا قوميا لأنه يقتل أطفال العراق الخونة الكفار، لكن الذي جعل البعض منهم يستفيقون من أفيوم إعلام الجزيرة الإرهابية التي تمولها القاعدة هو عمليات شرم الشيخ وطابا وعمان وغيرها من العمليات التي استهدفت الأبرياء من الناس هناك، بعدها صار البعض ينظر بعين واقعية لما يجري بالعراق من أعمال إرهابية تفرد بها الأزارقة المدعومين من قبل فلول النظام المقبور. بعد مقتل الزرقاوي، لم يختلف اثنان على أن هذا الحدث الكبير بالنسبة للعراقيين سوف لن يضع حدا للإرهاب، ربما هو بداية موفقة للقضاء على الإرهاب، لأن أثره كبير على عصابات القاعدة، وربما سيكون له أبلغ الأثر بتفتيت هذه التنظيمات مع تراجع الدعم الذي كانت تحظى به من قبل أطراف متعددة ضالعة هي الأخرى بالإرهاب، أضف إلى ذلك، مع تقدم الوقت تتكشف حقائق كثيرة عن الإرهاب وعن دوافعه والأطراف الضالعة به وتتضح نظرياته أكثر فأكثر، وهذا ما سوف يساهم بدوره في وضع الأسس السليمة لمحاربة الإرهاب وتوفير الإمكانيات الضرورية لهذه الحرب. قتل الزرقاوي لم ينجح مشروعه بإشعال الفتنة الطائفية، وبقي فلولهم تائهين في مناطق شمال ديالى ومحيط بغداد والعديد من البؤر مازالت تعمل في الأنبار وجبل سنجار المجاور للحدود السورية، وهم اليوم هدفا مشتركا للشعب بكل أطيافه والقوات الحكومية الفتية المدعومة بقوات التحالف الدولي. فهل سنشهد نهاية قريبة فعلا لهذه الفلول المذعورة؟
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |